الديكتاتور ودروس الجزائر والسودان

بقلم عرفان نظام الدين*

تهنئة أولى من القلب للشعب السوداني الطيّب والصابر، وثانية للشعب الجزائري البطل علي انتصارهما في انتفاضة سلمية راقية وحازمة علي الديكتاتورية العنيدة، وإزاحة رَمزَيها ما أثار اهتمام العالم وإعجاب الرأي العام العربي والدولي. إنه درسٌ آخر في أقل من شهر يجب ان يأخذه في الإعتبار ويتعَلَم منه كل مَن له عقل، لا سيما الحكام العرب من المحيط الي الخليج، وكأن دروس النهايات الدرامية للرئيسين القذافي وصدام حسين، والنهايات المُخزية للرئيسين حسني ميارك وزين العابدين بن علي لم تكن كافية للتعلّم وأخذ العِبَر.
منذ ٣٠ عاماً والرئيس عمر البشير يحكم السودان بالحديد والنار، ويتفنّن في الإعتقالات والتعذيب في غرف الأشباح وتتلطخ يداه بدماء آلاف الأبرياء. تسلّم السودان قوياً موحّداً، وتركه مُقسَّماً ضَعِيفاً، تسبب في انفصال الجنوب الغني بالنفط والمعادن بعدم التصدي للمؤامرة الإسرائيلية المدعومة من الغرب.
وشهدت البلاد في عهده حروباً دامية وقمعاً في دارفور وكسلا والنوبة وكردفان، وأصبح البشير مُطارَداً من قبل محكمة الجنايات الدولية.
وخلال الحكم العسكري لعب البشير علي كل الحبال مع الإسلاميين بالتعاون مع الراحل حسن الترابي لإنجاح الإنقلاب ثم سجنه وفتح لنفسه “دكاناً” باسم الحركة الإسلامية، وطرد أسامة بن لادن زعيم تنظيم “القاعدة” الي أفغانستان.
عربياً تأرجح البشير بين السعودية وقطر وإيران والعرب.
وباختصار شديد فان البشير ترك خلفه تركة ثقيلة يحتاج السودان سنوات لمعالجة أثارها بعدما كان يفخر باستقراره وتقدّم جامعاته وثروات أدمغته وطاقاته العلمية والأدبية والإعلامية التي هاجرت وأسهمت في تقدم دول عربية واجنبية.
ورغم الترحيب وفرحة السودانيين بنجاح إنتفاضتهم السلمية، فإن المخاوف كبيرة من إعادة الكرات السابقة والتجارب الأليمة بأن يروق لقادة الجيش الحكم وتغلبهم شهوته الشيطانية اذ أن البيان الأول تحدّث عن مجلس عسكري وفترة انتقالية لمدة عامين، وهو ما ترفضه المعارضة وتتخوّف من أمرين: شق صفوفها وامتداد الفترة بعد غياب أي إشارة الي الحكم المدني أو تحديد موعد للإنتخابات الرئاسية والنيابية. وأُثيرت الشكوك حول سيناريو الإنقلاب ووجود تفاهم بين الفريق عوض بن عوف والرئيس المعزول مقابل عدم محاكمته خصوصاً وأنه عيّنه فبل أيام نائباً للرئيس، إضافة الي عدم شرعية إعلانه ووضعه الملتبس وسط أحاديث بانه حصل علي دعم من دول اجنبية وخليجية بوصفه البديل.
ويزيد من المخاوف ردود الفعل الأجنبية ودعوة الولايات المتحدة لبحث الأمر في مجلس الأمن.
ولهذا لا يمكن التفاؤل بالوضع قبل اتضاح المواقف وتوقّع مرونة وتفهماً في أي حوار لا بدّ ان يتم بين المجلس العسكري والمعارضة. وبانتظار ذلك يُمكن القول ان فرحة السودانيين ومعهم الجزائريين نصف فرحة لأن الجيش في كلا الحالتين قد يغتنم الفرصة ويقطف ثمار انتفاضة سال فيها دم الأبرياء.
أما بالنسبة إلى البشير المُعتَقل في مكان آمن، فانه سيعض أصابعه ندماً لأنه لم يتعلم من درس الرئيس الأسبق جعفر النميري الذي عاند وقال أن ما من أحد يُمكن ان يشيله فشالوه، ولا من حكمة الرئيس الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي استقال بعد ثورة مماثلة تسلم فيها الفترة الإنتقالية ثم سلّم الحكم لممثلي الشعب المُنتَخبين.
أما الدرس الآخر من الجزائر فتمثّل بإصرار مَن يدير الحكم من خلف الستارعلي الزجّ بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة “الغائب” في لعبة التجديد لولاية خامسة، فخرج مُهاناً ملعوناً بدلاً من ان يحترم نفسه وماضيه ويذهب الي بيته مُعزَّزاً يُكرّمه التاريخ بدلاً من أن يلعنه. إنها لعنة الحكم وشهوة السلطة نامل ان يتّعظ الجميع من نارهما الحارقة.

• عرفان نظام الدين كاتب، إعلامي وصحافي عربي مخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى