2023 عامُ الوقت والبشر والذكاء الفطري

البروفسور بيار الخوري*

العام 2023 كانَ عامَ الذكاء الاصطناعي بعدَ تطويرِ ونَشرِ نماذج هذا الذكاء التوليدية القوية، مثل ” GPT-4″، و”DALL-E 2″، و”ChatGPT”، التي يُمكنها إنشاء نصوص وصور وموسيقى واقعية ومتماسكة، مع تطبيقاتٍ مُتنوِّعة عبر الصناعات.

كما تميَّزَ العام بظهورِ معايير جديدة وأكثر شمولًا، مثل ” BIG-bench” و”HELM”، لاختبار قدرات وقيود أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح العديدُ من المعايير التقليدية مُتقدِّمًا.

تمَّ تسريعُ التقدّم العلمي بمساعدة هذا الذكاء، مثل التحكّم في اندماج الهيدروجين، وتحسين معالجة المصفوفة، وتوليد أجسام مضادة جديدة.

كذلك انطلقت ورشة تطوير المعايير الأخلاقية والاجتماعية للذكاء الاصطناعي، مثل التعامل مع احتمالية التحيّز والمعلومات الخاطئة والتلاعب، فضلًا عن الحاجة إلى التنظيم والشفافية والمُساءلة.

كلُّ ذلك ليس سوى بعض فتوحات الذكاء الاصطناعي التي طبعت العام 2023، فالأبعادُ المُحتَملة على تطوّرِ العلوم وأنماطِ الحياة والموت بينهما قد تكون لا نهائية.

لكنَّ العامَ ذاته قد شكّلَ تحدِّيًا غير مُتَوَقَّعٍ من الذكاء الفطري للذكاء الاصطناعي عبر عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الفائت.

إستَخدَمَت حركة “حماس” والمقاومة الفلسطينية تكتيكاتٍ مُبتَكَرة لاختراقِ الدفاعات الإسرائيلية، بعضها شديد البداهة بما سمح للحركة الوصول إلى عمق الأراضي المحتلة. وقد أدّت هذه العملية إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة لإسرائيل، وانهيار استراتيجيتها في التعامل مع غزة. ويُمكِنُ اعتبارُ هذه العملية تحدّيًا لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تعتمد عليها إسرائيل في مجالاتٍ مثل الاستطلاع والمُراقبة والتشويش والتدمير.

يُمكِنُ قياسُ هذا التحدّي بمقاييس مختلفة، مثل عدد الصواريخ والطائرات المُسَيَّرة والمقاتلين الذين تمكنوا من التغلب على النُظُمِ الإسرائيلية، أو مدى الاضطراب والارتباك اللذين أصابا القيادة والجيش الإسرائيليين، أو مدى التأثير على المجتمع والرأي العام الإسرائيليين.

العبرة الأساسية في الفارق بين الذكاءَين تبقى في معيار التوليف الأمثل للموارد وخوصًا مَورِدَي الوقت والبشر.

في حين سعت إسرائيل لتوفير الكثير من الوقت والجهد البشري لإطباق الحصار اللاعقلاني على غزة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، تركت شعبًا مُحاصَرًا أعطاه الحصار بالضبط فائضًا من هذين المَورِدَين: البشر والوقت.

التكنولوجيا تُعَظّمُ مفاعيل القوانين، ولكن القوانين الطبيعية لا يُمكِنُ كسرها: التوزيع الامثل للموارد يَتَّكِلُ على حجمها وكيفية استخدامها: ألِف باء التطوّر البشري.

إسرائيل خلقت فئةً شابة بلا عمل ولا أمل تملأ غزة، وأوجدت لهذه الفئة من هذا اللاعمل المورد الذي لا يُعَوَّض: الوقت!

يستمرُّ استعصاءُ غزة بسبب قوة هذين للعاملَين اللذين لا حلَّ لإسرائيل معهما بالتكنولوجيا وأرقى مُنتَجات الذكاء الاصطناعي.

لذلك قفزت إسرائيل إلى مشروع تهجير غزة الجماعي لتقتل المورد البشري وتقتل ضمنًا وقته المُتاح لتطويرِ وسائل مواجهتها بكل تلك البداهة الذكية.

الوقتُ سيفٌ قَطَعَ إسرائيل في غلاف غزة في اللحظة التي ظنّت أنّها قادرة على السيطرة على توقيت الشعب الفلسطيني. تلك هي قوانين التاريخ غير الخاضعة للتلاعب.

  • البروفسور بيار الخوري هو باحثٌ أكاديمي لبناني وكاتب في الاقتصاد السياسي. وهو حاليًا عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا. يمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني التالي: info@pierrekhoury.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى