لوليتا… لوليتا … عروس الحب الممنوع (1 من 3)

فيرا وفلاديمير يوميًّا معًا ولا يفترقان

هنري زغيب*

صُدُورُ رواية “لوليتا” سنة 1955 أَحدث دويًّا صاعقًا بين مُرحِّبٍ بها لأَنها كسَرَت جميع أَنواع “التابو”، ورافضٍ إِياها لأَنها تَجَرَّأَتْ بــ”وقاحةٍ” على ممنوعاتٍ فَرضَها المجتمع، وعلى مُحَرَّماتٍ فرَضَها الأَفرادُ انسياقًا مع أَوساط الـمُجتمع. وفي الحالتين معًا، إِيجابيِّها وسلبيِّها، اندلع في الأَوساط الأَدبية واسعًا باهرًا اسمُ كاتبها الروائي ڤلاديمير نابوكوڤ (22 نيسان/أَبريل 1899- 2 تموز/يوليو 1977). وصدَرَت الرواية مترجَمَةً إِلى عدد كبير من اللغات (بينها العربية). وهدأَت الضجة سنواتٍ، حتى اندلَعَتْ من جديدٍ قبل أَيام مع الإِعلان (كما نشرتْه وكالة الصحافة الفرنسية) عن صُدُور يوميات زوجة نابوكوڤ: ڤيرا يـيـفْـسـيــيــڤــنا نابوكوڤ (5 كانون الثاني/يناير 1902-7 نيسان/أَبريل 1991) وفي صفحاتها أَضواء غير معروفة على رواية “لوليتا”.

فيرا حاجة فلاديمير اليومية

وُلدَت فيرا، كزوجها، في مدينة سانت بيترسبورغ (روسيا) وتوفيَت مثله في مونترو (سويسرا). كانت كاتبةً مكرَّسة، ترجمَت روايات زوجها، هي التي كانت مُلهمتَه في معظم رواياته كان نابوكوف بين 1926 و1938 كتب بالروسية تسع روايات في برلين التي هاجر إِليها من روسيا، ثم أَخذ يكتب بالإِنكليزية. وفي برلين الْتقى فيرا مصادفةً، وبعد فترةٍ تزوَّجا نهار الأَربعاء 15 نيسان/أَبريل 1925 فكانت فيرا سنَدَه في حياته ومساعِدَتَه في نسْخ مؤَلفاته وفي نقْلها إِلى الآلة الكاتبة. ووُلد لهما (في 10 أَيار/مايو 1934) صبيٌّ وحيد سمَّيَاه ديمتري.

رسائلُه العاشقة إِليها حين لا تكون معه

كانت كلَّ شيْءٍ في حياته

سنة 1940 انتقل فلاديميلا وفيرا وولدهما إِلى الولايات المتحدة، ونالوا الجنسية الأَميركية سنة 1945. وفي نيويورك تعلَّمَت فيرا قيادة السيارة، فكانت تصحب زوجها في جميع تنقُّلاته، ومنها إِلى منطقة “كاسكاديا” (ولاية واشنطن غربيَّ البلاد) حيث كان يزاول هوايته المفضَّلة: صيد الفراشات.

وفي شؤُون الكتابة كان يتَّكل عليها، ولا يغادر البيت وحده من دونها. كانت كلَّ شيْءٍ في حياته. حتى حين كان يلقي محاضراته، كانت تجلس حَدَّه إِلى زاوية المنبر.

من هنا سرى أَنها ملهمتُه ومراجِعَةُ نصوصِه وقارئتُه الأُولى وَوَكيلُتُه الأَدبية وحافظةُ مخطوطاتِه وأَوراقِه ومنشوراتِه ومترجِمتُهُ ومختارةُ ملابسه وسائقةُ سيارته ومدبِّرةُ شؤُونه المالية ومساعدتُه في تحضير فصول التدريس (بين 1948 و1959 درَّس الأَدب الروسي لدى جامعة كورنيل في إيتاكا – نيويورك)، فإِذا بها ملهمتُه وحارستُه القوية (كانت تقتني مسدَّسًا في حقيبة يدها)، وأُمُّ ولدِه الوحيد وظلَّت الأَمينةَ الحريصة كلِّيًّا على إِرثه بعد وفاته. لذا كان طبيعيًّا أَن تكون لها جميع إِهداءَات كُتُبه.

غلاف “يوميات” فيرا كما ستصدر في الخريف المقبل

إِنقاذ “لوليتا” من النار

كان لفيرا الفضل الأَكبر في أَنها أَنقذَت من النار أَكثرَ من مرَّةٍ مخطوطة “لوليتا”. أَراد فلاديمير إِتلافها حرقًا قبل إِنجازها، متوجِّسًا من وقْعها كرواية مستفِزَّة. لكن فيرا لم تنجح في إِنقاذ رسائل خاصة حول ظروف زواجهما الذي دام سعيدًا طيلة 52 سنة، وهي أَطول مدة سعادة زوجية في الوسط الأَدبي. وعن الـمُقرَّبين منهما أَنه كان زواجًا قريبًا جدًّا من التَقَشُّف. وحين كان يسافر مُحاضرًا يروح يراسلُها بإِيقاع يومي في لهفة عاشقة.

حين انتقلا من حَرَم الأَساتذة الجامعيين داخل الجامعة (في إِيتاكا – نيويورك) إِلى فندق فخم في سويسرا، كانت هي التي تطهى طعامه دون مطعم الفندق. وبقيَت هي التي تفتح بريده وتكتب الإِجابات لِـمن يجب.

معًا في الحياة والموت: ضريحُهُما الواحد

يوميات فيرا

في يوميات فيرا صفحاتٌ مستفيضة عن فضيحة “لوليتا” والضجة التي اندلعت لدى صدورها. وهي ستصدر قريبًا بالفرنسية (في 4 تشرين الأَول /أُكتوبر 2023) لدى منشورات “ليرن” L’Herne (باريس- تأَسسَت سنة 1961) توازيًا مع صُدُور عدد خاص عن نابوكوف من مجلتها “دفاتر ليرن” (تأَسَّسَت سنة 2000).

مخطوطة هذه اليوميات ستصدُر في 128 صفحة بالفرنسية، وستحمل عنوان “إِعصار لوليتا – يوميات 1958- 1959). واللافت أَنها ستصدر بالفرنسية لأَول مرة في العالم، حتى قبل صدورها بالإِنكليزية التي كتبَتْها بها فيرا، لأَن الناشرين الأَميركيين رفضوا نشرها لما فيها من مقاطع مستفِزَّة تصوِّر تعلُّق صبية مراهقة بكاتب في الخمسين. وما إِلّا بعد ثلاث سنوات  حتى صدرت الرواية بالإِنكليزية، حين منشورات پوتنام (تأَسست سنة 1838 في مدينة نيويورك) أَقدَمَت على نشْر الرواية، وسجَّلَت فور صدورها أَرقامَ مبيعات عاليةً وردودَ فعل إِيجابيةً في أَوساط النُقاد والصحافة. ولم تصدر الرواية في الروسية إِلَّا سنة 1967، ترجمها نابوكوف ذاته، وصدرَت في نيويورك لدى منشورات “فيدرا” (تأَسسَت في مدينة نيويورك سنة 1955). لكنه بعد فترة غادر نيويورك إِلى أُوروبا سنة 1961، واستقرَّ في مونترو Montreux (سويسرا) بقية حياته.

ماذا في يوميات فيرا؟

ولماذا أَخذت رواية “لوليتا” كل هذه الضجة؟

هذا ما أفصله في الجزء الثاني من هذه الثلاثية.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى