حَرَسُ إيران… نَحنُ وراء “الطوفان” ولكن!

محمّد قوّاص*

شيءٌ من الارتباك شاب إعلان الحرس الثوري أنَّ عملية “طوفان الأقصى” كانت جُزءًا من الردّ الإيراني على مقتل الجنرال قاسم سليماني. أعلن المتحدث باسم “الحرس” العميد رمضان شريف ذلك، الأربعاء الماضي، قبل أن يعود بعد ساعات ليُوَضِّح أنه أُسيءَ فهمه.

والحرس الثوري هو عصبٌ أساسي للنظام الإيراني. وأن يُعلِنَ هذه الرواية، جهارًا، وتنقلها وكالات الأنباء الإيرانية، ينمّ عن تحوّلٍ وليس عن حادثةٍ عابرة. فقد دأبت كافة المنابر الرسمية الإيرانية، السياسية والديبلوماسية والعسكرية، على تأكيدِ أنَّ لا علاقة لإيران بالعملية التي نفذّتها كتائب عزالدين القسّام افي 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي والتي أُطلقت إثرها إسرائيل الحرب المدمّرة التي لم تنتهِ ضد قطاع غزة.

فإضافةً إلى ما كرره وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أنَّ إيران لا علاقة لها بـ”الطوفان” وراحَ يجوبُ العواصم المعنيّة مُلوِّحًا بقدرة بلاده على تهدئة الجبهات والتوسّط لإيقاف الحرب، فإنَّ تقريرًا صادرًا عن وكالة رويترز قالت إنها اعتمدت به على “3 مسؤولين إيرانيين كبار” ذكر أن مرشد الجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، قد أنّبَ إسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، آخذًا على تنظيمه عدم إبلاغ إيران بخططها، وأضاف أنَّ المرشد أبلغ ضيفه في طهران أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أن إيران لن تدخل الحرب نيابةً عن “حماس”.

سَرديةُ إيران الرسمية كانت سبقتها على نحوٍ مُستغرَب ومُتعجِّل سَرديةً أميركية بهذا الاتجاه. ففي 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أي بعد يومٍ واحد على عملية “طوفان الأقصى”، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنَّ بلاده لا تملك معلومات تسمح باتهام إيران بعملية “القسام” ضد غلاف غزّة. وبدا أنَّ ما قاله بلينكن هو موقفٌ سياسي ينمّ عن قرارٍ سريع للإدارة في واشنطن وقبل انتظار أية تحقيقات أو معلومات أجهزة المخابرات الأميركية يُبرّئ إيران من 7 تشرين الأول (أكتوبر).

واللافتُ أنَّ بيانًا صدر عن حركة “حماس” يُكَذِّبُ ما أوردته رويترز وينفي الكلام المنسوب إلى خامنئي في استقبال هنية، لكن لم يصدر عن إيران أيّ نفيّ لما نُشر في هذا الصدد. أما اللافت هذه المرة في ردّ الفعل على رواية المتحدث باسم الحرس الثوري، فهو مُسارعة حركة “حماس” إلى إصدارِ بيانٍ يَنفي تمامًا مزاعم “الحرس” مؤكّدة بأنَّ حيثيات عملية “القسام” فلسطينية وقرارها فلسطيني وأنَّ “كلَّ أعمال المقاومة الفلسطينية تأتي ردًّا على وجود الاحتلال، وعدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني ومقدساته”.

وإذا ما راعت حركة “حماس” في السابق ظروف النظام في إيران وجارت سردياته بشأن فلسطين وعلاقته وعلاقتها بـ”محور المقاومة”، فإنَّ لمُسارَعة الحركة إلى نفيّ رواية الحرس الثوري والمتحدّث باسمها أسبابًا تكشف عن تصدّع ما في علاقتها بطهران وبـ”حرسها” إلى درجة استعجال إصدار بيان النفيّ حتى من دون انتظار التحديث التوضيحي الذي أصدره المتحدث باسم “الحرس” ثم قائده لاحقًا.

وعلى الرُغم من محاولة إظهار تناغم ووحدة موقف بين “حماس” وإيران، فإنَّ عددًا من قادة الحركة، من أبرزهم خالد مشعل وغازي حمد وموسى أبو مرزوق، كانوا عبّروا، بصِيَغٍ ولهجات مختلفة، عن امتعاض من “عدم كفاية” ما تقوم به فصائل “محور المقاومة” الذي تقوده طهران لدعم قطاع غزّة وكأنهم ينطلقون من مسلّمات واتفاقات سابقة في هذا الصدد. ولا ريب أنَّ تراكمات تكثّفت مذاك مُضافًا إليها ظروف أخرى ترتبط بالدور العربي، لا سيما المصري-والأردني-القطري، لإنهاء الحرب، وبحساباتٍ تتعلق بالبيت الفلسطيني ومآلات ما بعد الحرب، دفعت “حماس” إلى عدم التردد في أخذ مسافة من رواية الحرس الثوري والنأي بنفسها عن موقفٍ يضع “القسام” في خدمةِ أجندةٍ إيرانية.

غير أنَّ ما أثارته تصريحات المتحدث باسم “الحرس” من لغطٍ وأسئلة من جهة ونفيٍ من “حماس” من جهة ثانية قاد وربما لحساباتٍ داخلية إلى تراجع عبّر عنه، الخميس، قائد الحرس الثوري، حسين سلامي مؤكّدًا أن عملية “طوفان الأقصى فلسطينية بالكامل” فعاد بذلك إلى سردية إيران الأولى واتّسق بذلك مع بيان “حماس” بشأن فلسطينية “الطوفان”.

مصادر متابعة للشؤون الإيرانية وضعت تصريحات “الحرس الثوري” في سياقِ صراعٍ يتعلّق بمسألة التوريث وتحضيراته على رأس السلطة، وأنَّ من أدوات هذا الصراع مُعارضة داخلية للاستراتيجية التي اعتمدتها طهران في إدارة الموقف من “طوفان الأقصى” سواء من خلال النأي الكامل بالنفس عن أيِّ علاقة لإيران بالعملية تخطيطًا أو توقيتًا أو قرارًا من جهة، أم من خلال فوضى وتشتّت حراك الفصائل الموالية لها في العراق واليمن ولبنان.

وتضيف المصادر أنَّ “الحرس” أراد من خلال تصريحات المتحدّث باسمه، في النسخة الأصلية أو تلك المُحدثة، التقصّد في إبلاغ من يهمّه الأمر في طهران ولدى حركة “حماس” بأنَّ “طوفان الأقصى” جُزءٌ من سياقٍ أوجَده الحرس الثوري في المنطقة عامةً وفي فلسطين بخاصة، وهي جٌزء من عملية انتقام لمقتل أحد مهندسي هذا الوضع، قاسم سليماني الذي كان قائدًا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري. كما إنَّ أوساطًا داخل “الحرس” لم تستسغ خطاب طهران أخيرًا في أنَّ حراك الفصائل الموالية أو المتحالفة مع إيران في المنطقة مُستقلٌّ عن قرارِ إيران فيما بذل الحرس الثوري الجهد والخطط تدريبًا وتسليحًا وهندسة لجعل “محور المقاومة” على ما هو عليه.

يكشفُ الإعلان والتراجع عنه بشأن “الطوفان” مخاضًا داخليًا غامض الملامح. ويأتي إعلان الحرس بشأن “وظيفة” عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) الإيرانية بعد يومين على مقتل أحد ضباطها الكبار ورفيق قاسم سليماني، العميد سيد رضي موسوي، في ضربات إسرائيلية في منطقة السيدة زينب في دمشق الإثنين الماضي. وإذا ما وعدت طهران بالردّ في “الزمان والمكان المناسبين”، فإنَّ رواية “الطوفان” الجديدة تهدف إلى تهدئة رأي عام في داخل إيران كما لدى جمهور “محور المقاومة” الذي لم يرَ يوما هذا الزمان ولم يهتدِ إلى ذلك المكان.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره على موقع “سكاي نيوز عربية” (أبو ظبي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى