الخليج على شفا ثورةٍ أخرى في مجالِ الطاقة

محمد العارضي*

في عالَمٍ شديدِ الترابطِ والعَولَمة، من الأهمية بمكان أن تُفَكِّرَ كلُّ دولةٍ في موقعها الجغرافي، وكيفَ يُقدّمُ ذلك الفُرَصَ ونقاطَ القوّة التي ستساعدها على الازدهار في العالم الحديث. لقد حققت دول مجلس التعاون الخليجي أداءً جيدًا للغاية في هذا الصدد، حيث بذلت جميع دولها الأعضاء قصارى جهدها لتطوير المُدُن التي تسدُّ الفجوات بين الشرق والغرب، وتجذبُ الاستثمارَ الأجنبي المُباشِر، وسياحة الأعمال والترفيه، كلُّ ذلك في الوقت الذي تتنافس وتتعاون مع لاعبين عالميين راسخين.

إنَّ المنطقة في ما هي عليه اليوم كانت نتيجةً للقيادة القديرة والجهود المتواصلة التي يبذلها القطاعان العام والخاص لتنويع المصالح الاقتصادية لكلِّ دولةٍ عضو وتقليلِ اعتمادها على النفط. ومع ذلك، هناك دائمًا طُرُقٌ جديدة لاستكشافها. باعتبارنا منطقة مُصَدِّرة رائدة للطاقة في ظلِّ السياقِ العالمي لتغيّر المناخ والسباق نحو صافي انبعاثاتٍ صفرية، لا يُمكننا أن نتجاهلَ المزايا الجغرافية لبلدان الخليج.

تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي ببعضٍ من أعلى مُعدّلاتِ التعرّض لأشّعةِ الشمس في العالم. وفقًا لتقرير نشرته شركة “ستراتيجي أند” (Strategy&)، وهي جُزءٌ من شبكة شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” الاستشارية، يُمكِنُ لمحطات الطاقة الشمسية في الخليج أن تتوقع ما بين 1750 إلى 1930 ساعة من التشغيل بكامل طاقتها كل عام، مُقارنةً بمحطّات الطاقة الشمسية في ألمانيا التي يُمكنها تسجيل 940 ساعة سنويًا. في المتوسط. تتمتّعُ الألواحُ الشمسية في دول مجلس التعاون الخليجي بالقدرة على إنتاجِ طاقةٍ تُعادِلُ ضعف ما تنتجه ألمانيا وأي دولة أوروبية مماثلة – وهذا يُمثّلُ رصيدًا وفُرصةً يجب ألّا نستَخِفُّ بهما.

تَرتَبِطُ بهذه الفرصةِ فرصةٌ أخرى – الهيدروجين الأخضر، الذي وصفته منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية بأنه وقودُ المستقبل نظرًا لأن إنتاجه -الذي يتضمّن التحليل الكهربائي لمصادر الطاقة المُتجدّدة مثل الهواء أو الماء أو أشعّة الشمس- يؤدّي إلى انبعاثاتٍ كربونية صفرية. هناكَ أشكالٌ مُختلفة من الهيدروجين يتمُّ إنتاجها في جميع أنحاء العالم اليوم، ولكن اعتبارًا من العام 2021، صار أقل من واحد في المئة من هذا الإنتاج أخضرَ بالفعل، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة.

الميزة الواعدة للهيدروجين هي تعدّدِ استخداماته، حيث يُمكن استخدامه في الحالات السائلة أو الغازية، ويُمكن تحويله لاستخدامه كوقود أو كهرباء. ويمكن استخدامه في إنتاج وتشغيل السيارات والآلات الكهربائية، كما يمكن نقله كطاقةٍ مُتجدّدة عندما يتم تحويله إلى أمونيا. مثل أيّ مصدر للطاقة، بطبيعة الحال، هناك تحدّيات – أبرزها الشحن والمناولة لأنَّ الهيدروجين شديد الاشتعال، أكثر بكثير من الغاز الطبيعي والبروبان والبنزين؛ وهذا يرفع تكاليف الإنتاج. ومع ذلك، ونظرًا لإمكاناته وتطبيقاته والاتجاه نحو إزالة الكربون، فمن المؤكد أنَّ الاستثمارَ في الهيدروجين الأخضر سيؤتي ثماره في العقود المقبلة.

بدأت دول الخليج سلسلةً من الجهود لتبنّي هذا الوقود. على سبيل المثال، تم إنشاء تحالف دبي للهيدروجين في دولة الإمارات العربية المتحدة، وحدّدت المملكة العربية السعودية هدفًا لإنتاج أربعة ملايين طن من الهيدروجين بحلول العام 2040. والمزوِّد الرائد للهيدروجين حاليًا في المنطقة هو سلطنة عُمان، والتي يمكن أن تصبح سادس أكبر مُصَدِّر للوقود في العالم بحلول العام 2030، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. وتهدُفُ السلطنة إلى إنتاجِ ما لا يقل عن مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول العام 2030، و3.75 ملايين سنويًا بحلول العام 2040، وما يصل إلى 8.5 ملايين سنويًا بحلول العام 2050.

في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، وَقَّعت شركة هيدروجين عُمان (هايدروم) مشاريع بقيمة 20 مليار دولار للهيدروجين الأخضر. علاوةً على ذلك، أعلنت شركة تنمية طاقة عُمان عن شراكتها مع شركة “سيمنز” للطاقة للعمل على مبادراتِ البحث والتطوير لدعم تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر والابتكار وتبادل الخبرات.

كانت ثقافة التعاون والبناء والنمو مع الحلفاء الإقليميين والدوليين دائمًا جُزءًا من نَهجِ عُمان. يُعَدُّ التقدُّمُ العُماني في مجال الهيدروجين الأخضر بمثابةِ أخبارٍ جيدة لمنطقة الخليج الأوسع. ومع ذلك، ما زلنا في المراحلِ المُبكرة نسبيًا، وهناكَ الكثير من الإمكانات أمام الشركاء المحلّيين والإقليميين للانضمام إلينا ولعب دورٍ بارز في توسيع إنتاج الهيدروجين الأخضر.

ومن المتوقّع أن يرتفع الطلب على الهيدروجين الأخضر إلى حوالي 660 مليون طن سنويًا بحلول العام 2050، مع انخفاضِ تكاليف الإنتاج مع تحسين العمليات وتحقيق وفورات الحجم. لا يزال هناك الكثير مما يتعيَّن القيام به في هذا المجال – يجب على المُنتجين تثقيف المستهلكين المُستَهدَفين في جميع أنحاء العالم حول هذا البديل والعمل معهم بشكلٍ وثيقٍ من أجلِ الانتقال السَلِس من الوقود الأحفوري إلى المصادر المُتجدّدة في السنوات المقبلة.

يَجلُبُ الهيدروجين الأخضر سلسلةً من الفُرَصِ للمنطقة التي يُمكِنُ أن تُساهِمَ في أشكالٍ مُستدامة من الطاقة بالإضافة إلى النشاط الاقتصادي المُستدام – وكلاهما ضروري لتحقيق المستقبل الأفضل والمزدهر الذي تسعى إليه كل دولة في منطقة الخليج. ومن خلال التخطيط الدقيق والتعاون والاستخدام الأمثل للموارد، لا أشكُّ في أنَّ منطقة الخليج ستُحقّقُ المَزيدَ من التقدّمِ في مجالِ مَصادرِ الطاقة المتجدّدة وستستمر في الاحتفاظ بمكانتها كمركزٍ عالميٍّ لإنتاجِ الطاقة.

  • محمد العارضي هو رئيس مجلس الإدارة التنفيذي ل”إنفستكورب” ورئيس مجلس إدارة بنك صحار الدولي في سلطنة عُمان، وكان سابقًا رئيس مجلس إدارة البنك الوطني العُماني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى