استراتيجية “وحدة الساحات” التي يَنتَهِجُها “حزب الله” تُسَبِّبُ له مشاكل

مايكل يونغ*

في تصريحاتٍ حديثة لقناة “أو. تي. في.” التلفزيونية التابعة لحزبه، انتقد الرئيس اللبناني السابق ميشال عون قرار “حزب الله” بالتدخّلِ إلى جانب حركة “حماس” في الصراع في غزة. وقد أدّت تداعياتُ تصريحاته إلى تَعقيدِ المشكلة التي واجهها “حزب الله” في ما يُسمى بإستراتيجية “وحدة الساحات”. تنص هذه الاستراتيجية على أنَّ أعداءَ إسرائيل الرئيسيين، وهم جهات فاعلة غير حكومية ــ”حزب الله”، “حماس”، “الجهاد الإسلامي الفلسطيني”، الحوثيين في اليمن، والميليشيات الموالية لإيران في العراق ــ سوف يُنَسّقون عملياتهم معًا ضدّ إسرائيل عند الحاجة.

أعلن عون: “لسنا مُرتَبطين مع غزّة بمعاهدة دفاع، ومَن يُمكِنه ربطَ الجبهات هي جامعة الدول العربية، لكن قسمًا من الشعب اللبناني قام بخياره، والحكومة عاجزة عن أخذِ موقف، والانتصار يكون للوطن وليس لقسمٍ منه”. ولَفَتَ إلى أنَّ “القولَ إنَّ الاشتراكَ بالحرب استباقٌ لاعتداءٍ إسرائيلي على لبنان هو مُجرّد رأي، والدخول في المواجهة قد لا يُبعِدُ الخطر بل يزيده. وتابع عون: “ترجمة تطوّرات غزة والجنوب بصفقةٍ رئاسية أمرٌ غير جائز سياديًا، وإلّا تكون تضحيات الشهداء ذهبت سُدًى، وتكون أكبر خسارة للبنان”.

ربما كانت نقطة عون الأخيرة تُعَبِّرُ بشكلٍ أفضل عمّا أزعجه. ويبدو أنَّ الرئيس السابق يعتقد أنَّ “حزب الله” قد يحاولُ استخدامَ الصراعِ مع إسرائيل كوسيلةٍ لإيصالِ مرشّحه المُفضّل، سليمان فرنجية، إلى قصر بعبدا. وهذا سيأتي على حساب جبران باسيل، صهر عون والذي يُفَضِّله لخلافته.

لكن بعيدًا من المشاكل السياسية، كان عون يُشيرُ إلى نقطةٍ أكبر. لقد اختطف “حزب الله” فعليًا حقّ الدولة في إعلان الحرب، ودفع لبنان إلى صراعٍ محفوفٍ بالمخاطر مع إسرائيل والذي قد يؤدّي، إذا ساءت الأمور، إلى تدمير البلاد. علاوةً على ذلك، أدلى عون بتصريحاته في وقتٍ تتردّدُ أطرافٌ كثيرة في انتقاد “حزب الله” في خضم المعركة التي يخوضها في جنوب لبنان.

ولا بدَّ أنَّ منتقدي الرئيس السابق قد لاحظوا أنه فشل في توجيهِ انتقاداتٍ مُماثلة في العام 2006، عندما قام “حزب الله” أيضًا بإدخال لبنان من جانب واحد في حربٍ مع إسرائيل. والسبب هو أنه كانَ عَقَدَ للتوِّ تحالفًا سياسيًا مع الحزب في ذلك الوقت (اتفاق مار مخايل)، وهو التحالف الذي كان يأمل أن يوصله إلى الرئاسة. كما إنَّ عون لم يُدِن “حزب الله” بعد أن أصبح رئيسًا، لأنه كان بحاجة إلى دعمه خلال فترة ولايته.

لكن هذا لا ينبغي أن يَنتَقِصَ من فحوى كلامه، وعلى “حزب الله” أن يُفَكّرَ في تداعياته. غالبية اللبنانيين، بما في ذلك العديد من أفراد الطائفة الشيعية، لا تريد حربًا مع إسرائيل. لقد عانى لبنان كثيرًا من الوجود الفلسطيني المُسَلَّح في الماضي، ورُغمَ أنَّ الكثيرين من اللبنانيين يتعاطفون مع أهل غزة، فإنهم لا يريدون أن يروا بلدهم يدفع ثمن هذا التضامن مرة أخرى.

في الوقت نفسه، أثارَ تقدّم الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل تساؤلاتٍ حول نهج “وحدة الساحات” من قبل حلفاء إيران. بعد هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، بذلَ الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، قصارى جهده لشَرحِ السبب وراء عدم استخدام حزبه لأسلحته الثقيلة ضد إسرائيل لتخفيف الضغط على “حماس”. وبدلًا من ذلك، فتح “حزب الله” جبهةً محدودة على طول الحدود، مُستَخدِمًا، حتى الآن، أسلحةً ذات عيارٍ أصغر.

ورُغمَ أنَّ التصعيدَ الكبير لم يكن قط جانبًا صريحًا من استراتيجية “وحدة الساحات” ــكانت النقطة القوية في هذه الاستراتيجية تتلخّص في الغموض الذي يحيط بكيفية تطبيقهاــ فمن الواضح أنَّ “حماس” كانت تتوقّعُ المَزيدَ من “حزب الله”. في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، صرّحَ خالد مشعل، الزعيم السابق لحركة “حماس”، أنه “عندما تُرتَكَبُ مثل هذه الجريمة البشعة ضد غزة، فمن المؤكّد أنَّ هناكَ حاجةً إلى أشياءٍ أعظم”، وهو ما يعني ضمنًا من “حزب الله”.

اضطرَّ نصر الله، في أوّلِ خطابٍ له بعد هجوم “حماس”، إلى توضيحِ موقف “حزب ا”لله بشكلٍ غير مُريح. قالَ إنَّ “حزب الله” سيدعم “حماس”، لكن الجبهة اللبنانية هي “جبهة دعم” لغزة. وقال أيضًا إنَّ أحدَ العوامل التي تُحَدِّدُ رَدَّ فعلِ حزبه هو الواقع في لبنان، والذي يعني أنَّ انهيارَ البلدِ الاقتصادي يجعله غير قادرٍ على الصمودِ في وجه أيِّ أعمالٍ عدائية كبرى مع إسرائيل.

وما جَعَلَ كلام نصر الله مُحرِجًا هو أنَّ الأعداء في زمن الحرب لا يحبّون توضيحَ مواقفهم لأنها قد تكشف نقاط ضعفهم. وبالفعل، منذ أن أكّدَ “حزب الله” أنه يسعى إلى تجنّبِ حربٍ شاملة، استغلَّ الإسرائيليون ذلك لقتل بعض قادة الحزب، وحتى اغتيال أحد كبار قادة “حماس”، صالح العاروري، في قلب معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت.

في ضوء ذلك، وبعد تصريحات عون، يَجِدُ “حزب الله” نفسه في وَضعٍ غامض وغير مؤكّد. لقد أشار الرئيس اللبناني السابق إلى أنَّ الحزبَ لا يتمتَّع بإجماعٍ حول تحالفاته وتصرّفاته الإقليمية، في حين أظهرت جهوده لاحتواءِ العُنفِ مع إسرائيل أنَّ استراتيجية “وحدة الساحات” لها حدود واضحة للغاية بسبب نقاط الضعف في لبنان. ولا يمكن لأيِّ حقيقة منهما أن تُطمئن “حزب الله” في المستقبل.

وهذا لا يعني أنَّ “حزب الله” سيخرج ضعيفًا من الصراع في الجنوب. قد ينجحُ في الحصول على تأييد إقليمي ودولي لفرنجية في أيِّ صفقةٍ ما بعد الحرب. مع ذلك، فإنَّ إيران، أكثر من “حزب الله”، هي التي خرجت من أزمة غزّة وهي تبدو أقوى، بسبب قدرة حلفائها على فتح جبهاتٍ عدة في وقتٍ واحد. وفي المقابل، فإنَّ “حزب الله”، رُغمَ كل نقاط قوّته، يُبحِرُ عبر حقل ألغام من عدم اليقين.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى