الإمارات تختبر خطوط واشنطن الحمراء بشأن روسيا

على الرغم من أن علاقة الإمارات العربية المتحدة بنظام فلاديمير بوتين سوف تتكيَّف مع تقدم الحرب في أوكرانيا، فمن المرجح أن تكون العقوبات الأميركية عاملًا مؤثّرًا.

وزيرا خارجية روسيا والإمارات سيرغي لافروف والشيخ عبد الله بن زايد: يلتقيان باستمرار لمزيد من التعاون.

جوناثان فينتون هارفي*

ما زالت الحربُ في أوكرانيا تختبرُ الولاءات العالمية للدول، وتُجسّدُ دول مجلس التعاون الخليجي هذا الاتجاه بشكلٍ كبير. وعلى وجه الخصوص، عملت الإمارات العربية المتحدة بشكلٍ استباقي لاحتضان الأعمال التجارية الروسية آملةً في تجنّبِ الضغوط من الولايات المتحدة وشركائها الغربيين.

مع ذلك، وفي ظلّ التدقيق الغربي المتزايد بشأن العلاقات مع روسيا، قد يتعيّن على أبو ظبي التكيّف. وعلى الرُغم من الروايات التي تتحدث عن انحراف الإمارات والسعودية عن الفلك الأميركي، تواصل دول الخليج الاعتراف باعتمادها على العلاقات الأمنية الأميركية.

في أيار (مايو)، أعلنت الإمارات أنها ستنسحب من التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة، وهو قوة عسكرية بحرية مكوّنة من 34 دولة تهدف إلى مكافحة الإرهاب ومكافحة القرصنة في البحر الأحمر والخليج العربي. ومع ذلك، بعد أيام فقط، أكّدت رغبتها في مواصلة العمل مع واشنطن بشأن الأمن الإقليمي. وفي الواقع، قد تكون الأنشطة والتحركات البحرية المُتَجدّدة التي قامت بها واشنطن أخيرًا في الشرق الأوسط بمثابةِ تذكيرٍ لأبوظبي بفوائد التعاون الأمني مع الولايات المتحدة.

لقد عزّزت أميركا وجودها البحري في مضيق هرمز ومياه الخليج في الأشهر الأخيرة وسط تقارير عن قيام سفنٍ إيرانية بمضايقة السفن التجارية، وأكدت واشنطن وأبو ظبي في وقتٍ لاحق شراكتهما الدفاعية. وفي أوائل آب (أغسطس)، إلتقى رئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد ومستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان في أبو ظبي، وشدّد الرجلان على “أهمية العمل المشترك لضمان السلام والاستقرار في الشرق الأوسط”. كما حضر اللقاء مسؤولون إماراتيون رفيعو المستوى.

ولتأكيدِ أهمية العلاقات الأمنية بينهما، التقى الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، هذا الشهر مع رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية الفريق الركن المهندس عيسى سيف محمد المزروعي، ثم التقى لاحقًا بملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ومسؤولين دفاعيين آخرين في المنامة.

علاوة على ذلك، ضمّت قمّة الحرب في أوكرانيا التي عقدتها المملكة العربية السعودية هذا الشهر مسؤولين من حوالي 40 دولة، بمَن فيهم مسؤولون أميركيون والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مع استبعاد روسيا. وفي حين أنَّ القمة لم تُقدِّم أيّ حلول ملموسة لأوكرانيا، إلّا أنها أكدت على أهمية علاقات الرياض والخليج مع الولايات المتحدة. كما سلطت الضوء على رغبة بعض دول الخليج في ممارسة دور ديبلوماسي في إنهاء الصراع، ما قد يساعد على تحويل التدقيق في جهودها لمساعدة روسيا على التهرّب من العقوبات.

منذ بداية الصراع الأوكراني، أصبحت دولة الإمارات مركزًا مهمًا للتجارة الروسية. وبعيدًا من مجرد العمل كقناةٍ للذهب الروسي، فقد اشترت الإمارات والسعودية النفط الروسي الرخيص بأسعارٍ مُخَفَّضة، بينما باعتا في الوقت نفسه نفطهما بالقيمة السوقية. وباعتبارها مركزًا تجاريًا رئيسًا، فقد تمكنت أبو ظبي من بيع النفط الروسي إلى المشترين الراغبين على مستوى العالم.

وفي خطوةٍ أثارت الدهشة، شاركت الإمارات أيضًا في تسهيل نقل الطائرات الإيرانية المُسيَّرة إلى موسكو، ما ساعد بشكلٍ غير مباشر الجهود العسكرية الروسية. علاوة على ذلك، تسلط الضوء على علاقتهما المتنوعة بشكلٍ أكبر من خلال رؤية يخوت القلّة الروسية في دبي والازدهار في قطاع العقارات في البلاد، مدفوعًا جُزئيًا برجال الأعمال الروس، الذين انتقلوا إلى الإمارات لتجنّب العقوبات الغربية ومواصلة عملياتهم العالمية.

وبصرف النظر عن التمتع بطفرةٍ في الأعمال التجارية، فقد شهدت أبو ظبي منذ فترة طويلة فوائد في مواءمة نفسها مع سياسات موسكو الحازمة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وخصوصًا في ليبيا وسوريا. وقد تابعت أبو ظبي علاقاتها مع موسكو بشكل أكثر استباقية من الرياض. بشكلٍ عام، تسعى دولة الإمارات إلى التصرّف بشكلٍ مستقل، وغالبًا ما تجد نفسها على خلافٍ مع القيود التي تفرضها الولايات المتحدة، مثل محاولات قمع الدول التي تتعامل مع نظام بشار الأسد في سوريا.

مع ذلك، وسط العقوبات الغربية المُنَسَّقة على روسيا، لم تكن واشنطن غافلة عن مناورات أبوظبي. تم تسليط الضوء على المخاطر عندما أضافت مجموعة العمل المالي، وهي هيئة مراقبة عالمية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، أبو ظبي إلى “القائمة الرمادية” في آذار (مارس) 2022. وهذا العام، قامت واشنطن والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بتصعيد الضغوط تدريجًا على الإمارات. معربةً عن قلقها بشأن دور أبو ظبي في مساعدة روسيا على تخفيف أثر العقوبات.

وفي آذار (مارس)، صنّفت الولايات المتحدة الإمارات “دولة مَحَطّ اهتمام”، ما يعكس الإحباط المتزايد من تعاملات أبوظبي مع موسكو، حيث كانت واشنطن تتطلع إلى زيادة خنق العلاقات الاقتصادية الخارجية لروسيا. وقد تفاقمت هذه المشاعر في حزيران (يونيو) بعد محاولة التمرد القصيرة التي قامت بها مجموعة فاغنر، المنظمة شبه العسكرية الروسية، ما سلّط الضوء بشكلٍ أكبر على تعاون الإمارات وروسيا في الشؤون الإقليمية. وتلت ذلك سلسلة من العقوبات الأميركية، التي استهدفت شركة مقرها دبي مرتبطة بعمليات تهريب الذهب والماس التي تقوم بها مجموعة فاغنر، ما يوضّح كيف ساعد النظام المالي في الإمارات شركة فاغنر على إجراء العمليات.

لم تستهدف الولايات المتحدة شركات فاغنر الوهمية فحسب، بل طاردت أيضًا شركات أخرى تعمل داخل الإمارات. وفي جولة من العقوبات ضد أكثر من 120 شركة وفردًا في تموز (يوليو)، تم استهداف شركة هندسية إماراتية بارزة بسبب مزاعم بأنها زوّدت روسيا بعشرات الشحنات من الإلكترونيات. ومع استشعارها للضغوط المتزايدة، قطعت الإمارات علاقاتها مع الشركات المصرفية الروسية مثل “أم تي أس” (MTS)، أكبر مشغل إتصالات خلوية في روسيا الإتحادية، مُشيرةً إلى “مخاطر العقوبات”.

من المؤكد أن العلاقات الاقتصادية بين الخليج وروسيا عميقة وتستمر حتى وسط الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، مع مراقبة واشنطن لتلك العلاقات عن كثب، بدأت الإمارات تُدرِكُ أنَّ رقصتها الدقيقة ليست خالية من المخاطر. وفي حين سعت أبو ظبي إلى تنويع شراكاتها العالمية والإقليمية، فإنها تدرك بلا شك أنه لا يوجد شريك آخر يمكنه أن يضاهي مستوى الأمن الذي توفره واشنطن حاليًا. وفي حين أنها تختبر باستمرار استقلالية السياسة الخارجية، فإنها حريصة على تجنّب تجاوز خطوط واشنطن الحمراء.

خلال حملته الرئاسية في العام 2020، اتخذ الرئيس الأميركي جو بايدن موقفًا متشددًا تجاه الرياض، حيث أشار بشكلٍ خاص إلى تحويل المملكة العربية السعودية إلى دولة “منبوذة” بسبب إدارتها للحرب في اليمن وقتل الصحافي جمال خاشقجي. منذ الأيام الأولى لرئاسة بايدن، خففت إدارته بشكلٍ ملحوظ من خطابها تجاه شركاء واشنطن في الخليج. ومع ذلك، فإن جهود الإمارات للالتفاف على العقوبات وإعطاء الأولوية للأعمال التي يُنظَرُ إليها على أنها تضرُّ بالمصالح الأميركية من المرجح أن تؤدي إلى استمرار الضغط من واشنطن.

وعلى الرغم من أن علاقة الإمارات بنظام فلاديمير بوتين سوف تتكيَّف مع تقدم الحرب، فمن المرجح أن تكون العقوبات الأميركية عاملًا مؤثّرًا. وقد يدفع الضغط المتزايد الإمارات إلى أن تصبح أكثر حذرًا وانتقائية في تعاملاتها مع روسيا. وحتى لو كانت أبو ظبي ترغب في تعزيز علاقاتها مع موسكو، فلا يزال يتعيّن عليها اجتياز بيئة تنظيمية أكثر صعوبة للقيام بذلك.

  • جوناثان فينتون هارفي هو مُحلّلٌ سياسي وصحافي بريطاني يركز عمله إلى حد كبير على شؤون مجلس التعاون الخليجي، فضلًا عن القضايا الجيوسياسية والاقتصادية المتعلقة بالشرق الأوسط الأوسع ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
  • كُتِبَ المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى