تركيا، السويد والحلف الأطلسي: لا زالَت الأفراحُ في ديارِكُم عامِرَة

أحمد أصفهاني*

إجتمعت العائلةُ الأطلسية، بكاملِ أعضائها، في دولة ليتوانيا الواقعة على شواطئ بحر البلطيق، للإحتفالِ بإعلان “زواج” دولة السويد رسميًا إلى الحلف الأطلسي. وأُقيمَ “العرس” بعد فترةٍ طويلة من التردّدِ والاعتراضِ والتهديدِ والابتزازِ والتنازُل… وما كان للعائلة أن تُحقّقَ فرحتها الكبرى لولا أن الغربَ الأميركي-الأوروبي تعهّدَ بدَفعِ المهرِ مُقدَّمًا ومؤخَّرًا، ولولا أنَّ المأذونَ التركي قبضَ الثمن سلفًا ووافَقَ على عَقدِ النكاحِ على سنّة الله ورسوله، على رُغمِ أنَّ رمادَ المصحف المحروق في استوكهولم ما انطفأ جمره بعد!

هل كنّا نتوقعُ نتيجةً أُخرى غيرَ هذه الصيغة؟

هل كانت موسكو ودمشق وطهران تُصدّقُ فعلًا إدعاءات الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، وهو الذي يقفزُ مثل الكناغرة من هنا إلى هناك إلى هنالك؟

بل هل يمكن للذئب الأناضولي الأغبر أن يُغيّرَ جلده، وأن يُبدّلَ طباعه الشَرِهة؟

وأخيرًا، وليس آخرًا، أي ثمن ستقبضه أنقرة من المساعدات الأوروبيةـ الأطلسيةـالأميركية؟

أردوغان إستبقَ زغاريد “العرس” بهديةٍ صغيرةٍ ومطلبٍ كبير. بدأت اللعبة في 9 الشهر الحالي بإطلاق تركيا خمسة من قادة منظمة “آزوف” الأوكرانية، وتسليمهم إلى الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي أثناء زيارته أنقرة. وما كانت هذه الخطوة لتعني شيئًا لولا أن هؤلاء الخمسة كانوا أسرى في روسيا، وسُلِّموا إلى تركيا بموجبِ اتفاقٍ ثُلاثي يمنع عودتهم إلى أوكرانيا. لكن عين أردوغان كانت على الأفراح المقبلة وليس على تعهدات رجال الدولة!

أما المطلب الكبير، كما أعلنه أردوغان، فهو: إعادة فتح باب التفاوض مع المسؤولين الأوروبيين لإغلاق الملفات المؤدية إلى قبول تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي!

هذا مطلبٌ تُركي مُزمِن لم يتحقّق منه شيءٌ يُذكَر حتى الآن. وأقصى ما قدّمه المفاوض الأوروبي، كنوعٍ من التَرضية المرحلية، سلسلة اتفاقات تُنظّم شراكةً فضفاضة تتضمّن تسهيلات وإعفاءات ولكنها لا تبلغ حد العضوية الكاملة.

المشكلة تكمن في أن أنقرة تعرفُ حق المعرفة أن هناك دولًا أوروبية عدة لا تنظرُ بإيجابية إلى منح تركيا حق العضوية لأسباب تاريخية ودينية وسياسية. ومن غير المتوقع، على المدى المنظور، أن تُغيّرَ تلك الدول موقفها مهما كانت الضغوط الأميركية قوية ومؤثرة. ذلك أن أوروبا تشهد مدًّا شعبويًا يمينيًا عنصريًا متطرّفًا، ذا جذور دينية. وسيكون من الصعب على الأحزاب السياسية اتخاذ قرارات حول تركيا قد تؤدي إلى هزيمتها في صناديق الاقتراع لصالح الجماعات المتطرفة. ناهيك عن وجود دول ترفض تركيا إنطلاقًا من خلفياتٍ تاريخية تعود إلى الزمن العثماني، منها على سبيل المثال: قبرص، اليونان، بلغاريا، النمسا، هنغاريا… إلخ.

إذًا لماذا طالب أردوغان، عشية الدعوة إلى عقد القران السويدي، بتحريك المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي… وهو يعلمُ أنَّ هذه العضوية غير مضمونة حتى لو عاد الطرفان إلى إنجاز فصول الانضمام التي قد تستغرقُ سنواتٍ عدة؟

دعونا نتذكّر أن أردوغان فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على الرُغمِ من الوضع الاقتصادي السيّئ في تركيا، وقد بات عليه معالجة هذا الوضع بأسرعِ وقتٍ ممكن. ونحن نرى أنه يُلوِّحُ بالورقة الأوروبية المكشوفة كي يلعب لاحقًا بأوراقه المستورة على المستويات التالية:

أوّلًا ـ الحصول على مساعداتٍ اقتصادية عاجلة، تُوقِفُ انهيار الليرة التركية وتكبحُ جماحَ التضخم الذي وصل خلال سنة إلى حوالي 39 في المئة (حسب أرقام وكالة رويترز). والأوروبيون لن يتردّدوا في مدِّ يد العون مُكافأةً لأردوغان.

ثانيًا ـ إعادة تأهيل أردوغان إعلاميًا، فلا يعود هو الديكتاتور المُتعصّب حسب وصف وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية.

ثالثًا ـ تعهّدٌ أوروبي بالحدِّ من تحركّات القوى المعارضة لأردوغان، خصوصًا الجماعات الكردية الناشطة في الخارج. وستُضحّي هذه الدول بحقوق الإنسان مُقابِل استرجاع تركيا إلى بيت الطاعة.

رابعًا ـ سيحصل من الولايات المتحدة الأميركية على ضماناتٍ تتعلّق بوجود الجماعات الكردية المسلحة الخاضعة للسيطرة الأميركية في المناطق السورية المحتلة القريبة من الحدود الدولية.

هذا على صعيد المصالح التركية، الآني منها أو البعيد المدى. أما الثمن الأخطر الذي يخفيه “المأذون أردوغان” فيطالُ بلادنا بالدرجة الأولى. إن “التكويعة” التركية الخطيرة ستضع في مهب الريح التفاهمات التي عملت عليها موسكو وطهران لإحداث خرقٍ في العلاقات بين أنقرة ودمشق. ولعلَّ تصعيد الجماعات الإرهابية في الشمال السوري خطوة أولى في الاصطفاف التركي المتجدد. ولن تكون طهران بمنأى عن تداعيات النهج الأردوغاني المُرتَبط بالمخطّطات الأطلسية.

لكن ماذا عن روسيا المتواجدة عسكريًا بدعوةٍ من الحكومة السورية؟

لقد تحمّلت موسكو مناورات أردوغان وألاعيبه طالما أنه لم يقطع شعرة معاوية معها أو مع حلفائها. وبما أن عرسَ السويد الأطلسي كشفَ المستور، وأظهر أردوغان على حقيقته… فالكرة الآن في ملعب بوتين الذي يبدو أن مزاجه القومي لا يتضمّن إرسال تهنئة للعرسان الجدد!!

  • أحمد أصفهاني هو كاتب، صحافي ومحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. كان سابقًا مدير تحرير صحيفة “الحياة” التي كانت تصدر من العاصمة البريطانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى