تونس: جهود مكافحة الإرهاب يُعيقها ضعف المؤسسات

لا تكفي تونس مشاكلها الإقتصادية التي تواجهها، فها هي قضية الجهاديين العائدين والهاربين من الحرب في سوريا والعراق تقض مضاجع المسؤولين والشعب فيها على حد سواء، حيث يمكن أن تهدد عملية الإنتقال السياسي في البلاد إذا لم تجد الحكومة قريباً حلاً لها.

الرئيس الباجي قائد السبسي: حيَّر العالم بسياسته تجاه الجهاديين العائدين
الرئيس الباجي قائد السبسي: حيَّر العالم بسياسته تجاه الجهاديين العائدين

تونس – محمد شعبان

عاد حوالي 800 جهادي مشتبه بهم إلى تونس من الخارج، واضعين ضغطاً كبيراً على السلطات التونسية الأمر الذي قد يهدد بتقويض عملية الإنتقال السياسي في البلاد. من جهتها تكافح الدولة بصعوبة لوضع إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، حيث تقبع خلف المخاوف الأمنية المباشرة، قيوداً مؤسسية تُحبِط الجهود المبذولة لمعالجة التهديدات الإرهابية المحلية.
ربما نتيجة لذلك صدّرت تونس أكبر عدد من المقاتلين الأجانب – سواء بالأرقام المطلقة أو بالنسبة إلى نصيب الفرد – في العالم. ووفقاً لبيانات رسمية من وزارة الداخلية التونسية والأمم المتحدة، فقد غادر منذ العام 2013 حوالي 6,000 تونسي للإنضمام إلى الجماعات الجهادية، حيث إنضمت غالبيتهم إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في سوريا والعراق وليبيا.
إضافة إلى ذلك فقد تم منع 12,000 شخص آخرين من السفر إلى الخارج حسب تأكيد بعض المسؤولين التونسيين. ومع ذلك، فإن النقاش العام الأخير في تونس قد ركّز على قضية الجهاديين العائدين حيث إنقسم الرأي العام حول إقتراحات بإصدار عفوٍ للعائدين.

سياسات متناقضة

إن قضية أنيس العامري، الرجل التونسي المُتّهم بإرتكاب هجوم الشاحنة في برلين في 19 آب (أغسطس) 2016، مفيدة وتعليمية. لقد كشفت هذه القضية سياسة تونس المتناقضة في ما يتعلق بإعادة مواطنيها عندما يتم طردهم من بلدان أخرى. كلٌّ من إيطاليا، حيث إعتُقل العامري لمدة أربع سنوات بين عامي 2011 و2015، وألمانيا، التي رفضت طلبه للجوء السياسي في العام 2016، حاولت ترحيل العمري إلى تونس، لكن السلطات التونسية رفضت قبوله.
في حالة طلب إيطاليا، فقد نفت السلطات التونسية بأن يكون العامري مواطناً تونسياً؛ بينما في الحالة الألمانية، فقد تأخر الطلب بسبب البيروقراطية التونسية المتورِّمة [“ايل فتو كوتيديانا” (Il Fatto Quotidiano)، 22 كانون الأول (ديسمبر) 2016]. وقد ذكر بعض التقارير بأن العامري لم يكن لديه جواز سفر عندما تقدم بطلب اللجوء في ألمانيا، وكان المسؤولون التونسيون بطيئين في إصدار وثائق بديلة [دير شبيغل، 22 كانون الأول (ديسمبر) 2016].
في الأشهر الأخيرة، أُثارت تونس لبساً ولغطاً حول السياسات التي ينبغي أن تعتمدها بالنسبة إلى المسلحين الجهاديين العائدين. من ناحية، تحتجز الحكومة بشكل روتيني الجهاديين العائدين بموجب قانون مكافحة الإرهاب في البلاد الذي صدر في 2015. وفي الوقت عينه، فقد بعثت أيضاً برسائل متناقضة حول عفوٍ محتمل، وهي الخطوة التي تسبّبت بإحتجاجات واسعة النطاق.
في كانون الأول (ديسمبر) 2016، أعادت تونس إثنين من الجهاديين من السودان ومن إيطاليا. الأول كان معز الفزاني، الذي أُعيد من الخرطوم في 23 كانون الاول (ديسمبر)، وهو متهم بالإشتراك في تنظيم الهجوم على متحف “باردو” في العاصمة التونسية، وبالقيام بمحاولات لإرتكاب هجوم ضد ضريح الحبيب بورقيبة في سوسة في العام 2013 [“Kapitalis” 24 كانون الأول (ديسمبر) 2016]. والثاني كان نصر الدين بن ذياب، الذي أُعيد من إيطاليا في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2016، والمتهم بتنظيم خلية جهادية في إيطاليا [“Kapitalis”، 7 كانون الثاني (يناير) 2017]. ووفقاً للمحققين الإيطاليين، فقد أعلن بن ذياب الولاء لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد أُمِر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بالقيام بهجمات في إيطاليا على غرار عملية باريس إنتقاماً للعمليات العسكرية الايطالية في ليبيا ضد “داعش”.
الإعتقالان هما في تناقض واضح مع البيان الصادر عن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الذي، بينما كان في زيارة لفرنسا في 2 كانون الأول (ديسمبر) الفائت، أعلن أن الجهاديين العائدين لن يتعرّضوا للإعتقال تلقائياً [“لوريان لو جور”، 2 كانون الأول (ديسمبر) 2016]. هذا التساهل، مع ذلك، أثار غضباً عارماً على حد سواء من الإتحادات الشعبية والشرطة وواصل في تغذية النقاش الشعبي الحالي.
من جهته دعا حزب “النهضة” الإسلامي في تونس إلى وضع برنامج لإجتثاث التطرف الذي سيتعامل مع الجهاديين العائدين كأفراد يحتاجون إلى الدعم المادي والنفسي. في الوقت عينه أعلن الاتحاد الوطني الأبرز والمؤثر، “الإتحاد العام التونسي للشغل”، عن إعتراضه على أي شكل من أشكال العفو عن الجهاديين العائدين، داعياً إلى أن يُعامَلوا بموجب قانون مكافحة الإرهاب الصادر في 2015.
كما أعرب أعضاءٌ في حزب “نداء تونس” الحاكم والحزب الليبرالي “آفاق تونس” أيضاً عن قلقهم بشأن الجهاديين العائدين ولا يريدون إعادتهم. وقد إتخذت إتحادات قوات الأمن والشرطة مواقف أكثر تشدداً، مع دعوة بعضهم إلى سحب الجنسية لمن تٌثبت إدانته بجرائم الإرهاب، على الرغم من أن مثل هذا الإجراء من المرجح عدم تنفيذه لأن الدستور الجديد في تونس، الموافَق عليه في العام 2014، يحظّره، إذ أن المادة 25 منه تنص على أنه لا يجوز حرمان أي مواطن من جنسيته أو نفيه.

مبادرات إجتثاث التطرف

من أجل نزع فتيل الخلاف، فقد أعلن السبسي بأن معالجة قضية المسلحين العائدين ستكون وفقاً لأحكام قانون مكافحة الإرهاب الصادر في 2015. وهذا الأمر، مع ذلك، يشكّل إشكالية. فوفقاً لمنظمات المجتمع المدني التونسية والدولية، فإن القانون غير ملائم للتعامل مع هذا النوع من التهديد الإرهابي الذي يواجه تونس. في الواقع، غالباً ما يُعتبَر القانون بأنه يركّز جداً على الأمن والقمع المفرط، حيث ينص على بعض التدابير المثيرة للجدل، مثل إعادة إدخال عقوبة الإعدام على الجرائم التي تتعلق بالإرهاب. كما أنه لا يأخذ في الإعتبار الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للتطرف. في الواقع، لا ينص القانون أي مادة تتعلق بمعالجة وإجتثاث تطرف الجهاديين المشتبه بهم.
وقد إقترحت منظمات المجتمع المدني بعض المبادرات في هذا الشأن. على سبيل المثال، أعدّت جمعية إنقاذ التونسيين العالقين في الخارج برنامجاً مُفصّلاً لإجتثاث التطرف قائماً على تحديد خمسة مستويات مختلفة من التطرف.
حسب إقتراح هذه الجمعية، فإن الأفراد المُحَدَّدين في أعلى ثلاثة مستويات – أولئك الذين إرتكبوا أعمالاً إرهابية وقتلوا آخرين؛ أولئك الذين تلقّوا التدريب، ولكن لم ينفّذوا أي هجوم؛ وأولئك الذين تم تلقينهم، ولكن لم يتلقّوا تدريباً – ينبغي أن يبقوا داخل مراكز إجتثاث التطرف، حيث سوف يتابعون برنامجاً يهدف إلى إعادة دمجهم في المجتمع.
تحت هذه المستوبات، يأتي المستويان الدنيا المحجوزان للأفراد الذين يٌظهِرون علامات مبكرة من التطرف، ولكن لم يتم تلقينهم تماماً. بعضهم سيبقى في مراكز إجتثاث التطرف ولكنه يقوم بتنفيذ عمل مجتمعي وإجتماعي يومياً، في حين أن أولئك الذين لا قلق منهم فيتم إطلاقهم ولكن يجب أن يخضعوا إلى تقييم نفسي دوري. لكن هذا الإقتراح لم يتم بعد تنفيذه، وجمعية التونسيين العالقين في الخارج تشكو من عدم وجود تعاون من المؤسسات الحكومية في هذا المجال.

الصعوبات المؤسسية

وهناك قلق آخر يتمثل بالصعوبات الهيكلية على مستوى المؤسسات. من حيث إدارة الأمن الوطني، فإنه ليس من الواضح دائماً من هو المسؤول، هل هو رئيس الجمهورية أم رئيس الوزراء؟ ذلك أن دور كلٍّ منهما ليس محدداً تماماً في هذا الصدد. والنتيجة أن المسؤوليات مُتداخلة، أو ربما حتى مُتضاربة، والتي تصبح أكثر سوءاً عندما يكون رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ينتميان إلى أحزاب سياسية مختلفة.
ومن غير الواضح ما إذا كان رئيس الجمهورية قد يسنّ أوامر تنفيذية مُحدَّدة في مجال مكافحة الإرهاب، أو ما إذا كان رئيس الحكومة قد يتجاوز الرئيس من خلال تعزيز القوانين وإحداث لجان مخصصة.
إن الصعوبات البيروقراطية والضعف المؤسسي في تونس هما ربما الأكثر وضوحاً في تداخل المسؤوليات بين الحرس الوطني والجيش.
المحرّك الرئيسي للجهادية في تونس هو تسلل المسلحين عبر الحدود من ليبيا، نتيجة لتزايد نفوذ الجماعات الجهادية المُرتبطة بتنظيم “الدولة الإسلامية” هناك. وقد وُلِدت “العلاقة الليبية” الناشئة من حقيقة أن نحو 70 في المئة من الجهاديين التونسيين تلقّوا تدريباً في ليبيا. والحرس الوطني – الذي يتبع وزارة الداخلية – والجيش ليس لديهما تفويض واضح بالنسبة إلى عمليات الحدود، الأمر الذي يخلق عقبة رئيسية أمام جهود مكافحة الإرهاب.
من دون برنامج إجتثاث التطرف أو عفو، فإنه من المرجح أن يواجه الجهاديون العائدون السجن. وهنا تواجه تونس مشكلة لوجستية – حيث تفيد السلطات بأنه ليست هناك مساحة كافية لإعتقال جميع العائدين والمحليين المتشددين بأمان [“Webdo.tn”، 3 كانون الأول (ديسمبر) 2016]. وهناك قلق أيضاً من أن السجون هي نفسها صارت أماكن للتطرف.
وفقاً لبيانات صادرة عن وزارة العدل التونسية، هناك حالياً 1647 شخصاً محتجزين بسبب جرائم إرهابية في تونس، وبعضهم يمكنه أن يصبح من المُجَنِّدين للشباب المتطرفين حديثاً.
إن النُظُم المؤسسية التونسية تُعيق جهود مكافحة الإرهاب، كما أن الرأي العام منقسمٌ حول هذه القضية. على هذه الخلفية، كان قانون مكافحة الإرهاب الصادر في العام 2015 غير مفيد وغير مساعد. وفي الوقت نفسه، فقد تم تعيين لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب، ومن المقرر أن تضع الخطوط العريضة لاستراتيجية جديدة، ولكن حتى الآن لم يتم الإعلان عنها أو نشرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى