“حزب الله” يقفُ حجرَ عثرة في طريق صفقة جديدة للبنان

بقلم أسامة الشريف*

يشهد لبنان حالةً من الإضطراب بعد الإنفجار المُروع الذي وقع في الرابع من آب (أغسطس) في مرفأ بيروت، والذي دمّر أجزاءً كبيرة من العاصمة وخلّف أكثر من 170 قتيلاً وآلاف الجرحى. ويأتي الدمار بعد شهور من المِحن والمُعاناة السياسية والإقتصادية التي جعلت لبنان يركع على ركبتيه. مع انفجار الأسبوع الفائت، تعرّضت الدولة اللبنانية لضربة قاتلة، وبدون مساعدة خارجية، فإن بقاءها سيكون موضعَ شكٍّ كبير.

الإهمال هو على الأرجح سبّب الانفجار، لكن بدون تحقيق شفّاف ومُستقل لن يكون الشعب اللبناني راضياً ومُقتنعاً. أصبحت الكارثة الأخيرة رمزاً لعقود من الفساد الرسمي الذي يُغذّيه نظام سياسي فاشل. لا عجب أن تفجّرت احتجاجات مُجدّدة الدعوات لإقالة النخبة الحاكمة. واضطرت حكومة حسان دياب المدعومة من “حزب الله” إلى الإستقالة يوم الاثنين الفائت. على الأرجح بسبب ضغط خارجي (والإحتجاجات). ماذا سيحدث بعد ذلك بالنسبة إلى إيجاد بديل مناسب من دياب؛ بيروقراطي سني كفؤ، مُتمكّن، نزيه وغير فاسد أو متأثر باللاعبين المحليين، سيُحدّد مستقبل البلاد.

المُساعدة الخارجية مشروطة، وسيقع عبء تغيير الوضع السياسي الراهن الذي حاصر البلاد لأكثر من ثلاثة عقود على عاتق النخبة الحاكمة. ومن المفارقات أن هذه الطبقة الحاكمة هي المشكلة والحل في آن واحد لمصيبة لبنان. لن يكون الطريق نحو إنهاء صفقة تقاسم السلطة الطائفية سهلاً. يحتكر “حزب الله” الديناميات السياسية في لبنان. على مر السنين أصبح دولة داخل دولة. رفض نزع سلاح ميليشياته أو دمجها في الجيش الوطني، مع إملاء أجندة مؤيدة لإيران محلياً وخارجياً. الواقع أن “حزب الله” أصبح عبئاً على لبنان، والبلد يدفع ثمن سياساته.

لكن هذا لا يعني أن اللاعبين السياسيين الطائفيين الآخرين لا يُلامون. لسنوات، حافظ أمراء الحرب السابقون على نظام فاسد لتقاسم السلطة استفادت منه قلّة على حساب الملايين. السؤال الآن هل يمكن للبنان أن يعيش؟ المطلب الفوري هو المساءلة، وهذا لن يحدث بدون تحقيق مُستقل وشفاف. يحتاج لبنان إلى مساعدة دولية، لكن ذلك مرتبط بإصلاحات سياسية واقتصادية رئيسة. مع رحيل الحكومة الحالية، يبدو الآن أن معركة دستورية ستنشب من أجل تمرير قانون انتخاب جديد، مع أو بدون الهيئة التشريعية الحالية. الغالبية العظمى من اللبنانيين يريدون انتخابات تشريعية مُبكرة بموجب قانون انتخاب غير طائفي. هدفٌ تشترك فيه الآن كل من فرنسا والولايات المتحدة. سيكون هذا بمثابة تغيير كبير للعبة في لبنان ومن شبه المؤكد أن الطبقة السياسية الحاكمة ستبذل قصارى جهدها لمقاومته.

المهمة الآن هي إقناع “حزب الله” بقبول شروط الهيكل السياسي الجديد، الذي يجب أن يُنهي هيمنته على الزمام السياسي للبلاد. سيؤدي الفشل في التوصل إلى اتفاق جديد إلى فتح الأبواب لسيناريوهات خطيرة، بما في ذلك احتمال انقلاب عسكري (بدعم أجنبي) أو حرب أهلية أو تقسيم فعلي.

سيُقاوم “حزب الله” التغييرات في الوضع السياسي الراهن، لكن خياراته محدودة. وهي تواجه الآن قراراً وجودياً: إما أن يقبل شروطاً أجنبية صارمة للمساعدة الدولية التي تمس الحاجة إليها، أو يُخاطر بمواجهة مسؤولية دفع البلاد إلى حافة الهاوية. لن يكون هناك تكرارٌ لما حدث في 7 أيار (مايو) 2008 عندما أرسل “حزب الله” وحلفاؤه مقاتلين لاحتلال أجزاء رئيسة من بيروت بعد أن حاولت الحكومة تقويض سيطرة الحزب على المطار وقطاع الاتصالات. من المرجح أن يؤدي أي عقد سياسي/اجتماعي جديد إلى نهاية تحالف “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذي شلّ لبنان لسنوات في عهد الرئيس ميشال عون.

تمثل استقالة حكومة دياب فرصة وتحدياً للبنان. المأزق الحالي لا يمكن تحمّله، وسيتعين على النخبة السياسية تقديم تنازلات رئيسة لإنقاذ ما تبقى من البلاد.

ستُحدِّد الأسابيع المقبلة ما إذا كانت الطبقة الحاكمة في لبنان لديها الإرادة لتبنّي عقدٍ سياسي/اجتماعي جديد يحل محل البنية التحتية الطائفية التي أدت إلى هذه اللحظة المظلمة في تاريخ البلاد. لقد دفع انفجار الأسبوع الفائت إلى مسار لا يمكن أن يُنقذَ البلاد فيه إلّا الإجماع بين النخبة الحاكمة. المجتمع الدولي سيقدم المساعدة الآن لكنه سيطالب بالتوصل إلى اتفاق جديد بين اللبنانيين.

أجندة “حزب الله”، باعترافه، وَضَعت مصالح إيران فوق مصالح لبنان. هذه هي الحقيقة المُحزنة التي تواجهها البلاد اليوم. ولكن حان وقت الحساب وعلى الحزب أن يختار بعناية. لا يسعه إلّا أن يدعم صفقة جديدة ترسم مساراً جديداً للبنان بعيداً من المصالح الطائفية الضيّقة. عدم القيام بذلك سيؤدي إلى الفوضى والفتنة الأهلية. لبنان اليوم على مفترق طرق حاسم!

  • أسامة الشريف هو صحافي ومعلق سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته على تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى