لبنان دون خط الخسائر

بقلم فيوليت غزال البلعة*

ماذا تفعل حكومة حسّان دياب بلبنان السياسي والأمني والإجتماعي والإقتصادي؟ وما تُخطّط له من دورٍ لبلدٍ تحوّل “ورقة مساومة” على الخريطة العالمية؟

سؤالٌ وجيهٌ يطرحه المُجتمع الدولي الحائر في البحث عن الشافي من الإجابات. يسعى جاهداً إلى تفسير مواقف لا مُبرّراتٍ لها. يسأل عن الإصلاحات التي يُطالب بها صندوق النقد الدولي، والولايات المتحدة وفرنسا وسائر الدول المانحة التي التُزِمَت في مؤتمر “سيدر” ولم يعمل لبنان على تنفيذها، ليقطع بذلك كل أواصر الثقة التي ضاعت بعد اهتزازاتٍ عنيفة تسبّبت بها بيروت بنفسها ولنفسها!

ماذا تفعل حكومة حسّان دياب حين تمدّ يدها طالبةً برنامجاً إنقاذياً بقيمة 10 مليارات دولار – وإن لن تُحصّل أكثر من 3 الى 5 مليارات في أحسن الأحوال – وتُعلن للمجتمع الدولي أن “أمين الخزانة”، أي مصرف لبنان، هو مؤسسة مشكوكٌ بأدائها بتهمة إهدار المال العام وتحميلها مسؤولية الفجوة المالية التي قدّرتها خطة المُستشارين بنحو 241 الف مليار ليرة، بما تطلّب منها تعيين الإستشاري  “ألفاريز ومارسَل” (Alvarez & Marsal ) غير الخبير بالتدقيق الجنائي – في مخالفةٍ لقانون تنظيم مهنة خبراء المحاسبة المُجازين في لبنان- وشركتي”كي بي أم جي” ( KPMG) و”أوليفر ويمَن” (Oliver Wayman)  للتدقيق المُحاسَبي في حسابات مصرف لبنان من دون سائر مكامن الإهدار المكشوف، وفي مقدمها وزارات الطاقة والإتصالات والأشغال… إنجازٌ هلّلت له الحكومة كعادتها، رُغم أن قرارَها الذي اقتصر على المصرف المركزي، أوحى انه سيشمل مُستَقبلاً كافة مؤسسات الدولة… كلامٌ لا رباط عليه، وإلّا ما هو السبب الذي حالَ دون إضافته إلى القرار؟

ماذا تفعل حكومة حسان دياب حين تمضي في تشويه صورة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وسمعته المهنية، فتُهلّل لـ”حجز على أملاكه” ولحملات محلية ومستوردة، آخرها إتهام صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية بأن سلامة “عزّز بشكل تعسّفي أصول مصرف لبنان بما لا يقلّ عن 6 مليارات دولار، وذلك باستخدام إجراءات محاسبية غير تقليدية، فيما كان النظام المالي في لبنان على طريق الإنهيار”. تَوافَق الإتهام وهَوى الحكومة، فلم تَستفهم رُغم فداحة الرقم… بما استدعى من الحاكم التوضيح بانه “إنطلاقاً من المعايير المحاسبية الجديدة المُعتمدة في البنوك المركزية العالمية، فإنّ المبالغ التي يتمّ الحديث عنها لا تُعتَبر خسائر، بل يتمّ ترحيلها الى السنوات المُقبلة وإطفاؤها مقابل الإيرادات المستقبلية”. وهذا ما كان سلامة أعلنه خلال المرحلة الأولى من نقاشاته مع الحكومة في شأن حجم الخسائر المالية التي قدّرها المستشارون! لم تتنبّه الحكومة إلى أن تلك المبالغ أُنفقت لتُساهم في دعم الإقتصاد قبل انهياره، وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين تجنّباً لإفقارهم، و”شراء الوقت” الذي أهدره السياسيون على مدى أعوام حفلت بالتجاذبات والفساد والصفقات… ولا تزال؟

أنفق الحاكم نحو 6.8 مليارات دولار ليساهم في تمويل عجز حكومي “دائم الإتساع”، تحت بند “رسم سكّ عملة تحت حساب الإستقرار المالي”. إضطر لتبنّي ذلك في موازنات أكبر نسبياً ولفترات زمنية أطول مُقارنةً مع البنوك المركزية الأخرى، نظراً إلى الظروف الإستثنائية التي مرّ بها لبنان معظم فترات الخمسة عشر عاماً الأخيرة، مما راكمَ التكاليف المُرحَّلة بسبب تدخّله لدعم مالية الحكومة، تحت ضغط زيادات أجور موظفي القطاع العام والتداعيات الإقتصادية لتدفّق اللاجئين السوريين منذ 2011، فضلاً عن سياسات الدعم التي أرغمته الحكومة على تقديمها للسلع الأساس وتستنزف ما بقي من احتياطي، هو في الأساس ودائع الناس.

ماذا تفعل حكومة حسّان دياب حين تُحاول تهشيل المصارف من لقاءات السراي المُخصَّصة لتوحيد أرقام الخسائر المالية بما يُمهّد لمعاودة المفاوضات مع صندوق النقد، مُطلقة يدّ الإستشاري “لازارد” – المُكلّف التفاوض مع الدائنين الخارجيين – ومَن بقي من مستشاريها لـ”زرك” المصارف بطرح “الهيركات”، رافضةً النقاش في بند الإفادة من صندوقٍ سيادي يُتيح إدارة إيرادات “أصول الدولة” عبر خصخصتها لا بيعها. ألا تُدرك الحكومة أن “الهيركات” سبقها ومارس تعسّفه على المُتبقّي من مُدّخرات اللبنانيين في أزمة شحّ السيولة؟ فالدولارات المسحوبة تُصرَفُ وفق السقوف المُحدَّدة بسعر 3800 ليرة، فيما سعر السوق تأرجح هذا الأسبوع ما بين 7 و8 آلاف ليرة، ورفعه “التضخم المفرط” إلى نحو 10 آلاف في السوبرماركت من دون حسيب وزارة الإقتصاد ولا رقيبها!!!

ماذا ستفعل حكومة حسان دياب بتحذير وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الذي ختم زيارته “الغاضبة” إلى بيروت قائلاً إن “لبنان على حافة الهاوية”، ومُكرّراً دعوته لتنفيذ إصلاحاتٍ ضرورية لحصوله على دعم مالي خارجي.

حال الحكومة الفريدة غير مسبوق، إذ لم يختبر لبنان حكومات لا يرفّ لها جفن إن بلغ إحتياطي المركزي الخط الأحمر نتيجة سياسات الدعم، وهي التي دفعت البلاد كلها دون خط الخسائر، حيث لا الحسابات والتدقيقات تنفع ولا الخطط والتخطيط يُفيد، بل يأتي كل ذلك على حسابِ بلدٍ مُقفَل على كل محاولات إنقاذٍ معروفة مسارب بلوغها، ويتيح معابر تهريب لتفشي جائحة “كورونا” وحدها، فيما تحار الحكومة في إيجاد التوازن بين إنعاش الإقتصاد بدل إقفاله وبين لجم خرق الوقاية الصحية حفظا للسلامة العامة!

حكومة دياب ليست وحيدة، فثمة نماذج لا تُبرّر سياساتها ولا يُبرّر لها. من تركيا، المثال الأقرب، حيث الإستعداء الطالع من الأطماع التوسعية، دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإنقلاب على جيرانه شرقاً وغرباً بعذر حقوق التنقيب النفطي والغازي، وبلغ به عناده ليتعدى على حقوق الطائفة المسيحية الأرثوذكسية، حين حوّل كنيسة “آيا صوفيا” من متحفٍ شاهد على التعايش المسيحي-الإسلامي إلى مسجد…

  • فيوليت غزال البلعة هي صحافية وباحثة إقتصادية لبنانية. يُمكن متابعتها على الموقع الإلكتروني التالي والذي يُنشَر عليه في الوقت نفسه هذا المقال: arabeconomicnews.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى