اليونسكو تُظهِر إستقلالها

بقلم كابي طبراني

وافق المجلس التنفيذي لوكالة التربية والعلوم والثقافة التابعة لمنظمة لأمم المتحدة (اليونسكو) في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري على قرار يعترف بالأماكن المقدسة في القدس الشرقية المحتلة كجزء من تراث فلسطين. وبطبيعة الحال، فقد أثار هذا الإعلان حفيظة السلطات الإسرائيلية، التي لديها الإعتقاد الذي لا يتزعزع – والخاطئ تماماً – بأن تقرير هذا الحق متروك لها، ولها وحدها السلطة لِبَتّ أي موضوع يخص الأراضي التي إحتلتها بطريقة غير قانونية وجنائية منذ ما يقرب من 50 عاماً.
وكان تمّ إعتماد نصوص مَشروعَي قرارين قدّمتهما دول عربية عدة، في جلسة لإحدى اللجان في اليونسكو، مع 24 صوتاً مؤيّداً وستة أصوات معارضة وإمتناع 26 وغياب إثنين، وفقاً لمختلف المشاركين في النقاش. ويهدف مشروعا القرارين حول “فلسطين المحتلة” إلى “الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وطابعه المميز في القدس الشرقية”. وهذه العبارات المصحوبة بإشارة إلى إسرائيل بإعتبارها “قوة إحتلال”، هي نفسها التي إستُخدِمت في قرار إتخذه في منتصف نيسان (إبريل) المجلس التنفيذي لليونسكو.
وكانت إسرائيل قد أعربت عن أسفها وقتذاك لأن ذلك القرار “ينكر العلاقة التاريخية بين الشعب اليهودي وجبل الهيكل” وخصوصاً بسبب إستخدامه المُصطلح العربي للمكان. وخلافاً للنص الذي أقر في نيسان (إبريل)، فإن القرار الجديد “يؤكد أهمية مدينة القدس القديمة وأسوارها للديانات السماوية الثلاث”، وفق ما أشار مصدر ديبلوماسي فلسطيني.
غير أن نتانياهو إعتبر أن القرارين الجديدين ينكران علاقة إسرائيل بجبل الهيكل. وأوضح أن “القول بأنه لا توجد علاقة لإسرائيل بجبل الهيكل والكوتيل (حائط المبكى)، هو كالقول إن الصينيين لا علاقة لهم بسور الصين، وأن المصريين لا علاقة لهم بالأهرام”.
والحقيقة هي أن اليونسكو، جنباً إلى جنب مع كل أعضائها المؤسّسين، تعترف بإستقلال وأهمية فلسطين وقد أكّدته الدول المُنتسبة إليها قبل خمس سنوات. وفي ذلك الوقت، أثار الأمر حفيظة إسرائيل أيضاً، التي أطلقت صرخاتها المعتادة ضد إقرار أي قرار في هذا المجال. والحقيقة أيضاً هي أن جميع الأعضاء المؤسّسين لليونيسكو تعبوا من الإدعاءات المستمرة لإسرائيل ضد الوكالة الأممية وإتهامها بفعل خاطئ. نعلم جميعاً تماماً أنه إذا كان هناك أي سوء تصرف، فهو يجري بواسطة أيادٍ إسرائيلية. فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هي التي قمعت وأخضعت الشعب الفلسطيني بالترهيب منذ عقود، وهدمت منازله، وقطعت أشجار زيتونه، وسجنته، وقامت بتعذيبه من دون رعاية أو أي تفكير لمفهوم العدالة الطبيعية.
عندما يتعلق الأمر بالثقافة، فقد فعلت تل أبيب كل ما في وسعها لمحو الثقافة الفلسطينية والعربية والإسلامية. والآن تجرؤ على القول بأنها تعارض قرار اليونيسكو لأنه ينفي الرابط اليهودي للمدينة!
لقد إعتمد المجلس التنفيذي لليونسكو القرار بتوافق الآراء في جلسة في باريس، وقطعت تل أبيب علاقاتها مع الوكالة الأممية بسبب هذا القرار وبسبب إجراءات سابقة قامت بها الوكالة حيث سلّطت من خلالها الضوء على حكومة بنيامين نتنياهو وإعتداءاتها على الفلسطينيين ومنعهم من الوصول إلى أماكن العبادة وخصوصاً إلى الحرم الشريف.
وفيما يخص اسرائيل فإن تصرفاتها في القدس الشرقية المحتلة ببساطة تصل إلى بناء مستعمرات جديدة لليهود، وتوسيع نفوذها وهيمنتها بشكل غير قانوني هناك. لقد أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الماضي الإجراءات الإسرائيلية في بناء مستعمرات جديدة، وأيّدت حق الفلسطينيين بحماية منازلهم ومواقعهم التراثية والدينية والأثرية. وبإستمرار، كانت إسرائيل تدعو حلفاءها الأميركيين لإستخدام حق النقض ضد أي إدانة لها في مجلس الأمن. ومع ذلك، فإن دعم الدولة العبرية بدأ ينفد، حيث بدأت دول مؤثرة كبرى ترى المدى الكامل لنفاقها والظلم الذي تلحقه بالفلسطينيين. الحمد لله، أن المجلس التنفيذي لليونسكو كانت لديه القدرة على التصرف بحرية وهذا القرار يعكس بحق ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى