أَينَ تَتَّجِهُ منطقة الشرق الاوسط في ظلِّ التصعيدِ الحَاصل في الأزمة الأوكرانية؟

الدكتور ناصيف حتّي*

الحربُ في أوكرانيا مفتوحةٌ على المجهول وعلى كافة السيناريوهات، وخصوصًا بتداعياتها على المنطقة. وقد ظهر ذلك من سلوكيّةِ الأطراف المُتصارعة وبخاصة روسيا التي عزّزت وجودها العسكري في سوريا في قاعدة حميميم، وقامت عبر مناوراتٍ عسكرية في المتوسط قرب الشاطىء الغربي لسوريا بتوجيهِ رسائل واضحة إلى الولايات المتحدة والدول الغربية في هذا المجال. كما شهدنا توتّرًا، ولو بقي مُقَيَّدًا، في شمال شرق سوريا بين القوى على الأرض الحليفة لروسيا ولتركيا. توتّرٌ عرّض التفاهمات القائمة بين الطرفين في” المسرح الاستراتيجي السوري” لخطر السقوط وإعادة خلط الأوراق، رُغم أن تركيا الأطلسية تُحاوِلُ أن تُحافِظَ على توازنِ الحدِّ الأدنى المُمكن في موقفها من الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث عرضت استعدادها للتوسّط بغية وقف القتال، ولو أنها لم تستطع ان تنطلقَ في مبادرة ديبلوماسية من هذا النوع.

على صعيدٍ آخر، قرأنا عشية زيارة رئيس وزراء إسرائيل، نفتالي بينيت، إلى موسكو أن هناك تاكيدًا من الطرفين على استمرار التعاون القائم بينهما في سوريا. وأعلنت واشنطن من جهتها أنها تعمل على “تأمين البديل” من الغاز والنفط الروسيَين من خلال التفاهم مع بعض الدول العربية المُصدّرة للغاز بشكلٍ خاص في هذا المجال لعدم بقاء الحليف الغربي الأوروبي “تحت رحمة” الاستيراد من روسيا لهذة المادة الاستراتيجية بالنسبة إليه .

الموقف العربي الصادر عن اجتماع جامعة الدول العربية كان واضحًا في توازنه من حيث الدعوة إلى تسوية النزاع من خلال الحوار والديبلوماسية على قاعدة احترام مبادىء الأمم المتحدة. التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب القرار الذي أدانَ موسكو لم يُعتَبَر أنه أطاحَ هذا التوازن الدقيق وغير السهل لمُجمل دول المنطقة التي عملت للحفاظ عليه على أساس قربها من الغرب، ولو بدرجاتٍ مُختلفة، وتمسّكها واستنادها إلى مبادىء وأسُس الشرعية الدولية من جهة مع التمسّك بعلاقاتها مع روسيا وتطوير هذه العلاقات من جهة اخرى. ودفع ذلك تلك الدول لدعوتها للتسوية السياسية لهذه الأزمة، التي فيما لو تصاعدت أكثر ستكون لها تداعيات كبيرة في السياسة والاقتصاد والأمن على دول المنطقة. وظهر الموقف الروسي مُتَفَهِّمًا لهذه السياسة التي تبدو وكأنها تمشي على حبلٍ مشدود .الحاجة إلى الدور الروسي في المنطقة، ولو من مواقع مختلفة، وأحيانًا في قضايا مُتعدّدة كان وراء تبلور هذا التوجه.

تأتي الأزمة في لحظةٍ مُهمّة وحساسة جدًا على الصعيد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وذلك عشية التوصّل إلى إغلاقِ ملفّ المفاوضات النووية في فيينا وإعادة إعلان إحياء الاتفاق النووي بين القوى الست وإيران رُغم بقاء بعض الخلافات التي اتفق المعنيون أنه يُمكن التغلّب عليها. وقد حُدِّدَ هذا الأسبوع للوصول إلى إقفال هذا الملف الأكثر من أساسي في المنطقة. وهنا لا بدّ من التذكير أن إقفالَ هذا الملف بنجاحٍ بدون شك يساهم بشكل كبيرٍ في الاستقرار الإقليمى وفي نزعِ كثيرٍ من عناصر التوتّر، ولكنه غير كافٍ. فالمطلوب أن تلحقه عملية بناء تفاهمات بين القوى ألرئيسة في الإقليم، وبالأخص إيران ومجمل القوى العربية، وهناك إشارات واضحة، ولو أنها ما زالت خجولة، في هذا المجال. تهدف هذه التفاهمات، اذا تمّ التوصّل إليها، إلى إعادة تنظيم العلاقات في المنطقة على أسُسٍ وقواعد مختلفة، تلحظُ بلورة آليةٍ، ولو ليست بالضرورة رسمية، لاحتواءِ الخلافات وحلّها متى أمكن. ويكون ذلك على قاعدة اعمال القواعد والأعراف المعروفة في العلاقات بين الدول.

المُثيرُ للاهتمام في هذه اللحظة الحرجة في التوصل إلى الاتفاق النووي احتمال إعادة خلط الأوراق وتعثّر التوصّل إلى الاتفاق مع إعلان وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، أن المطلوب من الولايات المتحدة توفير ضمانات مكتوبة بأن العقوبات على روسيا لن تؤثِّرَ في التعاون الحرّ والتكامل التجاري والاقتصادي والعسكري وغيره مع ايران بعد رفع العقوبات عن هذه الأخيرة. عاملٌ قد يُساهِمُ بقوة عبر الربط المباشر بين الأزمتين الأوكرانية-الروسية والغربية-الإيرانية في إيجاد صعوبات جديدة أمام التوصّل إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي. البعض وصف ذلك بإعادة خلط الأوراق من طرف موسكو بسبب رغبة الجميع في فيينا بإعادة إحياء الاتفاق النووي، وهو كما أشرنا، مدخل أكثر من ضروري ولكن غير كافٍ لإقامة الاستقرار في النظام الشرق أوسطي مع ما يعنيه ذلك الاستقرار من تغيير في قواعد  اللعبة السياسية في المنطقة، وتوفير الفرص الضرورية للبدء ببناء شرق أوسط مختلف ولمصلحة الجميع في المنطقة. إتفاق فيينا أمام مفترق طرق اليوم، هو اكثر من ضروري ولكن غير كافٍ للمنطقة، فإلى أين ستتّجه الرياح الدولية في هذا الخصوص؟

  • الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونسكو.
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى