ماذا يجري في السودان وما هو الحل؟

السودان بحاجةٍ ماسة إلى جبهةٍ وطنية واسعة جديدة لتصحيح الأخطاء -ولا سيما العملية السياسية الضيّقة والمثيرة للانقسام- التي أدّت إلى الحرب.

قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي: أعضاءٌ كثر انسحيوا

ياسر زيدان*

يُعتَبَرُ الصراعُ الحالي في السودان بين الجيش وقوّات الدعم السريع أزمةً أمنية وإنسانية. لكن الأهم من ذلك أنها أزمة سياسية، نشأت من الفشل في بناءِ انتقالٍ ديموقراطي مُستدام بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت الديكتاتور السابق عمر البشير من السلطة في إبريل/ نيسان 2019.

يُمكن تتبع هذا الفشل من خلال الاتفاقات الانتقالية المختلفة التي وُقِّعَت ثم تمَّ تجاهلها أو انتهاكها منذ العام 2019. في ذلك الوقت، لم يتمكّن الفاعلون السياسيون المدنيون في المرحلة الانتقالية في السودان من التغلب على انقساماتهم العميقة، ما أطلق العنان للجيش تحت قيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو -المعروف باسم حميدتي- للسيطرة على البلاد ويتنافسان الآن للسيطرة عليها. بشكلٍ مأسوي، الشيء نفسه يتكرر راهنًا، ما يعني أنه عندما يتم إسكات المدافع أخيرًا، لن يتمكّن الفاعلون السياسيون المدنيون في السودان من لعب دورٍ ذي مغزى في توجيه البلاد نحو سلامٍ مستدام.

كان أول اتفاق انتقالي في السودان إعلانًا دستوريًا لتقاسم السلطة بين الجيش وقوى الحرية والتغيير، التحالف المدني الذي قاد المفاوضات مع الجيش بعد الإطاحة بنظام البشير. وضع الإعلان الأساس لتشكيل حكومة عسكرية-مدنية مشتركة كان هدفها هو توجيه السودان في نهاية المطاف إلى الحكم المدني بحلول العام 2022. لكنه فشل في تحقيق مطالب الانتفاضات بسبب الخلافات السياسية بين الجماعات المتنافسة من المشاركين المدنيين.

مثّلت قوى الحرية والتغيير مجموعةً واسعة من الأحزاب السياسية التي عارضت نظام البشير وكذلك الجماعات المتمرّدة من دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وقد منحها ذلك ووحدتها موقعًا قويًا في قيادة الانتفاضة التي اندلعت في كانون الأول/ ديسمبر 2018 والتفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي، بعد الإطاحة بالبشير. لكن، بدأت الخلافات في الظهور بين أعضاء قوى الحرية والتغيير المدنيين والجماعات المتمردة، التي انتقدت قرار أحزاب قوى الحرية والتغيير ومقرها الخرطوم ببدءِ محادثات مع المجلس العسكري الانتقالي قبل أن يتمكّن المتمرّدون من المشاركة.

بعد توقيع اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، تمكن ممثلو الحركات المتمردة من العودة إلى الخرطوم، حيث تم دمجهم في مؤسسات الحكم الانتقالي كفاعلين سياسيين. لكن عدم الثقة الذي نشأ داخل قوى الحرية والتغيير زاد بسبب مخاوف جدية بين الجماعات المتمردة حول كيفية إستفادة  مجموعة الأطراف التي تفاوضت على الاتفاقية الانتقالية مع الجيش من هياكل حكومة تقاسم السلطة.

نتيجةً لذلك، انقسمت قوى الحرية والتغيير إلى فصيلين. الأول، المعروف باسم “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، يضم حزب الأمة، والتجمع الوحدوي، وحزب المؤتمر السوداني. الفصيل الثاني، الذي ضم الجماعات المتمردة والحزب الاتحادي، أطلق على نفسه اسم “الحرية والتغيير – الكتلة الديموقراطية”. بالإضافة إلى ذلك، ترك البعثيون والشيوعيون الائتلاف بالكامل وخلقوا جبهة جديدة تسمّى تحالف “التغيير الجدذري”. فتحت الخلافات السياسية الناتجة جنبًا إلى جنب مع التدهور الاقتصادي في البلاد الباب للاستيلاء العسكري على السلطة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

تم استغلال هذه الانقسامات واستغلالها من قبل حميدتي، الذي أثبت أنه لاعبٌ سياسيٌّ ماهر. سعى حميدتي في البداية إلى وراثة آلة البشير السياسية، وعَيَّنَ العديد من الموالين للبشير كمستشارين خلال الأشهر الأولى من الفترة الانتقالية. كما سعى إلى دعم زعماء القبائل السودانية والمؤسسات التقليدية بإغراقهم بالهدايا والمزايا المالية.

لكن بعد استيلاء الجيش على السلطة في العام 2021، سعى حميدتي أيضًا إلى إصلاح العلاقات مع الجهات الفاعلة المدنية من خلال الاعتذار العلني عن دعم الانقلاب في الأشهر التي تلت ذلك. بعدها، تقرّبَ من “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، وأصبح في النهاية حليفًا. في أيلول/ سبتمبر2022، أعلن دعمه لمشروع الدستور المؤقت الذي اقترحته “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي” لتوجيه البلاد إلى الحكم المدني، ما جعله على خلاف مع موقف الجيش الداعم فقط للمبادرات التي تضم جميع أصحاب المصلحة السياسيين في السودان وليس فقط “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي”.

وفي الوقت نفسه، أدت العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة لتسهيل المحادثات بين “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي” و”الحرية والتغيير- الكتلة الديموقراطية” والجيش التي بدأت بعد الانقلاب العسكري في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، إلى تفاقم الانقسامات بين الفصائل المدنية في السودان. لقد صمّمت  بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، المحادثات عمدًا لاستبعاد الجهات الفاعلة المدنية المهمة الأخرى، مثل لجان المقاومة -مجموعات الأحياء التي قادت الحركة المؤيدة للديموقراطية في السودان منذ العام 2019- ورؤساء القبائل التقليديين، وتم تهميش “الحرية والتغيير -الكتلة الديموقراطية” من اتفاقية المخطط التفصيلي الموقَّعة في كانون الأول/ ديسمبر 2022.

خَدَمَ هذا الاتفاق في نهاية المطاف كعاملٍ مُحفِّزٍ للصراع الحالي، لأنه دعا إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، التي كانت بمثابة خط صدع أمني وطني بالغ الأهمية منذ انتفاضة العام 2019. تشكلت هذه القوات خلال حرب نظام البشير في دارفور، حيث قامت بالمناورة والتنقل في ما بعد بين العديد من المظلات المؤسّسية. بعد أن هدأت حدة الحرب في دارفور، استخدم البشير قوات الدعم السريع للحماية من الانقلابات العسكرية المحتملة للجيش. استخدم حميدتي هذا الوضع المميَّز للسيطرة على المصالح التجارية المُربحة، بما في ذلك مناجم الذهب والشركات الواجهة والبنوك. بعد الإطاحة بالبشير، توسعت قوات الدعم السريع عسكريًا وماليًا.

الخلافُ حول الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، حيث اقترح الجيش فترة انتقالية مدتها سنتان، بينما قال حميدتي أن العملية يجب أن تستغرق 10 سنين على الأقل، أدى إلى تصاعد التوترات القائمة من قبل بين الجانبين مع اقتراب الموعد النهائي للتوقيع على الاتفاق النهائي الذي توسطت فيه “يونيتامس”. بعد وقت قصير من تأجيل الموعد النهائي في نيسان/ إبريل، حشدت القوتان قواتهما في الخرطوم، وبدأ القتال في 15 نيسان/ إبريل.

ولكن إذا سعى حميدتي إلى الاستفادة من “قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي” في تنافسه مع البرهان في الفترة التي سبقت الصراع، فقد تحالف “قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي” بالمثل مع قوات الدعم السريع في محاولة للعب القوات المسلحة المختلفة ضد بعضها البعض. في أيلول/ سبتمبر 2022، على سبيل المثال، قال ياسر عرمان، عضو قيادة “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، إن “قوات الدعم السريع تمثل قوة لبناء الجيش الوطني”، ما يمنح قوات الدعم السريع مكانة مؤسسية متساوية مثل الجيش. ومنذ اندلاع الحرب، رفضت “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي” التنديد بخطوة حميدتي للاستيلاء على السلطة.

هناك الآن حاجة ملحة إلى وقف الحرب التي خلّفت ما لا يقل عن 900 قتيل و1.3 مليون نازح وتُهدّد بإشعال حريق إقليمي. حتى الآن، كافحت المحادثات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع التي استضافتها المملكة العربية السعودية لتحقيق ما هو أكثر من وقف إطلاق النار المهتز ووصول المساعدات الإنسانية بشكل متقطع. في غضون ذلك، بدلًا من إيجاد موقف مشترك لاقتراح خارطة طريق سياسية للخروج من الأزمة الحالية، ينشغل الفاعلون المدنيون في السودان في تكرار الأخطاء نفسها. أعلن العديد من لجان المقاومة انسحابه من التحالف المدني بقيادة “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي” لوقف الحرب بسبب الموقف المحايد لهذه القوى في الحرب بالإضافة إلى روايتها التي تساوي قوات الدعم السريع بالجيش.

قبل كل شيء، السودان بحاجة ماسة إلى جبهةٍ وطنيةٍ واسعةٍ جديدة لتصحيحِ الأخطاء -ولا سيما العملية السياسية الضيّقة والمثيرة للانقسام- التي أدّت إلى الحرب. ولكن لكي يكونَ أيُّ تحالفٍ سياسي جديد فعّالًا، يجب أن يقف مع مؤسّسات الدولة المتبقية في السودان ويصرّ على أن المدنيين في السودان يجب أن يقرروا في نهاية المطاف مصير بلادهم، لأن ذلك فقط هو الذي سيُنهي الحربَ بشكلٍ مُستدام.

  • ياسر زيدان هو طالب دكتوراه في معهد جاكسون للدراسات الدولية في جامعة واشنطن، يركز أبحاثه على شؤون أفريقيا وخصوصًا السودان. يمكن متابعته عبر تويتر على: @YasirZaidan91

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى