الجَيشُ لحِمايةِ الوَطَن أم لقَتلِ المُواطنين؟!

عرفان نظام الدين*

تَرَبَّينا منذ الصغر على مُسَلَّماتٍ ومبادئ وطنيّة سامية تُعبّرُ عن قدسية الجيش الوطني وتقدير دوره الكبير والوحيد وهو الذود عن حياض الوطن وحماية اراضيه وسيادته، وصدّ أيّ عدوان مهما كان الثمن، ولهذا رُصِدَت له الإمكانيات والموازنات الضخمة والدعم الكامل لأداءِ دوره المطلوب.
لذا، مهما كانت التضحيات والأخطار، فإنَّ الجيشَ هو خطٌّ أحمر لا يَسمَح بتهديد وحدته ومهامه ويمنع جرَّ الجيش الى متاهاتٍ داخلية وسياسية وحزبية وطائفية. وهذا هو المبدأ الثابت في كلِّ الدول آمَنَّا به على الدوام وما زلنا نؤمن بمنع الإنحرافات والسلبيات وسياسات التخريب وإضعاف الجيش وتهديد أمن الوطن والمواطن .
ورُغمَ ذلك شهدنا خلال العقود الماضية إنحرافاتٍ وأخطاءً وخطايا حوّلت الجيوش إلى ميليشيات وأطرافٍ في الخلافات والعصبيات وجرّتها الى ساحةِ حروبٍ ومعارك جانبية دمّرت الأوطان، واستنزفت القوات المسلحة، وأفلست البلاد مع انتشار آفةِ الفساد ونهب أموالِ الشعوب ليعمّ الخراب وينتشر الفقر والتخلف.
وها نحن اليوم نشهدُ مثالًا حيًّا على هذا الواقع المؤلم والمنكر من خلال متابعة احدا ث السودان الدامية؛ جيشٌ مقابل ميليشيا تابعة للجيش تخوض معارك وحشية في الشوارع بدون أيِّ اعتبارٍ إنسانيٍّ للمواطنين العُزَّل ولا احترام حرمة المدنيين وبينهم أطفالٌ ونساءٌ وشيوخٌ ومرضى حوصروا داخل منازلهم.
والمؤسف أنَّ الشعبَ السوداني الكريم مشهودٌ.له إيمانه بالمحبة والإنسانية والبُعد من العنف. فقد كان السوداني ينامُ وبابُ بيته مُشَرَّعًا مُطمئنًا لتوفّر الأمن والأمان. كما كان يؤمن بالحرية والديموقراطية مع وجودِ أحزابٍ قوية تتمتّعُ بشعبيةٍ واسعة مثل حزب الأُمّة والاتحاد الديموقراطي والحزب الشيوعي واخيراً الإخوان المسلمين.
لكن الديموقراطية سُحِقَت تحت أقدام الطامعين بالسلطة، وآلَ الحكم للجيش الذي غرق بدوره في صراعاتِ الضباط والتدخّلات الأجنبية وخلافات الأحزاب، وكانت النتيجةُ انهيارَ السودان وفصلَ الجنوب وحروبًا أهلية بينها حرب دارفور. ومع الأيام فَقَدَ السودان قِيَمَهُ وقوّتَهُ وضاع المواطن وهو يقف على حافة الفقر والبطالة والتخلف والهجرة.
ونشهد اليوم فصلًا جديدًا من تراجيديا السودان المؤلمة املين ان يسود العقل والحكمة ويتوقّف القتالُ الإجرامي وحقنُ دماء الشعب السوداني النبيل والمؤمن.
وأكثر ما يُدمي القلوب نشوب القتال في شهر رمضان المبارك، شهر التسامح والسلام، بدون أن يأخذَ المقاتلون بالاعتبار حُرمةَ هذا الشهر الفضيل ومشاعر المواطنين المنكوبين. وأختمُ بمناشدة كافة الأطراف المسارعة إلى وقف القتال وحقن الدماء وتسليم السلطة للشعب القادر على حكم نفسه بنفسه وعودة الجيش الى ثكناته والالتفات لحماية بلاده من المخاطر الأجنبية آملًا ان يلبي النداء من يخاف الله … ومَن لا يخاف الله فإلى جهنم وبئس المصير.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى