لا تَتأخّر يا دولة الرئيس فالشعبُ يَنتظر!

بقلم سليم مهنّا*

بعد الركود العالمي الذي تسبّبت به جائحة “كورونا” وتَقلُّص آمال لبنان في الحصول على مساعدات مالية أو قروضٍ مُيسَّرة، وفي ظلّ الصعوبات الكبيرة التي تُواجهها حكومة حسّان دياب لاحتواء الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية القاسية وعدم قدرتها على تمويل الإستثمارات اللازمة لتطوير المرافق العامة الحيوية واستحداث مرافق جديدة، وبين مَن يُريد التوجه لطلب المساعدة من الشرق ومن يريدها من الغرب، تبذل الحكومة جهوداً لمواجهة تركةٍ ثقيلة من الدين العام وتخلّف الخدمات الأساسية، في ظلِّ موجةٍ عارمة من الغلاء الفاحش وارتفاع معدلات البطالة وانهيار سعر صرف العملة الوطنية.

وفيما يعاني لبنان من نتائج تلك الأزمات المُتلاحقة، وتراجع حجم الإستثمارات المحلية والأجنبية في قطاعات الإنتاج والخدمات إلى أدنى حدوده، يبرز التساؤل حول إمكانية إيجاد مخارج للأزمة الحالية والسُبُل الآيلة إلى إنقاذ البلاد من تداعيات الإنكماش الاقتصادي ومخاطر الركود في مختلف قطاعات الإنتاج، في ظل الموارد الحكومية المحدودة وتقييد حركة أموال القطاع الخاص في المصارف، حيث تبدو الحاجة ملحة للبحث عن مصادر تمويل تعمل كمُنشّطاتٍ اقتصادية، من دون الحاجة إلى الإقتراض الخارجي الذي بات صعب المنال بعد إعلان تخلّف لبنان عن دفع ديونه السيادية.

قد يكون لبنان دولة فقيرة بمواردها الطبيعية الصالحة للاستخراج والبيع، على الرغم من وجود مؤشرات قوية الى امكانية تحوّله الى دولة نفطية، لكن قوة لبنان تكمن في قدراته الذاتية ومواهب أبنائه الفاعلين في كل أصقاع الأرض، الذين يُبدون كامل استعدادهم لدعم اقتصاد بلدهم اذا ما توفّرت عوامل الإستقرار التي تكفل حقوقهم كمواطنين وكمستثمرين على حد سواء.

ولأن الوضع لا يحتمل الإنتظار، ينبغي البحث سريعاً في البدائل المُتاحة للتمويل، والبدء فوراً بتنفيذ المشاريع الحيوية. فإذا كانت الدولة غير قادرة لأسبابٍ مالية على تنفيذ الاستثمارات الأساسية اللازمة لدفع عجلة النمو، وغير قادرة على استقطاب الدعم المالي الخارجي لأسباب اقتصادية وسياسية، فإن الفرصة تبقى مُتاحة للاستفادة من حيوية القطاع الخاص عبر تحفيزه للدخول على خط تنفيذ تلك المشاريع الضرورية وفقاً لنظام البناء والتشغيل العالمي المعروف ب”بناء – تشغيل – نقل ملكية” ( B.O.T)، حيث يتحمّل القطاع الخاص بموجب هذا النوع من العقود تكلفة تطوير او إنشاء هذه المرافق الحيوية ومخاطر تشغيلها، الى أن يحين موعد تسليمها للدولة عند انتهاء عقود استثمارها، وهو بالمناسبة نظام عالمي مُعتمَد في أغنى دول العالم وأكثرها تطوراً، بمعنى أنه ليس وصفة سحرية للدول الفقيرة او النامية.

تتبدى أهمية هذا النوع من التعاون مع القطاع الخاص في نواحٍ عدة أبرزها:

*  تخفيف العبء عن موارد الخزينة المحدودة؛

* تحسين ظروف عمل الإقتصاد وزيادة قدرته الإستيعابية؛

* توفير البيئة المُناسبة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية؛

* إدخال استثماراتٍ جديدة بتمويل خارجي وبعملة أجنبية، والإستغناء عن إنشاء ديون جديدة وأعباء خدمة هذه الديون؛

*  الإستفادة من خبرات القطاع الخاص في إنشاء وتشغيل المرافق العامة ونقل التكنولوجيا الحديثة إلى داخل البلاد؛

* إتاحة مزيد من فرص العمل وتنشيط السياحة ودورة الإنتاج؛

*  إشراك رؤوس الأموال الداخلية، خصوصاً تلك الموجودة خارج القطاع المصرفي في الإستثمارات المحلية.

من البديهي القول إن لبنان قد تخلّف طويلاً عن إقامة المشاريع الأساسية التي تُحدث أثراً إيجابياً في بيئة الإستثمار، وتعمل على تحسين ظروف الإقتصاد الوطني وزيادة تنافسيته وفرص نموه، وعليه فإننا بحاجة ماسة إلى تحريك المياه الراكدة وإطلاق ورشة التنمية على الصُعُد كافة، والإستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال.

أمام الحكومة فرصٌ حقيقية لطرحِ مشاريع تطويرية للمرافق العامة وفقاً لقواعد نظام ” BOT” ، وبوسعها اختيار المشاريع التي ترفع معدلات النمو وتُحدثُ فرقاً في حياة الناس ورفاهيتهم، وتُحقّق فائضاً في موارد الدولة.

إن معالجة أزمة الديون لا تتم بالإنكماش ووقف المشاريع الإنتاجية، وإنما بالدفع نحو قيام الاستثمارات الحيوية والسعي إلى توسيع مجالات الإنتاج وزيادة حجم الناتج المحلي الاجمالي لتحقيق فائض إيجابي في ميزان المدفوعات، ووقف مسلسل العجز في موازنة الدولة.

نحن بحاجة الى خطة إنماء وازدهار وليس الى إعادة إعمار. نحتاجُ الى إدارةٍ سليمة تملك الخبرة والرؤية والإرادة للعمل والنهوض من جديد.

الشعب ينتظر يا دولة الرئيس فلا تتأخّر أكثر.

  • سليم مهنا هو مصرفي وباحث مالي واقتصادي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى