كَيفَ تَحَوَّلَت دولة الإمارات إلى نموذجٍ للاستدامة

سهيل المزروعي*

في العام 2015، توَصّلت باريس إلى الاتفاقية. في العام 2023، يجب على دبي أن تُنجِزَ العمل. في تلك السنوات الثماني، شهدنا الكثير من الأرباح والخسائر في معركة المناخ. ولكنَّ الأمرَ كلّه يعود إلى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ “كوب 28” (Cop28) (الذي انطلق اليوم الخميس في دبي) لإظهارِ مدى التقدّم الذي أحرزناه بالضبط وإلى أي مدى نحتاج إلى تحقيق هدفنا للوصول إلى حيث يجب علينا جميعًا أن نكون، للحفاظ على المناخ تحت السيطرة وضمان مستقبلٍ آمنٍ مناخيًا للأجيال المقبلة.

نحنُ واثقون من أنَّ رئاسة “كوب 28″ ستفي بوعودها ومهمّتها المُتَمثّلة في تحقيق التحوّلات النموذجية الأربعة في إطارِ جدول أعمالها. وتشمل هذه الإجراءات تسريع التحوّل العادل والمُنصِف والمُنَظَّم للطاقة وخفض الانبعاثات قبل العام 2030؛ تحويل تمويل المناخ من خلال الوفاء بالوعود القديمة ووضع الإطار لاتفاقٍ جديد بشأن التمويل؛ وضع الطبيعة والناس والحياة وسُبُل العيش في قلب العمل المناخي؛ والتعبئة من أجل مؤتمرِ أطرافٍ شامل.

باعتبارها عضوًا مسؤولًا في المجتمع الدولي، و”بطلة” الإستدامة ومُناصِرة للمناخ، خطت دولة الإمارات العربية المتحدة خطواتٍ واثقة في جميع المجالات الأربعة. بدأت رحلتنا نحو أن نصبح نموذجًا يُحتذى به في مجال الاستدامة خلال الأيام الأولى للاتحاد. حصل الأب المؤسس لدولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على لقب “رجل البيئة” بسبب حبه العميق للطبيعة والتزامه الثابت بحمايتها.

قال الشيخ زايد ذات يوم وهو يرسم طريق بلادنا: “إننا نُولي أقصى درجات العناية والاهتمام لبيئتنا، فهي جُزءٌ لا يتجزَّأ من الوطن وتاريخنا وتراثنا”.

وحتى يومنا هذا، تواصل قيادتنا الحكيمة اتّباع خطواته، وتتبنّى القضايا نفسها التي دافع عنها، وتسعى إلى تحقيق تنمية شاملة وعملية في الداخل والخارج.

قمنا في تموز (يوليو) بتحديث استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 بأهدافٍ أعلى وأكثر طموحًا. ويشمل ذلك مضاعفة قدراتنا في مجال الطاقة المُتجَدّدة ثلاث مرات بحلول العام 2030، استجابةً للطلب الذي تقدّمت به رئاسة مؤتمر الأطراف “كوب 28″، وزيادة حصة قدرة الطاقة النظيفة المُرَكَّبة إلى 30 في المئة بحلول العام 2030، وتقليل استهلاك الطاقة من خلال تحسين الكفاءة بنسبة تصل إلى 45 في المئة بحلول العام 2050. ولتحقيق هذه الأهداف، سنقومُ بتوجيهِ استثماراتٍ تصلُ إلى 200 مليار درهم (54.5 مليار دولار) في المشاريع التي تدفع العمل المناخي وتُعزّز أمن الطاقة.

كما أطلقت الإمارات الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين التي تدعو إلى إنتاج 1.4 مليون طن من الهيدروجين مُنخَفِضِ الكربون سنويًا بحلول العام 2031، وزيادة الإنتاج إلى 15 مليون طن بحلول العام 2050، وإنشاء واحَتَين للهيدروجين بحلول العام 2031 وزيادة عددهما إلى خمسٍ بحلول العام 2050.

تَدعَمُ كلتا الاستراتيجيتَين المجالات ذات الأولوية لـ “كوب 28” المُتعَلّقة بتحوّلِ الطاقة. نحن نرى تحوّل الطاقة ليس فقط كالتزامٍ بيئي، بل كفُرصةٍ اقتصادية أيضًا. لقد أثبتت دولة الإمارات أنَّ تنويعَ اقتصادها ومصادر الطاقة كان بمثابة فُرصَةٍ وليس تحدّيًا.

دعونا نلقي نظرة على شركة “مصدر”. تأسّست في العام 2006 بهدفٍ واضحٍ يتمثّل في ترسيخ مكانة دولة الإمارات كمُنتِجٍ ومُستثمرٍ عالمي رئيس للطاقة المُتجدّدة. واليوم، تُعَدُ مدينة مصدر واحدة من أكبر محطات الطاقة المتجدّدة في العالم ولاعبًا رئيسًا في مجال الهيدروجين الأخضر، ما يضع دولة الإمارات في طليعة تحوّل الطاقة. وتنشط “مصدر” في أكثر من 40 دولة، وتبلغ قدرتها الإجمالية لتوليد الكهرباء أكثر من 20 جيغاواط. ولديها خططُ نموٍّ للوصول إلى 100 جيغاواط ومليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول العام 2030.

وتمكّنا أيضًا من خفض تكلفة توليد الطاقة الشمسية. على الصعيد العالمي، انخفض سعر الطاقة الشمسية من حوالي 17 سنتًا/ كيلوواط/ساعة في العام 2013 إلى أقل من 4.5 سنتات/ كيلوواط/ساعة في العام 2023. وقد أدى هذا الانخفاض في تكلفة الطاقة الشمسية العالمية ووفرة الموارد والحوافز التجارية المواتية أخيرًا إلى حصول دولة الإمارات على واحدة من أقل تعريفات الطاقة الشمسية في العالم، حيث تبلغ 1.35 سنتًا لكل كيلوواط في الساعة.

تسير جهودنا للاستثمار في مصادر الطاقة المتجدّدة جنبًا إلى جنب مع عملنا لتخضيرِ قطاع النفط والغاز. وبما أننا نمرُّ بمرحلةٍ انتقالية، سيظلُّ الطلبُ على النفط والغاز مطلوبًا خلال العقود القليلة المقبلة، لذلك نحنُ نبذل قصارى جهدنا لإزالة الكربون من القطاع وإنتاج أنظف برميل في العالم.

لقد كان قطاعُ النفط والغاز لدينا في الطليعة العالمية في تبنّي مُمارساتِ الصناعة الصديقة للبيئة. على سبيل المثال، تُعَدُّ شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) رائدة في تبنّي مُمارساتٍ مُستدامة ولديها خطة قوية لإزالة الكربون لتحقيق التزامها بخفض انبعاثات غاز الميثان إلى الصفر بحلول العام 2045. وهي أول شركة من بين نظيراتها تقوم بذلك وتتبنّى مثل هذا الالتزام، ما يُعزّزُ مكانتها كمُزَوّدٍ مسؤول للطاقة.

منذ كانون الثاني (يناير) 2022، قامت “أدنوك” بتزويد شبكتها بالكامل بالطاقة من مصادر نووية وشمسية. كما إنها كانت من أوائل الدول التي ساهمت في التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه. وقد قامت بتشغيل أول منشأة لالتقاط وتخزين الكربون على نطاق تجاري في المنطقة، بقدرةٍ على التقاط 800 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون سنويًا، في “الريادة” منذ العام 2016. وتخطط الشركة لتوسيع أنشطة إلتقاط ثاني أوكسيد الكربون واستخدامه وتخزينه لالتقاط 10 ملايين طن من ثاني أوكسيد الكربون سنويًا بحلول العام 2030.

وبعد اعتماد سياسة عدم حَرقِ الغاز في العمليات الروتينية، أصبحت شركات النفط والغاز لدينا رائدة إقليميًا في تصميم وتشغيل تجنّب حرق الغاز. فهي تستفيد من أحدث التقنيات لرصد وتقليل الانبعاثات الهاربة عبر سلسلة القيمة، وتستمرُّ في البناء على هذه الإنجازات.

إن قصة دولة الإمارات العربية المتحدة وكيف أصبحت نموذجًا للاستدامة تستحق أن تُروى. في مؤتمر الأطراف “كوب 28″، نهدفُ إلى مشاركة تجاربنا مع العالم. أعتقد حقًا أن هناك الكثير الذي يمكننا أن نتعلّمه من بعضنا البعض. هذا الكوكب هو وطننا. عندما يقوم كل واحد منا بدوره، يمكننا أن نحافظ على منزلنا جميلًا وأخضرَ ونظيفًا.

  • سهيل المزروعي هو وزير الطاقة والبنية التحتية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى