مياهٌ هائجة تُواجِهُ السعودية في البَحرِ الأحمر

إليونورا أرديماني*

في الأعوام الأخيرة، أصبح أمنُ البحر الأحمر ركيزةً أساسية من ركائز السياسات الداخلية والخارجية للمملكة العربية السعودية. فقد عمدت المملكة، مدفوعةً بطموحاتها الجيوستراتيجية وخططها الهادفة إلى تنويع اقتصادها النفطي، إلى تعزيز علاقاتها الأمنية في المنطقة من خلال بناء تحالفات مع إسرائيل والبلدان الأفريقية الساحلية، ونزع فتيل التصعيد في النزاعات مع إيران والحوثيين المدعومين منها في اليمن. وقد بذَلَت جهودًا لتحديث قواتها البحرية، ولا سيما الأسطول الغربي الذي ينتشر في البحر الأحمر، ولتوطيد التعاون البحري مع مصر. وكانت الرياض في واجهة المبادرات المتعددة الأطراف مثل مجلس الدول المطلّة على البحر الأحمر بقيادة السعودية، وفرق العمل التي تقودها الولايات المتحدة وتنتشر في البحر الأحمر لمكافحة التهريب وتدريب القوات البحرية المحلية.

يُعَدُّ الاستقرارُ في منطقة البحر الأحمر أمرًا بالغ الأهمية لعدد كبير من مشاريع “رؤية 2030” بما في ذلك المنطقة الحضرية الجديدة “نيوم” شمال غرب منطقة تبوك، والتي تشمل مدينة مرفئية عائمة على ساحل البحر الأحمر ووجهات جُزرية فخمة، بالإضافة إلى المشروع الإنمائي السياحي المسمى “البحر الأحمر الدولي”. وتكتسي محطة ينبع أهمية بالغة للاقتصاد النفطي التقليدي في السعودية بوصفها بديلًا من مضيق هرمز: في العام 2018، زادت المملكة قدرتها التصديرية بمقدار 3 ملايين برميل في اليوم انطلاقًا من ساحلها الغربي.

وسط هذه الخلفية، أحدثت الحرب الإسرائيلية في غزة والحرب الدائرة في السودان تحوّلًا في التوازن الأمني في البحر الأحمر، ما طرح تحدّيات جديدة أمام السعودية. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، شنّت الميليشيات الحوثية العديد من الهجمات الجوية ضد إسرائيل، وبدرجة أقل، ضد أهداف أميركية في المنطقة. واستهدفَ الحوثيون أيضًا، من خلال سيطرتهم على الحُديدة، وهو الميناء اليمني الرئيس على البحر الأحمر، سفنًا على صلة بإسرائيل في جنوب البحر الأحمر. في مطلع العام 2023، باشرت السعودية محادثات مباشرة مع الحوثيين للتوصّلِ إلى وقفٍ لإطلاق النار في اليمن. ولكن الحرب في غزة أحيت من جديد الطموحات العسكرية للحوثيين، فازدادت وتيرة القتال في وسط اليمن وعلى طول الحدود مع المملكة، ومثالٌ على ذلك ما حدث في منطقة جازان السعودية.

قد تُشكّلُ الهجمات الحوثية تهديدًا لجزيرتَي تيران وصنافير الصغيرتين اللتين تقعان عند مدخل خليج العقبة وتتبعان حاليًا للأراضي السعودية. في العام 2016، تنازلت مصر عن الجزيرتَين للرياض في خطوة تطلّبت الحصول على موافقة إسرائيل في العام 2022 لأنَّ الجزيرتَين كانتا جُزءًا من اتفاقية كامب ديفيد التي أُبرِمت بين القاهرة وتل أبيب في العام 1979. وقد سعت السعودية إلى السيطرة على جزيرتَي تيران وصنافير لتعزيز نفوذها العسكري، لا سيما في خليج العقبة الذي يُعَدّ بمثابة بوّابة تجارية للأردن وإسرائيل، فضلًا عن إمكانية تطوير المرافق المرفئية والعسكرية. ولكن نظرًا إلى قرب الجزيرتَين السعوديتين من مدينة إيلات المرفئية الإسرائيلية التي تتعرّض تكرارًا للاستهداف من الحوثيين وحركة “حماس”، قد تصبح الجزيرتان عالقتَين في خضم النزاع.

كذلك شكّلت الحرب في السودان تهديدًا للأهداف الأمنية السعودية في البحر الأحمر. منذ اندلاع القتال في العام 2023، خاضت الرياض جهود وساطة بالاشتراك مع الولايات المتحدة. ولكن في أيلول (سبتمبر)، شهد ميناء بورتسودان أعمال عنف غير مسبوقة في حرب شوارع بين الجيش السوداني المدعوم من السعودية وإحدى الميليشيات القبلية المحلية. وعلى الرُغمِ من أنَّ الحركة في الميناء لم تتعطّل حتى الآن، من الممكن أن يؤدّي ذلك إلى تأجيج الصراعات للسيطرة على هذا الطريق التجاري الحيوي.

قد تُرحّبُ الرياض بإنهاء الأعمال العدائية في غزة والسودان، ولكن التطبيع السعودي-الإسرائيلي يظلّ القطعة المفقودة في الفسيفساء الاستراتيجية للمملكة في البحر الأحمر. فالتطبيع المعلّق في الوقت الراهن لن يؤدّي إلى تيسير التعاون الدفاعي الإسرائيلي-السعودي فحسب، بل أيضًا إلى تحسين القدرات الدفاعية للرياض من خلال التكامل مع الولايات المتحدة.

في ضوء مزيج من الأسباب الاقتصادية والأمنية، ليس السؤال المطروح هل سيحدث التطبيع السعودي-الإسرائيلي، بل متى سيحدث، والدليل على ذلك الخطط المتعلقة بمشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والتي وقّعت عليها الرياض وتل أبيب في أيلول (سبتمبر) 2023. تستند “رؤية 2030” إلى الترابط بين العوامل المختلفة، فالرياض تحتاج إلى الاستقرار الإقليمي، والأمن البحري، ومجموعة واسعة من التحالفات لتحقيق أهدافها الاقتصادية، وكلّها تواجه تحديات طالما أن البحر الأحمر لا يزال نقطة تفجّر عسكرية.

  • إليونورا أرديماني زميلة أبحاث مشاركة أولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، وهي أُستاذة مساعدة في جامعة ميلانو الكاثوليكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى