ماذا يعني حجم فوز روحاني في إيران؟

بقلم كابي طبراني

بعد حملةٍ صعبة وشرسة تميّزت بأقوى معارضة يواجهها رئيسٌ في منصبه، رحّب كثيرون وتنفّسوا الصعداء بإعادة إنتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث حصل على 57 في المئة من الأصوات – أو ما مجموعه 23 مليون صوت. وفي المقابل لم يُحقّق منافسه الأقرب رجل الدين المُتشدّد إبراهيم رئيسي (56 عاماً)، الذي عَيَّنه المرشد الأعلى الإيراني أخيراً الوصي على أكبر منظمة خيرية شيعية، سوى 38.5 في المئة من الأصوات.
على الرغم من المال والعلاقات، فقد فشل رئيسي في التغلب على السمعة السيّئة التي لطّخت إسمه بسبب دوره في إعدام الآلاف من السجناء السياسيين الإيرانيين في العام 1988. وقد عزّز صورته المُتشدّدة كقاضٍ محافظ منذ ذلك الحين. وبالتالي فإن فوز روحاني كان جزئياً، بسبب شخصية رئيسي، التي حفزت العديد من الإيرانيين المُترددين إلى الإدلاء بأصواتهم. وبينما كان المحافظون يسوّقونه كمرشد أعلى للثورة بعد رحيل علي خامنئي، فإنهم ربما يُعيدون الآن النظر في إستراتيجيتهم التي قد تقسّم المواطنين.
كما فشل المحافظون أيضاً في إجبار روحاني على إعادة إجراء الإنتخابات. لمَنع روحاني من الفوز في الجولة الأولى حاول المحافظون تجنّب تشتت التصويت من طريق الحدّ من عدد المرشّحين المُتشددين. لذا منع مجلس صيانة الدستور الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد من دخول السباق، وعَيّن المرشد الأعلى السياسي المخضرم علي أكبر ولايتي في منصب رئيس جامعة آزاد المرموقة، وأجبر رئيس بلدية طهران محمد باقر غالباف على الإنسحاب لصالح رئيسي، مرشح المؤسسة الدينية. حتى أن المحافظين إستعاروا صفحةً من كتاب المُعتدلين بإستخدام وسائل الإعلام الإجتماعية – بما في ذلك المنصات التي كانوا حظّروها، مثل تويتر وإنستاغرام وفايسبوك وتطبيقات الرسائل عبر الإنترنت مثل تيليغرام – للوصول إلى الناخبين الشباب.
ويشكّل الإقبال الكبير – حوالي 70 في المئة، وفقاً للأرقام الرسمية – دليلاً على تعقيد “عدم ديموقراطية الديموقراطية” الإيرانية، التي قضى خلالها الناس ساعات في طوابير آملين أن يُغيِّر إقتراعهم الأمور، وإجبار السلطات على تمديد الموعد النهائي من 6 مساءً إلى منتصف الليل. والأهم من ذلك أن الإنتخابات كانت إستفتاءً على قرارات روحاني وطموحاته.
على الرغم من الإفتقار إلى النتائج الإقتصادية منذ توقيع الإتفاق النووي مع الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن بالإضافة إلى إلمانيا، والرفع اللاحق للعقوبات الدولية في كانون الثاني (يناير) 2016، فقد أظهر الإيرانيون بتصويتهم تعلّقاً قوياً بالإتفاق وما يُمثّله: الإنفتاح على العالم والأمل في مستقبل أفضل.
ولكن، هل سيُغيّر إنتخاب روحاني أي شيء في إيران؟ الجواب هو لا. إن روحاني معتدلٌ وليس إصلاحياً مثل مير حسين موسوي أو مهدي كروبي، اللذين ما زالا قيد الإقامة الجبرية بعدما ترشّحا للرئاسة في العام 2009، وعارضا إعادة إنتخاب أحمدي نجاد المُثيرة للجدل.
في حين أن ولاية روحاني الثانية هي ولاية واضحة لإجراء المزيد من التغييرات، فإنه لن يكون قادراً على إطلاق الإصلاحات المُجتَمَعية التي يأمل بها أنصاره. إن الرئيس الإيراني ليس سوى جزء ضعيف نسبياً من آلية “أوليغارشية” مُعقَّدة حيث تتقاسم فيها المؤسسات السلطة، مثل المؤسسة الدينية، وفيلق الحرس الثوري الإسلامي، وطبقة التجار، والمرشد الأعلى. إن تجاهل هذا الطموح الشعبي يُمكن أن يسحب الدعم بعيداً من المعتدلين، ويفتح الطريق لمرشّح شعبوي في غضون أربع سنوات.
الواقع أن النظام الإيراني يُدرك أن البلد بحاجة إلى مستوى مُعيَّن من الإصلاح. وهو لا يُعارض، على سبيل المثال، مبادرة روحاني الرامية إلى خفض عدد حالات الإعدام، لأنها يمكنها أن تساعد على التخفيف من حدّة التوترات مع الإتحاد الأوروبي.
لكن الأهم من ذلك بالنسبة إلى مستقبل إيران هو أن حجم هذا الإنتصار يجعل روحاني “صانع الملوك”، ومُرَشَّحاً مُحتمَلاً مستقبلاً لمنصب المرشد الأعلى. إن السنوات الأربع المقبلة، وقدرته على إدارة توقعات الإيرانيين من دون الإخلال بالتوازن السياسي، ستقرران دوره المستقبلي في الجمهورية الإسلامية.
وفي حين تعهّد رئيسي، شأنه في ذلك شأن خمسة مرشحين آخرين، بدعمه للإتفاق النووي، فإن إنتخابَ مثل هذا الشخص المُقسِّم والإستقطابي كان سيدفع الشركات الدولية إلى تأخير إستثمارها في إيران أكثر مما هو الحال الآن. كما أن دعمَ رئيسي سياسة “إقتصاد المقاومة” التي أطلقها المرشد الأعلى، كان يمكنه أن يرسل إشارات سلبية إلى الشركات الغربية.
من ناحية أخرى، إن إعادة إنتخاب روحاني تعني أنه سيكون عليه على مدى أربع سنوات أخرى ترسيخ فكرة عدم عودة الجني الإيراني إلى الزجاجة. حتى لو كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب إتّخذ موقفاً متشدّداً أقوى من سلفه تجاه إيران، فإنه لن يُمزّق الإتفاق النووي، والعقوبات الجديدة التي فرضها على عدد قليل من الأفراد والكيانات الإيرانية لمشاركتهم في برنامج الصواريخ البالستية ليس لها تأثير ملحوظ في الإتجاه العالمي.
سوف تضطر إيران قريباً إلى تركيز إهتمامها على إعادة الحوار مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أن التوترات تمنع الشركات ذات المصالح في السعودية والإمارات من الإستثمار في إيران. وسيتعزز الإنتعاش الإقتصادي البطيء فى البلاد اذا ما إستطاعت طهران مناقشة الشروط الإولى لنموذج علاقات جديد مع جيرانها.
إن مشاركة الحجاج الإيرانيين، التي تمّ التفاوض بشأنها لفترة طويلة، في حج هذا العام، والزيارتين الأخيرتين التي قام بهما روحاني إلى الكويت وسلطنة عمان، تُظهر إستعداداً للحديث والحوار.
وقد يؤدّي تطوير العلاقات الديبلوماسية والإقتصادية إلى ظهور مفاوض مقبول من الطرفين، مثل الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني في الماضي. إن التعرف على الطرف الآخر سيكون أفضل خطوة أولى في حوار هادف بين الجانبين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى