أوروبا: أجندة تحدّيات للعام 2022

الدكتور ناصيف حتّي*

دلّت الإجتماعات الأوروبية في النصف الثاني من السنة الماضية وتلك التي يجري التحضيرُ لها للأشهرِ الستة المقبلة، والحاملة لمواعيد مُعَيَّنة، على أن هناك انشغالًا أوروبيًّا جديدًا أو مُتَجَدِّدًا، كما يقول البعض، لتعزيزِ دور أوروبا على الصعيدَين  الداخلي والخارجي. وتَدفَعُ إلى ذلك الأزمات التي تُحاصِرُ أوروبا من الداخل والخارج.

الرئاسة الفرنسية في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، كما دلّت على ذلك التصريحات والإعلانات الفرنسية المُتكرّرة وخصوصًا على المستوى الرئاسي، تُعزّزُ هذا التوجّه الأوروبي الجديد. ويبدو من خلال الاتصالات الأوّلية الفرنسية-الإلمانية، مع القيادة  الجديدة في برلين، أن هناك بدايةَ عودةٍ لما عُرِفَ في الماضي بدور القاطرة الأوروبية التي يقوم بها الثنائي الفرنسي-الإلماني مع دعمٍ وتنسيق مع إيطاليا في هذا الشأن حاليًّا. وتُشكّل ما تُعرَف باستراتيجية البوّابة العالمية الأوروبية، التي خُصِّصَت لها موازنة بحدود ثلاثمئة مليار يورو لتعزيز شبكة العلاقات الأوروبية في كافة المجالات وفي طليعتها بالطبع الجانب الاقتصادي على الصعيد العالمي، أحد أبرز معالم هذا التغيّر المنشود.

أسئلةٌ وتساؤلاتٌ عدة طُرِحَت وتُطرَح في الاجتماعات الأوروبية وموضوعةٌ على جدولِ الاجتماعات المقبلة تتعلّق ببلورة عقيدة استراتيجية اوروبية، وتحديدًا على الصعيدَين الأمني والدفاعي. الهدف أن لا تبقى أوروبا جُزءًا فقط من عالمٍ غربي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لم يعد مُسَيطِرًا بالطبع كما كان في بدايات فترة ما بعد الحرب الباردة، وأيضًا عبر منظمة حلف شمال الاطلسي. الهدف من تلك الرؤية والاستراتيجية التي ستُبنى عليها، ودون ذلك الكثير من التحدّيات، خلق هذه الاستقلالية الاستراتيجية التي، كما يقول أكثر من مسؤولٍ أوروبي، بأنها لا تهدف الى الصدام مع الحليف الأميركي بل إلى إحداث نوعٍ من التوازن مع واشنطن على  قاعدة وجود أولويات أوروبية، في إطارِ الحلف الكبير بينهما، قد تختلف في أهميتها وكيفية التعامل معها عن الرؤية الأميركية. الهدف من بلورة “ثقافة استراتيجية مُشتَرَكة” هو بناء قطبٍ أوروبي حليف للولايات المتحدة في عالم “ما بعد  بعد الحرب الباردة”. وهو عالمٌ يشهدُ في قمّة الهرم تبلور نوعٍ من الثنائية القطبية الأميركية-الصينية، يقع في مستوى دونها عالمٌ مُتعدّد الأقطاب لم تستقر بعد قواعده وأنماط علاقاته المتشابكة مع الثنائية الناشطة في التبلور .

العديد من التحديات تظهر على جدول الأولويات الأوروبية منها الاستفادة من دروس أزمة جائحة كوفيد-19.

لبلورة استراتيجية صحّية على مستوى الإتحاد الأوروبي ككل لواجهة أكثر فعالية لتحديات صحّية مُستقبلية، ويستدعي ذلك أعلى درجات التنسيق بين الأجهزة المعنية، في ما لو وُجِدَ القرار، وتوفير كمٍّ هائل من الإمكانات المادية. يبرز أيضًا على لائحة التحدّيات الأوروبية المشتركة، والتي هي إلى ما أشرنا إليه سابقًا من تحدّياتٍ على جدول أعمال الاجتماعات الأوروبية المقبلة، العمل على بلورة استراتيجية “نموٍّ مُستدام وعادل اجتماعيًا وشامل” في إطار “العقد الأوروبي الأخضر”. وهناك أيضًا تحدّيان على جدول الاهتمامات الأوروبية، أو كما وصفها صديق الهموم الأوروبية، يتعلّقان بالتعامل بفعالية ونجاح مع مُتطلّبات الاقتصاد الرقمي وكذلك مع التداعيات الخطيرة للاحتباس الحراري. أضِف إلى ذلك مسألة الهجرة غير الشرعية سواء من بوابة شرق أوروبا على الحدود البيلاروسية مع بولندا وأوكرانيا، وهي وسيلة ضغط على الإتحاد الأوروبي كما يقول أكثر من مسؤولٍ أوروبي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الهجرة عبر البوابة المتوسطية في وقتٍ تُعاني أوروبا من أزماتٍ اقتصادية ذات تداعياتٍ سياسية واجتماعية كبيرة. يظهر بعض هذه التحديات عبر نمو اليمين المُتطرّف والعنصري، الأمر الذي يُهدّد في حالاتٍ عديدة النسيج المُجتمعي في بعض الدول الأوروبية وكذلك عملية البناء الاوروبي إذا لم يتم التعامل مع العناوين/الشعارات التي يحملها بنجاح.

تحدياتٌ عديدة مُتداخلة ومُترابطة يُغذّي بعضها البعض الآخر يواجهها الإتحاد الأوروبي ودوله. تحدياتٌ حاملة لخياراتٍ استراتيجية من حيث أهميتها لم يعد من الممكن تلافيها من قبل أوروبا، دولًا واتحادًا أوروبيًا. فكيف ستتعامل  القارة القديمة مع ذلك كلّه وتداعياته التي تطالُ بشكلٍ مباشر، وليس وحيدًا، الشرق الأوسط وإفريقيا؟

  • الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي لجامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم لها لدى منظمة اليونسكو.
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” – (لندن) – توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار”- بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى