هل يستطيع محمد بن سلمان إعادة تشكيل المملكة العربية السعودية؟

ينقسم السعوديون حول ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فمنهم من يعتبره بطلاً وآخرون يعتبرونه مُدّعياً إنتهازياً. في الشهر الفائت دعا الأمير الشاب مجموعة من الصحافيين والخبراء إلى جلسة مناقشة في الرياض دامت ساعات عدة أجاب خلالها عن كل الأسئلة. بلال صعب، كبير الزملاء ومدير مبادرة السلام والأمن في الشرق الأوسط في مركز أتلانتيك للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية الذي أسسه مستشار الأمن القومي الأميركي السابق برنت سكاوكروفت، الذي كان بين المدعوين إلى تلك الجلسة وشارك في النقاشات التي دارت كتب التقرير التالي عن الأمير محمد بن سلمان:

الرئيس المُنتخب دونالد ترامب: هل يسير في حوار إستراتيجي جديد مع "م ب س"؟
الرئيس المُنتخب دونالد ترامب: هل يسير في حوار إستراتيجي جديد مع “م ب س”؟

بقلم بلال صعب*

إلمامه بالقضايا كان صلباً، وشرحه لها كان أفضل. لغة جسده تشير إلى شعور بالثقة، على الرغم من أنه كان الشخص الأصغر والأقل خبرة بين الموجودين. يتمتع بكاريزما. ولكن الأهم من ذلك كله، لقد أقدم على التعامل مع أقوى قضية لبلاده لم يسبقه إليها أي مسؤول سعودي سابق.
للتأكيد، ليس من الحكمة تشكيل أي رأي ثابت وجدي حول ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي إلتقيته مع زملاء في الرياض لبضع ساعات، في أعقاب لقاء واحد. ومع ذلك، فإنه من الصعب عدم تقدير كيف يبدو “م ب س”، كما هو معروف في واشنطن، البالغ من العمر 31 عاماً، مُصمِّماً على مواجهة أصعب المشاكل في بلاده في هذه المرحلة المُبكرة في حياته السياسية. بقيادته لحملة من أجل تغيير شامل في المملكة العربية السعودية، فإنه يضع كل شيء على المحك. سواء كان يدفعه طموحٌ أو سذاجة فذلك لا صلة له هنا. ما يهمّ هو أنه يسير قُدُماً بشكل حاسم وبراغماتي.
تشمل تحركات الأمير محمد بن سلمان المُبكِرة خفض مختلف أنواع الدعم، ورفع الضرائب، وبيع أصول الدولة الرئيسية، ضاغطاً من أجل ثقافة الكفاءة والمساءلة في البيروقراطية السعودية المعروفة بعدم إنتاجيتها، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للقيام بدور أكبر في الإقتصاد. على الرغم من أنه الثالث في ترتيب ولاية العرش، فإن الأمير الشاب يتحكّم بشكل كامل بإحتكار الدولة للنفط، وصندوق الإستثمار الوطني، والشؤون الإقتصادية، ووزارة الدفاع الضخمة. إستحوذ على كل هذه الحقائب مباشرة بعدما أصبح والده، الملك سلمان، ملكاً في كانون الثاني (يناير) 2015، وتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد وتعيينه ولياً لولي العهد.
إن القول بأن صعود “م ب س” السريع قد ولّد جدلاً في المملكة العربية السعودية، وإلى حد ما في واشنطن، سيكون تصريحاً مكبوحاً. بالنسبة إلى أنصاره، فهو يُعتبر بالفعل كمنقذ للمملكة. بالنسبة إلى منتقديه، الذين كان من بينهم أمراء سعوديون يجيدون إستخدام “تويتر” (بعضهم يعيش خارج البلاد)، فهو مُدَّعٍ إنتهازي. مثل هذه الإنقسامات من المُنتَظَر أن تحدث كلما حاول أحدهم التغيير وإعادة ترتيب نظام يضم العديد من المُستفيدين. لذا فإنه من المنطقي أن يكون هناك على حد سواء إثارة وعدم إرتياح حول قيادة “م ب س” المفاجئة للسياسة السعودية. هناك قلق واضح هو أن مهمات عدة قد أسنِدَت إليه. إن أي محفظة تغطي كلاً من الدفاع والإقتصاد هي شاقة حتى بالنسبة إلى أكثر الساسة خبرة، ناهيك عن شخص ليست لديه خبرة كبيرة في السياسة العامة. ومع ذلك، فإن تكديس السلطة بين يدي الأمير محمد بن سلمان يجب أن تُوضَع في منظور أوسع. هذه العملية، التي تبنّاها والده، تهدف إلى منحه الصلاحيات اللازمة لقيادة الإصلاحات الصعبة وإدارة فعّالة للمعارضة الداخلية.
على الرغم من أنه من السابق لأوانه إلى حد كبير تقييم عملية إصلاح إقتصادي على المدى الطويل بدأت للتو، فإن العودة إلى سياسته الدفاعية في وقت مُبكر ليست واعدة. يبدو أن لدى الأمير محمد بن سلمان الأفكار الصحيحة حول كيفية إنشاء جيش أكثر فعالية وبناء قدرة صناعية دفاعية محلية: تطوير سياسة إنتاج دفاعية وإستراتيجية إستحواذ، وخلق بنية تحتية مؤسسية أكثر تبسيطاً للدفاع الوطني، والإستفادة بشكل كامل من برامج متوازِنة هي بداية ممتازة. ولكن حرب المملكة العربية السعودية في اليمن المجاورة، التي يُشرف عليها كوزير للدفاع، قد فشلت في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، مما أدّت إلى كارثة إنسانية في بلاد منهارة أصلاً وإلى كابوس في العلاقات العامة في واشنطن ولندن. كيف ستخرج المملكة من اليمن في الوقت الذي ما زالت تريد تحقيق أهداف أمنها القومي الأساسية ومن غير تقديم تنازل كبير لإيران، غريمتها اللدودة، سيتطلب فن حكم داهياً يكتبه “م ب س”. وظيفته ليست مستحيلة، ولكن كلما زاد موت المدنيين اليمنيين أكثر، كلما أصبحت أكثر صعوبة.
قلق آخر ينتاب الأميركيون أكثر من السعوديين، هو أن صعود “م ب س” يغيّر نظام ترتيب تولي الحكم في البلاد. هناك الكثير من الأحاديث في واشنطن حول تهميش “م ب س” لإبن عمه الأكبر سناً الأمير محمد بن نايف (م ب ن)، المسؤول الثاني في المملكة. ولكن ليس هناك دليل على إنقسام في الحكومة في الرياض. إن الطائفية بالتأكيد موجودة هناك (وهي حالة تكاد تكون فريدة من نوعها في النظام السياسي السعودي)، ولكن ليس من النوع الذي يؤدي إلى الإقتتال الداخلي والشلل، على الأقل ليس في أي مكان قريب مما يربك ويحدث في واشنطن حالياً. تشير الحقائق إلى أن الأميرين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف (م ب ن) يعملان معاً بشكل وثيق ويلتقيان يومياً تقريباً. محافظهما تكمّل كلٌ منها الأخرى. في الواقع، ليس هناك مجال كبير للتداخل أو المنافسة. “م ب س” هو المسؤول عن إصلاح الإقتصاد وتعزيز الدفاع الوطني. و”م ب ن” يسيطر على الملف الهائل للأمن الداخلي الذي يتضمن مطاردة الإرهابيين والحفاظ على القانون والنظام في المحافظات والبلديات الواسعة والعديدة في المملكة.
ومن المخاوف المرتبطة هو أن “م ب س” يتحرك بسرعة كبيرة، لا سيما في الشؤون الإقتصادية والثقافية، الأمر الذي يُغضب ويُزعج النظام القديم ويهزّ أسس العقد الإجتماعي في المملكة. ومع ذلك، فإن المخاطر تعكس ضخامة التحديات الإقتصادية والإجتماعية التي تواجه المملكة العربية السعودية، التي تتطلب تحوّلاً. وهذه التغيرات تؤدي حتماً إلى درجة معينة من عدم الإستقرار. ومن المفهوم أن السعوديين خائفون، ولكن هناك أيضاً إجماعاً قوياً وحاسماً داخل الحكومة السعودية حول عدم إستدامة النظام الإقتصادي الحالي في البلاد والطريقة التي تُسيَّر بها الأمور. تُدرك الرياض أنه كان ينبغي عليها الوصول إلى هذا الإستنتاج قبل 10 أو 15 عاماً، كما فعل معظم دول الخليج الأخرى المنتجة للنفط — ولكن أن تصل متأخراً أفضل من ألّا تصل أبداً.
على الرغم أنه من الإنصاف طرح الأسئلة والتعبير عن مخاوف بشأن السلطة التي تبدو ضخمة الممنوحة ل”م ب س” وجدول أعمال الحكومة، فإنه لا ينبغي للمرء أن يفوِّت الفرص الفريدة التي تكمن في نظام سعودي يقوده محمد بن سلمان. ولعل الأهم من ذلك، أنه لم يحدث من قبل في تاريخ المملكة العربية السعودية أن تحدّث وتواصل عضو في العائلة المالكة مع الشباب السعوديين الآملين. في بلد حيث أكثر من نصف السكان هم تحت سن 25 عاماً، فهذا أمر ضخم. بسبب صغر سنه، وقضاء حياته كلها في المملكة العربية السعودية (خلافاً للعديد من أفراد العائلة المالكة الآخرين)، وفهمه العميق لإحتياجات وتطلعات أبناء جيله، فإن ” م ب س” هو في وضع مميز للإدارة والإستفادة من السكان الشباب الكثر في البلاد، مُستخدماً مهاراته من أجل تعزيز برنامج الإصلاح.
إن إلتزام ولي ولي العهد بالجدارة والكفاءة هو حقيقي، ومناقض تماماً للحكم القائم على أساس المحاباة والمحسوبية في البلاد. فقد قام بتعيين وتوظيف الأفضل والألمع، وأولئك الذين هم دون المستوى المطلوب وأداؤهم ضعيف إما طُلب منهم حزم أمتعتهم وتسريحهم أو عُرِضَت عليهم خطط تقاعد مبكر. في الوقت نفسه، فقد وقف الأمير محمد بن سلمان في وجه المتشددين الدينيين في المملكة. في الماضي، تجادل ملوك سعوديون عديدون، بمن فيهم الملك عبد الله بن عبد العزيز، مع رجال الدين بشأن مسألة التغيير، إلا أنهم تراجعوا لتجنب نزاع خطير قد يؤدي إلى قلب الإستقرار الداخلي والنظام الملكي. لقد تعلم “م ب س” من هذه التجارب. وللتعامل بفعالية مع المشايخ الذين يرغبون في الحفاظ على الوضع الراهن، يقول “م ب س” أن لديه إستراتيجية ذات ثلاثة محاور. بدلاً من مواجهة المعارضة الدينية، فهو سوف يناقشها، ويُقسّمها، ويُقنع ويحوّل أعضاءها مُستخدماً المبادئ المبنية على القرآن والتعاليم الدينية من حياة النبي محمد وأقرب زملائه.
وفقاً ل”م ب س”، هناك نسبة صغيرة جداً من المتشددين عقائدية جداً. وإذا حرّضت أو لجأت إلى العنف، فستُتخذ ضدها إجراءات عقابية كالعزلة وغيرها. إن أكثر من النصف، كما يعتقد، يمكن تحويلهم من خلال الحوار، والباقي إما لا مصلحة لهم ولا يهتمون أو ليسوا في وضع يمكّنهم من أن يُسبّبوا أي مشاكل خطيرة. ويعتقد “م ب س” أن جهود الإصلاح ستنجح عندما تكسب مجندين من صفوف المحافظين. وضرب مثلاً الشيخ سعد بن ناصر الشثري، رجل الدين المؤثر الذي أُقيل من منصبه في العام 2009 من المجلس الأعلى لعلماء الدين لتحدّيه إصلاحات الملك الراحل عبد الله. وهو الآن مستشار في الديوان الملكي، وبالصبر والمثابرة والمناقشة المستمرة معه، فقد تحسن ببطء ولكن بثبات لتقبل وتفهم أفكار “م ب س”. ومن المرجح أن يكون هذا الأمر منح الأمير الشاب مزيداً من السلطة.
وإذا كانت إعادة بناء الإقتصاد السعودي لمرحلة ما بعد النفط ليست صعبة بما فيه الكفاية، فإنه ينبغي على “م ب س” أن ينفذها في الوقت الذي يتورط في حرب مُكلفة في اليمن، ويراقب بشكل محموم التقدم الإيراني في جميع أنحاء المنطقة، والتعامل مع دول جارة تعيش عنفاً على نحو متزايد. بصفته أكبر مسؤول عسكري في البلاد، فإن بصمات أصابع “م ب س” ستكون في جميع أنحاء السياسة الخارجية السعودية في الحاضر والمستقبل. إن رؤيته الدولية هي قيد التقدم العملي لأن خبرته في هذا المجال كانت متواضعة، لكن ملامحها بدأت تتشكل.
في ما ينبغي ألّا يكون صدمة لأحد في واشنطن، يتفق “م ب س” مع وجهة نظر الحكومة السعودية بأن إيران تمثّل وتُحرّض العلل الرئيسية الثلاث في المنطقة: تصدير إيديولوجيتها، وزعزعة إستقرار الدول، والإرهاب. إن المشكلة ليست أبداً إيران في حد ذاتها، كما حرص الأمير على التأكيد: إنه النظام الراديكالي الذي وُلِد من الثورة الإيرانية في العام 1979. ورداً على سؤال حول مستقبل الصراع السعودي – الإيراني، وما إذا كانت الرياض تنظر في فتح قناة إتصال مباشر مع العدو لنزع فتيل التوترات وإقامة أرضية مشتركة، أجاب أنه لا توجد جدوى من التفاوض مع دولة ملتزمة تصدير إيديولوجيتها الإقصائية، والإنخراط في الإرهاب، وإنتهاك سيادة الدول الأخرى. إلى أن تغيِّر طهران توقعاتها المُريبة العميقة وسلوكها، قال، فإن المملكة العربية السعودية لديها الكثير لتخسره من إقتراح سابق لأوانه للتقارب والتعاون.
على الرغم من أن لدى “م ب س” منظوراً إقليمياً مُرتكزاً على إيران، فهو ليس غافلاً عن إنتشار التطرف السنّي العنيف ومكائد تنظيمي “الدولة الإسلامية” (داعش) و”القاعدة”. وفيما يثير تأثير ” الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا قلقه العميق، فإنه يعتقد أن المنظمة يمكن إحتواؤها في المشرق العربي، وفي نهاية المطاف هزيمتها بالنظر إلى وجود دول قوية مثل مصر والأردن وتركيا والمملكة العربية السعودية. في إفريقيا، من ناحية أخرى، يُمكن ل”داعش” أن يزدهر، ويعمل بكل سهولة، ويسبب ضرراً أكبر، على حد قوله. لهذا السبب فإن المملكة العربية السعودية، بعد حثّ “م ب س”، قد إلتزمت المساعدة في محاربة التهديد المتزايد من التطرف العنيف في إفريقيا من خلال الشراكة مع منظمات المساعدات والتنمية الدولية، بما في ذلك اليونيسيف، ومؤسسة “بيل وميليندا غيتس”، والتخطيط لعدد من المبادرات في السنة المقبلة.
إن التطرف المحلي هو أيضاً مصدر قلق كبير. كان “م ب س” في أواخر سنوات المراهقة فقط عندما أوعز أسامة بن لادن إلى أتباعه الجهاديين بشن تمرد قاتل ضد المملكة بعد غزو الولايات المتحدة للعراق، وهو يتذكر بوضوح تلك الحقبة المظلمة في تاريخ المملكة العربية السعودية. وقد فهم في ذلك الوقت المغزى العميق لمناورة الإرهابيين من أجل السيطرة على المدن المقدسة في الإسلام والثروة النفطية. لقد فشل تنظيم “القاعدة”، على الرغم من أن رجال الأمير محمد بن نايف إستغرقوا شهوراً لسحق الإنتفاضة الجهادية مع بعض المساعدة من وكالة المخابرات المركزية الأميركية. كانت الإشتباكات بين أجهزة مكافحة الإرهاب السعودية والإرهابيين، وغالبيتهم العظمى من السعوديين، إندلعت في العديد من المدن والمراكز الحضرية، بما في ذلك العاصمة الرياض، جدة، الخبر، مكة المكرمة، الطائف، وينبع. وكان أطول وأعنف صراع محلي ضد نظام الحكم في المملكة منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة.
من جانبه، يوافق “م ب س” على أن المملكة العربية السعودية إرتكبت أخطاء عندما تحالفت مع الولايات المتحدة وجنّدت مقاتلين جهاديين لهزيمة الشيوعية خلال الحرب الباردة، ولكن هذا كان في الماضي، قال. منذ ذلك الحين، كانت المملكة العربية السعودية ضحية للإرهاب وحليفاً رئيسياً في الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب، مكرّسةً موارد كبيرة لهذه المهمة. إن هذا صحيح على الرغم من أن البلاد يمكنها أن تفعل أكثر بمواجهة الخطاب المتطرف على نحو أكثر فعالية. أما في ما يتعلق بتهمة الوهابية بأنها تعادل الإرهاب، فقد صعق “م ب س” من سوء فهم الأميركيين العميق لهذا المنهج في الإسلام. وجادل بأن تاريخ التشدّد الإسلامي ليست له علاقة بالعقيدة الدينية في المملكة العربية السعودية، التي أسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر. “إذا كان إنشاء الوهابية تمّ منذ 300 سنة، فأين كان الإرهاب عندها؟”، سأل. مضيفاً: “لماذا لم يظهر إلّا في الآونة الأخيرة؟”.
على أيّ حال، كان ” م ب س” على حق في شيء واحد: إن العلاقات الأميركية – السعودية لم تتعافَ حقاً بعد هجمات 11/9 على نيويورك وواشنطن. ومن المؤكد أن عدم إكتراث الرئيس الأميركي باراك أوباما ونفاد صبره مع المملكة على مدى السنوات الثماني الماضية لم تساعد العلاقات بين البلدين، ولكن ليس هذا هو سبب التوترات العالقة. سيكون على المسؤولين السعوديين معالجة المخاوف حول توجه بلادهم من خلال الإنخراط بشكل أكثر فعالية مع الحكومة الأميركية والشعب الأميركي. وهذا الأمر سوف يستغرق سنوات، لأن المملكة العربية السعودية تفتقر إلى مهارات في الديبلوماسية العامة وتنقصها الإتصالات الإستراتيجية. ولكن هذه العملية يجب أن تبدأ اليوم، وفي رأيي، ليس هناك شخص أفضل لقيادة العملية من “م ب س”.
يُعتبر “م ب س” شخصاً ماهراً في التواصل، حيث يُقدّر قيمة الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي يعتقد أنه ليس هناك أي بديل ذي مصداقية منها. في حديثنا، لم يخجل من التعبير عن إيمانه القوي بقيادة أميركا في العالم. مع ذلك، مثل معظم حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، لديه مخاوف بشأن إنخفاض رغبة واشنطن في القيادة وعواقب اللامبالاة الأميركية. “إذا لم تَقُد، فإن أحداً آخر سوف يملأ الفراغ، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء لاعبين جيدين”. وخلافاً لمعظم المسؤولين العرب الآخرين، الذين لديهم حساسية بشكل خاص للمحاضرات الأميركية عن الديموقراطية أو التدخل في الشؤون الداخلية لبلدانهم، فإن “م ب س” قد حثّ واشنطن على إنتقاد المملكة بشكل بنّاء.
الغوريلا الثقيلة في الغرفة، بطبيعة الحال، كانت إقرار الكونغرس الأميركي أخيراً قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، أو “جاستا” (JASTA) (الذي يسمح للأميركيين مقاضاة الحكومة والكيانات السعودية عن الأضرار الناجمة عن الإرهاب الذي جرى على أراضي الولايات المتحدة في أو بعد 9/11)، وإنتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا. وقد قال “م ب س” أن لديه ثقة، ربما لا مبرر لها، في قدرة المسؤولين والمشرّعين الأميركيين العقلانيين من أجل التوصل إلى حل ل”جاستا”. بالفعل هناك زخم في ال”كابيتول هيل”، يقوده السيناتوران الجمهوريان ليندسي غراهام وجون ماكين، الذي يمكن أن يؤدي إلى تعديل القانون بطرق تحترم رغبات أُسَر “11/09” مع الحفاظ على المصالح الأمنية الوطنية والعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية. ومع وصول رئيس يحمل تفكير رجل أعمال في المكتب البيضاوي، قال “م ب س”، فإنه سيركز على الإستفادة من الفرص الإقتصادية الرئيسية في مبادرته “الرؤية الاقتصادية 2030″ لحصول الولايات المتحدة على مقعد في تحوّل المملكة العربية السعودية. لكنه أشار أيضاً إلى أنه يود إستئناف الحوار الإستراتيجي بين البلدين الذي توقف خلال سنوات أوباما لأسباب لا تزال غير واضحة. وقد يكون ترامب متقبّلاً لمثل هذا الحوار، على الرغم من أنه صرح بكل وضوح انه يتوقع أكثر من ذلك بكثير من حلفاء وشركاء أميركا في جميع أنحاء العالم في مجال المساهمات الأمنية. الواقع أن تنفيذ الأمور من جانب المملكة العربية السعودية بطريقة تُرضي إدارة ترامب سوف يتعلق ب”م ب س” وزملائه.
سيكون على ترامب التعامل مع صعود الأمير محمد بن سلمان برعاية وحرص شديد. وسيكون على إدارته الإعتراف بتنامي نفوذ الأمير الشاب، ليس فقط في المملكة العربية السعودية، ولكن أيضاً في السياسات العربية والإقليمية. ينبغي أن تغتنم الإدارة الجديدة الفرصة لتشكيل وجهات نظره، وإعطائه المشورة التي يحتاج إليها في هذا الوقت، وإحداث تأثير إيجابي في القضايا الحيوية التي يسيطر عليها. لكن على واشنطن أن تكون ذكية بعدم بسط السجادة الحمراء بعد ل”م ب س”، لأن من شأن ذلك أن يُحدِث إخلالاً وخلللاً بالعلاقة الممتازة مع الأمير محمد بن نايف، الذي تُعتبَر مهمته في مكافحة الإرهاب أساسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
على الرغم من أن أتباعه ينظرون إليه بالفعل كبطل، فإن “م ب س” سيواجه تحديات خطيرة في رحلته إلى تحويل المملكة العربية السعودية. أي عامل من العوامل العديدة — من إستراتيجية، وقدرة الدولة، والإنضباط المالي، إلى الحرب، والفوضى الإقليمية – يمكنه أن يعرقل العملية برمتها. مع ذلك، لعلّ الإختبار النهائي ل”م ب س” سيكون في قدرته على بيع خطته الاصلاحية لنوعين من الجماهير الحاسمة وحشد الدعم لها. الجمهور الأول هو الشعب السعودي، ومعظمه ينفر من المخاطر ويتخوّف من التغيير. يجب على “م ب س” إدارة التناقض الهائل بين سرعة إصلاحاته الرائدة والطبيعة المحافظة للغاية للمجتمع السعودي. والجمهور الثاني هو الولايات المتحدة، التي تؤدي دوراً لا غنى عنه في إحياء هذا المشروع الهائل، نظراً إلى قدرتها التي لا مثيل لها لتوفير الأمن المادي للسعوديين، والمعرفة التقنية، وقدرة الدولة، والإستثمار.
بحسب العديد من الروايات ذات المصداقية، فإن “م ب س” قد بدأ بداية قوية. لكن تعقيدات إصلاحاته سوف تتطلب منه، من بين أمور أخرى، الصبر والتواضع. إن المسيرة نحو التغيير الحقيقي في المملكة ليست إختيارية؛ يجب أن تحدث، مع أو من دون “م ب س”. قد يكون الأمير محمد بن سلمان قائد الأوركسترا، ولكن لكي تُعزَف الموسيقى، يجب على الأوركسترا السعودية بأكملها أن تؤديها.

• بلال صعب، كبير الزملاء ومدير مبادرة السلام والأمن في الشرق الأوسط في مركز أتلانتيك للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية الذي أسسه مستشار الأمن القومي الأميركي السابق برنت سكاوكروفت.
• كُتب هذا المقال بالإنكليزية، ونُشر أولاً في “فورن أفيرز”، وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى