المُهِمّةُ الصَعبَة للتوافُقِ على انتخابِ رئيسٍ للجمهورِيَّةِ في لبنان

مايكل يونغ*

إتفاقُ الطائف في العام 1989، الذي أدّى إلى تغييراتٍ دستوريّةٍ جوهريّة في لبنان، قَلّصَ صلاحيات رئيس البلاد. ومع ذلك فإن هذا المنصبَ ما زال مُهِمًّا وأساسيًّا.

طبقًا للدستور، يُوصَفُ رئيس الجمهورية، الذي هو دائمًا حسب الميثاق الوطني مسيحي ماروني، بأنه “رأس الدولة ورمز وحدة الأمة”، وهدفه الأساسي هو “الحفاظ على الدستور واستقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه”.

في حين أن هناك الكثيرَ في هذه الصياغة مَفتوحٌ للتفسير، إلّا أن هناك أيضًا وضوحًا مُنعِشًا في ذلك يتمثّل في أن رئيس الجمهورية لديه مسؤوليات يُمكن أو ينبغي أن تُوافِقُ عليها جميع الطوائف والفصائل اللبنانية. كنتُ أعتقد ذلك، على الأقل.

لكن في الأيام العشرة الأخيرة، سعى العديد من ممثلي الطوائف، ولا سيما الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، وثلاثة رؤساء حكومات سابقين، إلى تحديد نوع الرئيس الذي يعتبرونه مثاليًا. لبنان في خضم فراغ رئاسي، بعد انتهاء ولاية ميشال عون، والقوى السياسية العديدة في البلاد لم تتفق بعد على خليفة.

في حين أن المبادئ التوجيهية المُفَضَّلة التي تمّ الإعلان عنها لا تتعارض بالضرورة مع الدستور، إلّا أنها تكشف أن على الجميع تحديد دور الرئاسة، في بعض الأحيان بما يتجاوز ما يفرضه الدستور. إذا كان هناك أيُّ شيءٍ يُوَضِّحُ مدى ابتعاد القوى السياسية اللبنانية عن الوثيقة الدستورية التي يجب أن تعكس توافقًا وطنيًا، فهي الطريقة الانقسامية التي تستمر في فرض الشروط على بنودها الأساسية.

في خطابٍ ألقاه في 11 تشرين الثاني (نوفمبر)، أعلن نصر الله أن “حزب الله” يُريدُ رئيسًا “يُطَمئِنُ” المقاومة. لا بدّ أن يكون شخصًا “لا يُباع ولا يُشتَرى … لا يطعن المقاومة في ظهرها ولا يتآمر عليها ولا يبيعها”. يريد “حزب الله” رئيسًا “شجاعًا” ولن يرتعد إذا “صرخت في وجهه” السفارة الأميركية أو وزارة الخارجية أو القيادة المركزية الأميركيتان.

كانت تعليقات نصر الله جُزءًا من عملية أكثر تعقيدًا لتعزيز حظوظ المرشح المفضل لديه –بكل المقاييس سليمان فرنجية– في الوقت الذي يسعى حليفه المسيحي الرئيس، جبران باسيل، إلى الحصول على تأييد “حزب الله” لترشيحه. لكنها أيضًا أكثر من ذلك. ما فعله نصر الله بشكلٍ فعّال هو فرض مرشح شبه دستوري على جميع الرؤساء المُحتَمَلين، ما يُغيِّرُ بشكلٍ فعّال معنى الدستور.

لم يتصرّف حزب “القوات اللبنانية”، الخصم الرئيس ل”حزب الله”، بشكلٍ مُختلف. قبل أسابيع أعلن زعيم الحزب سمير جعجع أنه سيدعم “رئيس مواجهة”، الذي يعارض “كل مَن دمَّر حياة اللبنانيين”. ومع ذلك، أوضح جعجع مرات عدة منذ ذلك الحين أن الهدف الرئيس لـ “المواجهة” هو “حزب الله” وحلفاؤه.

من خلال التأكيد على مقاربتهما المُتناقضة، لم يُعِر كلٌّ من نصر الله وجعجع اهتمامًا كبيرًا للدور المركزي لرئيس الجمهورية باعتباره “رمزًا لوحدة الأمة”، ولن يساعدَ أيٌّ من مشروعيهما على الوحدة، على الرغم من اعتقادهما عكس ذلك. بالنسبة إلى معظم اللبنانيين، إن مشروع المقاومة الخاص ب”حزب الله” ليس أكثر من مُجرّد واجهة لضمان استمرار السيطرة الإيرانية على البلاد، أما بالنسبة إلى جعجع، فإن غالبية اللبنانيين تعتبر أن طموحه قد يضع لبنان على طريق حربٍ أهلية.

في أعقاب خطاب نصر الله، التقى ثلاثة رؤساء حكومات الحالي وسابقَين، الذين يجتمعون بشكل متكرر لتنسيق مواقفهم، في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) في منزل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وحدّدوا رؤيتهم ومواصفاتهم للرئيس المقبل حيث أعربوا عن دعمهم لرئيسٍ “قوي بحكمته يحظى بدعم وثقة جميع اللبنانيين وليس مجموعة واحدة مُحدَّدة”. وتابعوا قائلين إن على الرئيس “احترام الدستور واتفاق الطائف وقرارات مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية”.

جميع رؤساء الوزراء هم من الطائفة السنية، وجهودهم للدفاع عن اتفاق الطائف الذي ترعاه السعودية وقرارات مجلس الأمن والجامعة العربية كان ردًا واضحًا على خطاب نصر الله، على الرغم من نفي أحد المشاركين الثلاثة، فؤاد السنيورة. لطالما كان التأكيد على هوية لبنان العربية حجر الزاوية في المجتمع السنّي، في وقت سعى “حزب الله” إلى الحد من علاقات لبنان مع دول الخليج على وجه الخصوص.

بالنظر إلى هذه التصوّرات المختلفة جدًا لما يجب أن يكون عليه رئيس الجمهورية، فليس من المُستغرَب أن ينقسمَ رؤساء ما بعد الحرب الأهلية إلى فئتين: إمّا إنهم كانوا أشخاصًا اضطرّوا لإرضاء جميع الفاعلين السياسيين الرئيسيين، ما تركهم بلا حرية عمل تقريبًا لتنفيذ أجندتهم ومشاريعهم الخاصة؛ أو سعوا إلى إرضاء “حزب الله” (وسوريا سابقًاً) ضد شريحة كبيرة من اللبنانيين المُعادين، ما أدّى إلى تقسيمِ البلاد أكثر.

الحقيقة البسيطة هي أن لبنان مُنقَسِمٌ إلى حدٍّ كبيرٍ حول الجوانب الأساسية لعقده الاجتماعي، بحيثُ لا يُمكِنُ أن يكونَ رئيس الدولة فيه، أيًّا كان أو كانت، فعّالًا كقائد. وهو ما يجعل المرء يتساءل لماذا يرغب الكثير من الموارنة في تدمير البلد فعليًا للحصول على المنصب. ولكن بشكل أعمق، يجب على الدولة العادية التي لا يمكنها الاتفاق على دور الرئيس أن تسعى إلى الانسجام حول عقد اجتماعي جديد، ثم تعديل دستورها وفقًا لذلك.

ومع ذلك، فإن لبنان اليوم ليس دولة طبيعية ولا يبدو أن هناك إجماعًا وطنيًا جديدًا ممكنًا عن بُعد ومن دون حوار مباشر. لهذا السبب أصبحت رئاسة الجمهورية، التي يتطلع إليها الكثير من اللبنانيين، من أعراض أمراض البلد أكثر بكثير من كونها مؤسسة يمكن أن تساعد في حلّها ومعالجتها.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى