وَقفُ إطلاقِ النار الهشّ في ليبيا يُمكن أن يدومَ طويلاً

بقلم أسامة الشريف*

برز بصيص أمل نادر في جنيف يوم الجمعة الفائت (23/10/2020) عندما وقّع الطرفان المُتحاربان الرئيسيان في ليبيا إتفاقية تاريخية لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ما يُمهّد الطريق للمصالحة التي يُمكن أن تُنهي أكثر من تسع سنوات من الحرب الأهلية. جرت المحادثات، برعاية الأمم المتحدة، بين مُمثلّين عسكريين من حكومة الوفاق الوطني، التي يرأسها فايز السرّاج، في طرابلس والتي تُسيطر على معظم غرب ليبيا، و”الجيش الوطني الليبي”، التابع للجنرال خليفة حفتر، في بنغازي.

إلى جانب سحب جميع القوات من النقاط الساخنة، تدعو الإتفاقية أيضاً جميع القوات الأجنبية إلى مغادرة البلاد في غضون ثلاثة أشهر. والمُهم أن الإتفاقية لقيت ترحيباً من روسيا ومصر والإمارات إضافة إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الأوروبية، فيما قلّل رجب طيب أردوغان من أهميتها، ووصفها بأنها تفتقر إلى المصداقية. أحد أسباب ذلك هو أن الإتفاقية جمّدت أيضاً أي صفقات مع قوى أجنبية، الأمر الذي يُعرّض المعاهدة البحرية التركية مع ليبيا (فايز السرّاج) للخطر. في حين سيتم اختبار وقف إطلاق النار وقد تلعب تركيا هنا دوراً مُفسداً، فإنَّ المُهِمّ هو أنه قد يوفّر فرصةً جيدة للمحادثات السياسية الهادفة إلى التحضير للإنتخابات، وتوحيد الهيئات السيادية للدولة، وبالتالي القضاء على شبح التقسيم.

الإثنين الفائت، أطلقت الأمم المتحدة مؤتمراً افتراضياً جَمَعَ شخصياتٍ تُمثّل مختلف المناطق الليبية وسط انتقاداتٍ للمُشاركين وغير المشاركين. في حين أن الطريق نحو الحل السياسي لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات، ينبغي على المرء أن يأمل في أن يتّفق الليبيون على نقاطٍ أساسية يُمكن أن توفّر قاعدة صلبة لمزيد من المناقشات.

المشكلة الرئيسة في ليبيا تتعلّق بالتدخّل الأجنبي. من غير المعقول أن يتمكّن ممثلو القبائل الليبية من التوصّل إلى صيغةٍ لتوحيد البلاد ومؤسساتها السيادية وكذلك ميليشياتها المُسلّحة من دون ضغوطٍ من اللاعبين الأجانب الرئيسيين مثل تركيا وروسيا، من بين آخرين.

أعرب مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى ليبيا، غسان سلامة، عن إحباطه من أعضاء مجلس الأمن الدولي الذين قد يوافقون على شيء فقط ليتراجعوا عن التزاماتهم بشأن الأزمة الليبية. ما يحدث في الجماهيرية السابقة يؤثّر على علاقة الولايات المتحدة مع روسيا، وعلاقة مصر مع تركيا ومختلف أعضاء الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الإمارات وقطر. لكي يجد الشعب الليبي أرضيةً مُشترَكة يجب أن يُحرّر نفسه من التدخّل الأجنبي. ولكن قول هذا الأمر هو أسهل من القيام به.

بعد وقت قصير من توقيع اتفاقية الجمعة، بدأت المشاكل في الظهور. صرّح وزير الدفاع في “حكومة الوفاق الوطني”، صلاح الدين النمروش، الإثنين، بأن اتفاق جنيف لا يؤثر في الإتفاقية العسكرية المُوَقّعة مع تركيا، وأن التدريبات العسكرية والأمنية بين أنقرة وطرابلس ستستمر. وهذا يتعارض مع جوهر اتفاقية جنيف. وأشارت مصادر مقربة من قائد “الجيش الوطني الليبي”، خليفة حفتر، إلى أن اتفاقية جنيف تشمل الإتفاقات العسكرية والبحرية التي وقّعتها طرابلس مع تركيا في وقت سابق من هذا العام.

وقالت مصادر في “حكومة الوفاق الوطني” إن اتفاقية جنيف لا تعني أن طرابلس تعترف بال”جيش الوطني الليبي” ككيانٍ شرعي؛ إنه مُفسِدٌ رئيس.

بينما يُعتَقَد أن اتفاق وقف إطلاق النار من المرجح أن يستمر لبعض الوقت، هناك مأزق عسكري يتمثّل بأن كلا الجانبين لا يملكان الشجاعة أو القدرة لشن حرب في هذا الوقت، والتحدّي يكمن في استمرار المحادثات السياسية. خلف الكواليس، قد تؤدي المفاوضات بين عقيلة صالح، رئيس البرلمان في بنغازي، وأحمد معيتيق، من “حكومة الوفاق الوطني”، التي تجري بوساطة مغربية وجزائرية، إلى صيغة مؤقتة للحفاظ على هدنة طويلة الأمد مع تمهيد الطريق لانتخابات جديدة بموجب دستور جديد. تدعم مصر مثل هذه المحادثات وتُبقي حفتر هادئاً في الوقت الحالي. وقد مهّد صالح ومعيتيق الطريق بالفعل لاستئناف صادرات النفط بعدما أُجبِرَ حفتر على التراجع.

الضغط الأميركي الحالي سيستمر على كلا الجانبين للتحدّث بعد التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بغض النظر عمَّن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 تشرين الثاني (نوفمبر). قد تتغيّر أولويات واشنطن في المنطقة إذا فاز جو بايدن، ولكن في ليبيا على الأقل ستكون هناك حاجة إلى البقاء في المسار الحالي.

في مرحلة ما، سيتعيّن على “حكومة الوفاق الوطني” و”المجلس الأعلى للدولة” الحدّ من نفوذ تركيا و”الإخوان المسلمين” إذا كانا يُريدان المضي قدماً في محادثات حقيقية مع خصومهما في الشرق. في الوقت عينه، يجب أن يجد صالح طرقاً لتحييد حفتر الذي لديه طموحات كبيرة ليكون حاكماً أعلى لليبيا. في غضون ذلك، ليس هناك نقصٌ في المراجع وخرائط الطريق التي تبدأ باتفاقية الصخيرات ومروراً بإعلانَي برلين والقاهرة. كلها تؤكد على وحدة الأراضي الليبية والحاجة إلى هيئة تشريعية نيابية. والسؤال الذي لا يزال يقض مضجع الشعب الليبي منذ العام 2011 هو: هل يمكن للأفرقاء المتصارعين إيجاد منصّة تجمع الجميع إلى طاولة المفاوضات؟

  • أسامة الشريف هو صحافي ومُعلّق سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى