من أَين لماكرون هذا التفاؤل؟

بقلم راشد فايد*

هل يعتقد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن زيارته الثالثة إلى لبنان، بعد نحو أسبوع، كفيلة بتحقيق مهمته “الرسولية” في إنقاذ وطن الأرز، وإقناع طبقة الإستبداد السياسي – المالي بأن نهجها في إدارة الشؤون العامة، بما يخدم مصالحها العمياء، لم يعد مقبولاً لا جُملةً ولا تفصيلاً، ولن يؤدي إلى استقرار الحياة العامة، وفتح الأفق الوطني على حفظ الكيان وأهله واستتباب أمنه الإجتماعي، وإنعاش اقتصاده، واستعادة عملته قوّتها الشرائية؟

الواضح أن ماكرون “تلبنن” فيما لم “يتفرنس” محاوروه اللبنانيين: كان اجتماعهم به في “قصر الصنوبر” أقرب إلى حفلة مُداهَنة له، ساهم الجميع في انطلائها عليه، خصوصاً من ادّعى الإعتراض على 10% من البرنامج الفرنسي لخلاص لبنان، إلى حدِّ إشعاره بأنه يأمر فيُطَع، بينما هم لم يأخذوا منه، ومن قِيَمِ بلده، معنى الإلتزام الوطني، وسمو المصلحة العامة على كل ما عداها.

ربما يعتقد ماكرون أن ما لا يؤخذ بالطلب يؤخذ بالإلحاح فأكثر، في زيارتيه السابقتين، من تفاؤله، وإن كان قلّص منه بعد الثانية، فانعقد مؤتمر دعم لبنان بحد أدنى من المشاركة، وعبر “الإنترنت”، وغابت جملته الشهيرة، إبّان الزيارة الأولى، وهي “أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل لبنان”، وأن مساعيه تُعدّ “الفرصة الأخيرة” لإنقاذ النظام السياسي والإقتصادي المُتداعي”. وخلال المؤتمر المذكور، نبّه ماكرون إلى عودته لبيروت “للضغط على الطبقة السياسية، وتشكيل حكومة جديدة لتنفيذ الإصلاحات البنيوية في البلاد وإلّا لن يحصل لبنان على مساعدات دولية”. وفي وقت لاحق صرّحت الرئاسة الفرنسية” إنه لم تُنفّذ أية إجراءات بموجب خريطة الطريق الفرنسية المُقترحة لمساعدة لبنان على حلّ أزمته السياسية والإقتصادية”. مع ذلك، يظل ماكرون مُتفائلاً ولا ندري السبب، برغم تنافس التحذيرات العالمية من الآتي. حتى أن وزير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية جيمس كليفرلي نبّه، الأسبوع الفائت، من أن لبنان قد لا يتمكّن من إطعام نفسه مع رفع أزمته المالية مستوى الفقر والتضخم”.  لكن ماذا يملك المجتمع الدولي من قدرات تُجبر “الأوليغارشيا” العليلة على وقف استنزاف صبر اللبنانيين وإكثار جثث الجائعين والمرضى وفاقدي لقمة العيش؟

أيّ عقاب أُمَمي لن يؤثّر على حياة ناهبي البلد، فهل لدى مجلس الأمن”تخريجة” تحت عنوان “التدخل الإنساني”؟ فالتدخل الكلاسيكي غير وارد، وأدّى تطور مفهوم حقوق الإنسان الأمنية والسياسية، وارتباطها بالسلم والأمن الدوليين، إلى تغييرات في مهام مجلس الأمن على صعيد حماية هذه الحقوق، لا سيما حين اضطهاد أقلية عرقية أو سياسية، أو مجموعة سياسية، أو كارثة إنسانية لا تُحسن الدولة المعنية مواجهتها، كما حال انفجار المرفأ.

في لبنان اليوم أكثر من كارثة، و4 آب، بذاته شاهد، ويعيش عند انسداد الأفق الوطني، بعناد وتشنج يُذكّر بـ1989 و1975 حين تعاظمت أزمة النظام فانفجر البلد. لكن المجتمع الدولي اليوم لا يُناسبه تكرار 1975، ولا حتى 1958.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى