على هذا النحو، قد لا يبقى لبنان كدولة لرؤية عيد ميلاده المئوي

بقلم مايكل يونغ*

في 29 حزيران (يونيو)، إستقال المدير العام لوزارة المالية اللبنانية، آلان بيفاني، من منصبه. وهو ثاني مسؤول يُشارك في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، (بعد هنري شاوول)، يستقيل في أقل من أسبوعين، وسط دلائل على أن محادثات الحكومة مع المنظمة مُتعثّرة.

بيفاني هو الرجل الذي قدّر خسائر لبنان نيابة عن الحكومة، لكن أرقامه بدت لمصرف لبنان المركزي ولجنة تقصي الحقائق البرلمانية مرتفعة للغاية. إن أكثر ما يُثبط الهمّة والعزيمة هو حقيقة أن هذا النقاش المُعقَّد يُضَيِّع وقتاً ثميناً فيما لبنان يغرق بشكل أعمق في أزمة اقتصادية خطيرة للغاية، حيث تتعرّض العملة الوطنية للسقوط الحر.

إن الطبقة السياسية، مثل حكومة الدكتور حسّان دياب غير الفعّالة، هي المسؤولة عن هذا الوضع. في الأسبوع الفائت، عقد الرئيس ميشال عون “لقاءً وطنياً” كان فاشلاً، حيث قاطع العديد من الممثلين السياسيين الرئيسيين الحدث. ومع ذلك، إذا كان للبنان أن يتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فستكون هناك حاجة إلى شكلٍ مُماثل من اللقاءات للجمع بين السياسيين والأحزاب معاً حتى يتمكنوا من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الإصلاح المطلوب للتقدّم بخطةٍ للإنقاذ.

لم يتطرّق عون في “اللقاء الوطني” مُباشرةً إلى القضايا الإقتصادية، بل تناول “السلام الإجتماعي” فقط. مع وجود لبنان على أعتاب تضخّمٍ مُفرِط، فإن مثل هذه الأجندة لا معنى لها. في الواقع، كان رئيس الجمهورية غائباً إلى حد كبير كزعيم وطني. لا يترك دستور البلاد ما بعد 1989 لرؤساء الجمهورية العديد من الصلاحيات، لكنه يضعهم على أنهم “رموز وحدة الأمة”. لذلك، فإن عون في وضعٍ مثالي، من حيث المبدأ على الأقل، للمساعدة على توجيه السياسيين نحو حلٍّ وسطٍ بشأن الإصلاح.

وقال بيفاني لمحطة تلفزيونية إن استقالته جاءت لأنه اختلف مع الطريقة التي تُدير بها السلطات اللبنانية الأزمة الإقتصادية. إذا فشل لبنان في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فإن العواقب لن تكون كارثية على البلد فحسب، بل ستكون لها تداعيات وجودية، حيث تنفد احتياطات لبنان من العملات الأجنبية. وهذه هي مُلحّة وضرورية للغاية لبلد يستورد الغالبية العظمى مما يستهلكه.

إن عدم فاعلية حكومة دياب والقيادة السياسية كان بشكل عام مُذهلاً. الليرة اللبنانية كانت تنهار على مدى الأسابيع الأخيرة، حتى مع قيام الحكومة بطباعة المزيد من الأموال. وهذا يُشير إلى أننا نتجه إلى منطقة التضخّم المُفرط. سيتطلب الإصلاح الإقتصادي أن يتنازل السياسيون والأحزاب عن جزءٍ من شبكات الفساد الخاصة بهم حتى يُمكن الإتفاق مع صندوق النقد الدولي على صفقة. ومع ذلك، في الوقت الحاضر لا أحد منهم يريد التخلّي عن أي شيء قبل الحصول على تنازلات سياسية في المقابل.

هذا لا يجب أن يأتى كمفاجأة. لقد أصبحت السياسة اللبنانية إلى حدّ كبير لعبة حافة الهاوية المُدمِّرة في الآونة الأخيرة. إن الحكمة السائدة هي أن السياسيين والأحزاب لا يريدون اعتماد الإصلاحات اللازمة لصفقة صندوق النقد الدولي. من السهل افتراض الأسوأ لكل ما يأتي من هؤلاء، لكن مثل هذا الحُكم الراديكالي أو القول ليس صحيحاً بالضرورة لعددٍ من الأسباب. أولاً، سوف ينهار النظام بأكمله إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، وهذا يعني أنه لن تجفّ شبكات الفساد الخاصة بهم فحسب، بل كذلك العديد من قاعدة نفوذ هؤلاء القادة في النظام السياسي.

علاوة على ذلك، أبدى “حزب الله”، اللاعب الرئيس في النظام السياسي، رغبةً في الحفاظ على لبنان ككيانٍ يُمكنه حماية الحزب من أعدائه. لهذا السبب كان حريصاً جداً على حماية الطبقة السياسية والبنية الطائفية عندما بدأت الإحتجاجات في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهذا هو السبب في أنه يدعم حكومة دياب اليوم. إن تفكك لبنان، الذي سيضمنه غياب صفقة صندوق النقد الدولي، لن يؤدي فقط إلى التفتت الجغرافي والمؤسسي، بل سيزيل غطاء الدولة التي خدمت “حزب الله” بشكل جيد.

لذلك، في حين أن “حزب الله” سيخرج على الأرجح أقوى من الجماعات الأخرى في لبنان، فإنه سيتعيّن عليه أيضاً إدارة وضع غير قابل للحياة بشكل متزايد، حيث يتعيّن عليه الرد على أكثر من مليون من إخوانه الشيعة الفقراء. ما لم يتم التوصل إلى خطة إنقاذ لصندوق النقد الدولي، فإن هذا الأمر هو عبء كبير على المنظمة شبه العسكرية وقد تجده قريباً مُربكاً – بغض النظر عن شبكات التمويل غير المشروعة. علاوة على ذلك، هذه الحالة الكارثية ستكون مفتوحة على كل الإحتمالات إذا لم تكن هناك إصلاحات.

لذلك، نظراً إلى صلابة وصعوبة الإختيار، فإن الخيار الوحيد في هذه المرحلة هو أن يناقش القادة السياسيون الطائفيون صفقة شاملة تسمح للبنان بالمضي قُدُماً مع صندوق النقد الدولي. لا يمكن أن يتم ذلك إلّا في منتدى ُمغلَق يعقد تحت عنوان “قمة وطنية طارئة” حول الوضع الاقتصادي. سيتعيّن على السياسيين والأحزاب استخدام هذا الطريق للتوصل إلى اتفاقٍ واسعٍ حول ما هُم على استعداد للتنازل عنه من أجل البدء في تنفيذ مشروع الإصلاح.

المُعادلة بسيطة: إذا لم تُجرَ الإصلاحات ولم يتم الاتفاق على صفقة صندوق النقد الدولي، فقد يختفي لبنان كدولة في الذكرى السنوية المئوية على تأسيسه. وسصبح بيئة “هوبسية” (Hobbesian)، أي بلا حكومة، ولا حضارة، ولا قوانين، ولا قوة مشتركة لكبح جماح الطبيعة البشرية – وبدون طعام، ولا وقود، ولا دواء ولا وجود لكل الأشياء التي يعتبرها بلدٌ عادي أمراً مفروغاً منه. إن “الكارتل” الموجود في السلطة لن يُنقذ إلّا القليل من الحطام. لذلك يجب على أعضائه التفاوض على اتفاق في ما بينهم. إن الرئيس عون لم يُحقّق الكثير، ولكن على الأقل يُمكنه أن يُقدّم للبلاد خريطة طريق وينقذ بعض الأجزاء من عهده المُنهار وتفويضه المُحَطَّم.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. يُمكن متابعته على تويتر:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى