الجزائر تتطلَّع إلى التكنولوجيا لتطوير مؤسسات التعليم العالي
يتسم العصر الحالي بالتفجر المعرفي والتكنولوجي وإنتشار نظم الإتصالات والإستعمال المتزايد للحاسوب (الكومبيوتر) والتوسع في إستخدام شبكة الإنترنت،الأمر الذي جعل العالم قرية كونية إلكترونية. وقد بدأت الدول ومنها الجزائر تشعر بالأهمية المتزايدة للتربية المعلوماتية.
إن هناك من يرى أن النقلة المجتمعية التي ستحدثها تكنولوجيا المعلومات، ما هي في جوهرها إلا نقلة تربوية تعليمية في المقام الأول، وأصبح الاستثمار في مجال التربية هو أكثر الإستثمارات عائداً، بعد أن تبوأت “صناعة البشر” قمة الهرم بصفتها أهم صناعات عصر المعلومات على الإطلاق.
إن أحد العوامل الذي يساهم في إرتفاع معدلات بطالة حاملي شهادات التعليم العالي في الجزائر ،يرجع إلى عدم التوافق بين هذه الكفاءات العلمية المُكتسبة من طريق هذه البرامج الجامعية، والمهارات الجديدة للعمل في عصر المعلومات والاتصالات، مما يعني أن المنتج العلمي من الكوادر البشرية في الجامعة الجزائرية ،لا يزال بعيداً من المقاييس العالمية في الجامعات المتطورة.
بقلم مازن مجوّز
من المتوقع أن تساهم أدوات التعليم الإلكترونية والمتلفزة التي قررت الحكومة الجزائرية وضعها أخيراً بتصرف طلاب العلم في مساعدة البلاد على معالجة بعض قضايا القدرات التي تعاني منها منذ فترة طويلة والتي أعاقت تطوير قطاع التعليم العالي وذلك من خلال زيادة فرص الوصول إلى – والحصول على – البرامج التعليمية، وتيسير التعلم عن بُعد.
في كانون الاول (ديسمبر) الفائت أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر عن إطلاق برنامج تجريبي لشهادة الماجستير الإلكترونية (e-masters) الذي سيتم تعميمه عبر خمس جامعات. والمؤسسات التعليمية المشاركة في المبادرة – جامعة الجزائر 1 و 3، جامعة البليدة 2، جامعة قسنطينة 1، وجامعة وهران – سوف تقدم كل منها دورة جامعية متخصصة موجَّهة نحو تلبية إحتياجات السوق المحلية.
على سبيل المثال، سوف توفر جامعة الجزائر 3 التخصص في المحاسبة رداً على إرتفاع الطلب في العاصمة على المؤهلات في هذا المجال، في حين أن جامعة قسنطينة 1 سوف تقوم بتقديم دورة في الإدارة المحلية بعد أن أعلنت الحكومة عن خطط لتنفيذ “الإدارة الإلكترونية” (e-administration) والخدمات “الإلكترونية المحلية” (e-local) الحكومية.
من خلال الإعتماد على تقنيات جديدة في مجال التعليم والبحوث، تتوقع الجزائر أن يلعب القطاع دوراً قيادياً في خطط التحرك نحو إقتصاد قائم على المعرفة. وسوف تساهم الإصلاحات الواسعة النطاق في جميع أنحاء القطاع في مزيد من الدعم لرؤية الحكومة.
قدرة تفوق الطلب
وتأمل السلطات بأن يؤدي إستخدام التكنولوجيا المُبتَكَرة في مجال التعليم إلى تخفيف الضغط على الجامعات في البلاد، التي ناضلت وعانت طويلاً لتلبية الطلبات عليها.
ووجد تقرير للمفوضية الأوروبية في العام 2012 عن التعليم العالي في الجزائر بأن الجامعات هناك تعاني من الإكتظاظ وسوء الإدارة ونقص الموارد. وقد ترددت إستنتاجات هذا التقرير على ألسنة مُقَدِّمي وموفِّري التعليم اليوم. “كل عام نتلقى ما يصل تقريباً إلى 10,000 طلب إنتساب ولكن لا يمكننا إلّا قبول 2500 منها، لذا يُترك الباقي للإحباط واليأس”، قال عثمان لخلف، عميد كلية العلوم الإقتصادية في جامعة الجزائر، للصحافة المحلية في حفل الإعلان عن إطلاق البرنامج التجريبي الإلكتروني. “إن خيار الماجستير الإلكتروني يشكل فرصة لأولئك الذين فشلوا في الدخول إلى الجامعة”، مضيفاً.
التعلم عبر التلفزيون
من ناحية أخرى، تخطط الجزائر لإطلاق أول قناة تلفزيونية تعليمية في خلال العام 2017.
وقال الطاهر حجار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي في كانون الاول (ديسمبر) الفائت بان القناة، وإسمها “المعرفة”، سوف تَبث لطلبة الجامعات، المؤتمرات وورش العمل والمحاضرات عبر فيديو للمؤتمرات ومنصات للتعلم الإلكتروني. ومن المتوقع أن تقوم المحطة بنشر وتوسيع نطاق التعليم العالي في الجزائر، مع تحسين نوعية التعليم والتدريب.
إن محطة “المعرفة” التلفزيونية ستكون قناة التعليم العالي الرابعة في القارة الإفريقية، بعد إطلاق “الجامعة المفتوحة” لتلفزيون السودان، وهو برنامج في موريتانيا، وقنوات النيل للتعليم العالي وقناة “المنارة” للبحث العلمي في مصر.
وقد جاءت دفعة الجزائر القوية لزيادة إستخدام التكنولوجيا في التعليم في أعقاب الكشف عن خارطة طريق جديدة تهدف إلى توجيه البلاد نحو إقتصاد قائم على المعرفة. وتهدف الخطة، التي أطلقها حجار في أيلول (سبتمبر) الفائت، إلى رفع المعايير التعليمية، وتحسين فرص العمل للخريجين وزيادة التركيز على البحوث.
وتتضمن خارطة الطريق نظاماً للتصنيف الوطني وآخر للرصد والتقييم لضمان أن الجامعات الجزائرية تتطابق مع المعايير الدولية ولتحسين خدماتها. كما تدعو هذه الخطة إلى زيادة التعاون بين الجامعات وقطاع الأعمال للمساعدة على ضمان حصول الطلاب الذين يتركون التعليم على المهارات التي تتناسب مع الطلب في السوق.
تعزيز القطاع الخاص
وتُستَكمَل تحسينات تكنولوجيا التعليم ومعايير الجودة من خلال بذل الجهود لزيادة إستثمارات القطاع الخاص في مجال التعليم العالي.
في حين أن قطاع التعليم كان مفتوحاً أمام لاعبي القطاع الخاص من الناحية النظرية، فإن مركزية المناهج وعدم الوضوح في القوانين التي تنظم الجامعات حدّت من إهتمام المستثمرين في الممارسة العملية.
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 تحركت الحكومة لتحسين مناخ الإستثمار من خلال إصدار مرسوم وزاري الذي يفتح رسمياً قطاع التعليم العالي في الجزائر أمام الإستثمار المباشر من القطاع الخاص، لكنه في الوقت عينه وضع إشتراطات قانونية لمُقدّمي الخدمة التعليمية الذين يتطلعون إلى إنشاء جامعات في البلاد.
بموجب المرسوم، فإن عملية فتح جامعة خاصة سيتم تقسيمها إلى مرحلتين. في البداية، تصدر الوزارة المعنية للمتقدِّمين تصريحاً مؤقتاً بمجرد إستيفاء شروط اللجنة الوزارية. ومن ثم يخضع المُقدِّمون لفترة تدريب ورصد، يليها التقييم، وبعد ذلك يمكن منح الترخيص النهائي.
إن المرسوم يسمح بخلق دراسات جامعية وعليا متخصصة في كافة المجالات ما عدا الطب، شرط أن تلتزم البرامج “قيم ورموز الدولة الوطنية على النحو المُحدَّد في الدستور”.
وتسعى الجامعات الجزائرية إلى التقارب والتوحّد أيضاً مع برامج دولية خاصة لتسهيل تبادلات ومناقشات الطلاب والأساتذة. وعلى هذا الأساس فقد وقعت كلية التجارة الجزائرية المحلية (المعهد الدولي للإدارة) إتفاقية شراكة مع جامعة “كيبيك” في كندا وكلية باريس لإدارة الأعمال لتطوير برامج الماجستير. وقد مكّنت هذه الشراكة التعاونية من إستقدام أساتذة من كيبيك لإلقاء محاضرات في الجزائر كجزء من البرنامج التنفيذي لماجستير إدارة الأعمال. وتُعَدّ هذه المبادرة واحدة من مبادرات عدة مماثلة التي تشير إلى مدى تكثيف جهود الجزائر لتحسين العروض في مجال التعليم العالي وإعداد الطلاب بطريقة أفضل لسوق العمل والتي أخذت زخماً في الآونة الأخيرة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن التعليم العالي في الجزائر يواجه تحديات الإمكانات الجديدة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات فالسعي إلى مواجهة هذه التحديات يبدأ بعملية إصلاح معمق للتعليم العالي، فأهم خطوة في هذه المجال هي تحسين نوعية مناهج التعليم الجامعي بإعتبارها تأتي في مقدمة الجوانب الكيفية، التي تُسهم في إنتاج مخرجات هذا النوع من التعليم، ومن أهم القضايا المتعلقة بتطوير مناهج التعليم الجامعي هي توظيف تكنولوجيا المعلومات، ورسم سياسات إستخدام مصادر التعليم والتعلم المستمر…الخ. مع الإستعانة – من الناحية التطبيقية – للتأهيل العلمي المناسب بذوي الخبرة من الممارسين في قطاعات الإنتاج والخدمات، وهو ما يعني أن تكون هذه المناهج في إطار عالمي وبمعايير عالمية، تتواءم مع المفاهيم الجديدة لعصر التطور التكنولوجي والمتغيرات العالمية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.