سُقوطٌ أخلاقي لدَولةٍ تَتَهاوى

راشد فايد*

هل عودة نظام الأسد إلى مقعد سوريا في جامعة الدول العربية ثمنه عودة الوصاية الأسدية على لبنان؟ وهل “الدفعة الأولى” هي “إمتناع لبنان عن التصويت في قضية جلاء مصير المخفيّين في سوريا، في نكسةٍ أخلاقية ووطنية، تتوِّج انبطاحات الدولة اللبنانية المتهاوية، تحت ركامها. فالنظام إرتكب جرائم الخطف والتعذيب في سوريا ولبنان، وهناك 625 لبنانيًا مفقودًا، لا تمارى مسؤولية النظام عن مصيرهم أيًا تكن زاوية النظر إلى الموضوع. ففي الحد الأدنى، في أيِّ بلد في العالم تحت الوصاية الأجنبية أو الإحتلال، يكون الوصي أو المحتل مسؤولًا عن مصير وأمن أناس البلد المعني، فكيف وقد كان “مدعومًا من أميركا وأوروبا وروسيا، والأمم المتحدة ومجلس الأمن، وجامعة الدول العربية؟ ولو أظهر، بعضها، أحيانًا، غضبه، على بعض التفاصيل، متجنّبًا انتقاد الجوهر، ولربما يستحسن تذكر ما أورده وزير الخارجية الأسبق المرحوم فؤاد بطرس في مذكراته، عن “نصيحة” نظيره السعودي المرحوم سعود الفيصل، في إحدى القمم العربية، بعدم إثارة موضوع الوجود السوري في لبنان، “لأسباب استراتيجية عربية تقتضي الصمت عن ذلك”.

يقف الرأي العام، للمرة الأولى، ربما، أمام جريمة يسعى أهل الضحية فيها إلى تبرئة قاتل ابنهم، والأحرى، أبنائهم، من دون أن يطلب غفرانهم، لأن لا عفو بلا إدانة، أو إقرار بالجريمة، وهو ما يرفضه “الفاعل”. لكنها ليست جريمة، فوق الجريمة، ينتهي مفعولها مع إطلالة الصباح. إنها غلطة، كما قال الفرنسي تاليران، بمعنى أن مفاعيلها لا تنتهي بولادتها، بل هي تبدأ عندذاك، وتصبح خطًا فاصلًا في التاريخ، تُعرف بدايته، ولا تُدرك نهايته.

من جذور هذه الغلطة، أن طبيعة العلاقة مع دمشق، منذ انتفاضة الاستقلال 2005، لم تخرج عن نمط التبعية لسوريا التي يفرضها على الدولة “الحزب المسلح الأوحد،”، وتوأمه “حركة امل”، والأمثلة لا تغيب عن الوقائع، في ملف المفقودين، وملفات أخرى، منها ما له ارتباط بالعلاقات الثنائية، وعلى رأسها ترسيم الحدود البرية والبحرية، وحسم هوية شبعا والجوار، أو السياسات العربية المشتركة، بما يفضح “لا حدود” المراءاة، والمداهنة، والمحاباة لنظام دمشق، حتى على حساب لبنان ومصالحه. فالإمتناع عن التصويت تنكّر كامل لقرارات لبنانية رسمية سابقة في هذا الملف. ولعل الأسوأ من الامتناع، التبريرات والذرائع التي ساقتها وزارة الخارجية في ردودها على إدانات التهرب. كالتلطي وراء امتناع الدول العربية عن التصويت على القرار فيما المعلوم ان لبنان وحده، من بينها، من فقد آلاف اللبنانيين في السجون السورية، ولم تجرؤ السلطات اللبنانية يومًا على ملاحقة النظام السوري في تبعاته.

ما شابَ قرار إنشاء الهيئة الأممية من لغط لبناني، واستهجان أخلاقي يحيل الموضوع على أحد احتمالَين أحلاهما مر: الاول أن ضغطًا عربيًا مورِسَ على لبنان، كما ألمح وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، وبالتالي بات لبنان قربان المصالح العربية المشتركة، في هذه المرحلة، وهي التي أتت بالسفارة السعودية إلى دمشق، بعد طول غياب. الثاني أن التوأم الشيعي لوّح للحكومة بـ 7 أيار المجيد، ليسترضي حليفه الأسد فكان له الإنصياع.

الجرح النازف منذ أربعين عامًا، كما سمّته مندوبة لبنان بالإنابة لدى الأمم المتحدة، غير مرشح للاندمال في مدى منظور، طالما غابت النيات الطيبة، لدى دمشق، تجاه لبنان، و”سيبقى أحبة بلا أضرحة من العام 1982، ما يشكل استمراره ألمًا مستدامًا في ضمير الوطن”على قول المندوبة اللبنانية. ربما يغفر لوزير الخارجية أن قائدًا سابقًا للجيش، ورئيسًا للجمهورية، حكم 6 سنوات، وزفّت بـ”بركته” الطرق إلى قصر صديقه بشّار، مرات، لم يجد مناسبًا أن يسأله يومًا عن مصير اللبنانيين المُغَيَّبين.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى