قطاع النفط في الكويت: طموحاته كبيرة وواقعه ملبّد بالمشاكل

لا يزال القطاع النفطي في الكويت تخنقه السياسة، وينفّر الإستثمار الأجنبي ويعرف دعماً كبيراً من الدولة محلياً. لذلك فإن السؤال المطروح هنا ما هي الفرصة المتاحة أمام مشاريع الطاقة المتعثرة منذ فترة طويلة لرؤية الضوء في هذه الأجواء؟ وبالتالي ما هو مستقبل قطاع الطاقة في الكويت؟

وزير الطاقة الكويتي علي العمير: رسالة متفجرة إلى السعودية
وزير الطاقة الكويتي علي العمير: رسالة متفجرة إلى السعودية

الكويت – خالد الديب

حمل إنخفاض الأسعار تحديات لجميع الدول المنتجة للنفط، ولكن بالنسبة إلى الكويت فقد كان قطاعها البترولي في العام الماضي أكثر إضطراباً من معظمها: إنخفاض الإنتاج، وإغلاق حقول، ورسالة “متفجّرة” بعثها وزير نفطها إلى نظيره في المملكة العربية السعودية قد تشجع أخيراً على التقدم في تطوير مشاريع الطاقة المتعثّرة منذ فترة طويلة.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، أُغلق حقل “الخفجي” البحري في المنطقة المحايدة المشتركة مع السعودية، حيث ألقى السعوديون اللوم في ذلك على المشاكل البيئية، على الرغم من أن هذا الأمر كان معروفاً منذ سنوات. وفي منتصف أيار (مايو) من هذا العام، أوقفت شركة “شيفرون” العمل في حقل “الوفرة” البري الذي يقع في المنطقة المحايدة، لأنها لم تستطع تأمين تأشيرات دخول لموظفيها. قبل التعليق، كان “الخفجي” ينتج 300،000 برميل يومياً، و”الوفرة” 220،000 برميل يومياً، نصفها يعود إلى الكويت.
ويعود أحدث نزاع على حقول المنطقة المحايدة إلى العام 2008، عندما مدّدت المملكة العربية السعودية إمتياز شركة “شيفرون” 30 عاماً جديدة، راغبة في الإستفادة من خبراتها لإستخراج ما يقدر بنحو 25 مليار برميل من النفط الثقيل في المنطقة. لكن الكويت كانت مستاءة لأنها لم تُستشَر. وقد إعترض السعوديون على تحديد الكويتيين موقع للمصفاة الجديدة في رأس الزور على أرض تمسّ وتؤثر في المقر العام لشركة “شيفرون”.
في تموز (يوليو) 2015، نشرت الصحف الكويتية بريداً إلكترونياً مُسرَّباً من وزير النفط الكويتي علي العمير موجَّهاً إلى نظيره السعودي علي النعيمي، يحمّل فيه الرياض المسؤولية عن اغلاق المنطقة المحايدة، قائلاً بأن ذلك “ألحق خسائر فادحة بالكويت، والتي يجب أن تتحمّلها الحكومة السعودية”، وتكلف الكويت 15 مليون دولار في اليوم الواحد. وقالت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية في آب (أغسطس) أن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد هدّد الكويت.
هناك أكثر من تلميح إلى الملاءمة حول هذا النزاع، نظراً إلى أن الرياض تبدو سعيدة لسحب بعض النفط من السوق في وقت تنخفض الأسعار، ويمكنها تعويض الكمية بسهولة من الحقول المملوكة لها بالكامل، في حين أن الكويت لا يمكنها ذلك. إن الإنتاج الكويتي، عند 2.74 مليوني برميل يومياً في تموز (يوليو) 2015، إنخفض 100،000 برميل في اليوم عن العام السابق، في حين أن الدول المجاورة كالعراق وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان سجّلت جميعها مكاسب قوية.
ردّاً على ذلك بدأت الكويت أخيراً تتحدث عن رفع طاقة إنتاجها المُستهدَفة إلى أربعة ملايين برميل يومياً قبل العام 2020. وهذا يشير إلى أنها قد تختار طريق حجم الإنتاج على الأسعار، وذلك بعد صدمة نزاع المنطقة المحايدة أخيراً التي يعتقد كثيرون بأنها ستكون كافية لتسريع بعض المشاريع المتوقّفة منذ فترة طويلة. مع موارد كبيرة منخفضة التكلفة، يمكن للكويت تخفيف وطأة إنخفاض أسعار النفط من خلال زيادة الانتاج، مثل نظيراتها في الخليج.
ولكن في الوقت الحالي، بعدما ترددت الحكومة بتوسيع المنبع في أوائل العقد الفائت، فهي في وضع غير مريح للسير مع الإستراتيجية السعودية من دون إمتلاك قدرة مماثلة. لقد توقعت وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج الكويت سيتراجع ببطء ليصل إلى 2.76 مليوني برميل يومياً بحلول العام 2020، بما في ذلك الإنتاج في المنطقة المحايدة، بدلاً من أن يرتفع.
من ناحية أخرى، تعمل الكويت منذ فترة مع شركات “بريتيش بتروليوم”، و”شل” و”توتال” لتحسين الأنشطة في حقولها النفطية بموجب إتفاقات خدمات فنية، والتي تدفع بموجبها لهذه الشركات رسوماً. لكن هذه الترتيبات لا تجلب الإستثمار ولا الخبرة التشغيلية الكاملة للشركات، كما أنها لا تزال تواجه معارضة من بعض أعضاء البرلمان.
في حزيران (يونيو) الفائت، عيَّن الوزير العمير تسعة أعضاء جدد في مجلس إدارة شركة البترول الكويتية، ورفع عديده إلى 16، ولكن الرئيس التنفيذي للشركة نزار محمد العدساني رأى ذلك بأنه يشكل محاولة غير مشروعة لزيادة سيطرة الوزير على مؤسسة البترول الكويتية، وقاوم القرار. وهناك شكوك بأن يكون حلفاء العدساني ربما هم الذين سرّبوا البريد الإلكتروني الذي بعثه العمير للنعيمي لإحراج الوزير.
مع ذلك، كان رئيس مجلس النواب، مرزوق علي الغانم، قادراً على التصرف كوسيط للسماح لذراع التكرير لشركة البترول الوطنية الكويتية لمنح أربعة عقود قيمتها 11.5 مليار دولار لبناء مصفاة رأس الزور التي طال إنتظارها، والتي ساهم موقعها إلى نزاع المنطقة المحايدة مع السعودية في المقام الأول. وهذا الأمر يتطلب موافقة المجلس الأعلى للبترول على زيادة نسبة 22 في المئة في موازنة المصفاة، وهذا ما حدث في تموز (يوليو) الفائت. مع إفتراض عدم إنقطاع وتعطيل آخر، يمكن للمصفاة أن تكون جاهزة في 2019، لمعالجة الخام الثقيل لإنتاج زيت الوقود لتشغيل محطات الطاقة في البلاد. لكن المشروع لا يزال يحتاج الى موافقة من المملكة العربية السعودية وشركة “شيفرون” على حقوق الطريق الذي ستسلكه خطوط الأنابيب، الأمر الذي يولّد المزيد من العقبات في ظل إستمرار الخلاف.
في الوقت عينه، سوف يرقّي مشروع الوقود النظيف مصافي ميناءي الأحمدي وعبدالله لإنتاج منتجات ذات جودة أوروبية للتصدير، وتوسيع القدرات. وعندما ينتهي العمل الكامل في رأس الزور، فإن مصفاة الشعيبة القديمة، التي تعرّضت لحريق في آب (أغسطس) الفائت، سيتم إيقافها، مما سيتيح زيادة إجمالية في طاقة التكرير الكويتية من 930،000 برميل يومياً إلى 1.4 مليون برميل يومياً. مع إستهلاك محلي فقط أكثر من نصف مليون برميل يومياً، فإن هذا سيعزز دور الكويت كدولة مصدرة رئيسية للمنتجات المكررة وكذلك النفط الخام، وهي إستراتيجية رائدة تتبعها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة وغيرها من جيران دول الخليج.
لا تزال الأعمال مستمرة في الحقول الرئيسية في البلاد التي ينبغي أن تواجه التوقعات المتشائمة لوكالة الطاقة الدولية. في آب (أغسطس)، أقدمت شركة نفط الكويت، الذراع المنبع لمؤسسة البترول الكويتية، على منح عطاءات بقيمة 15 مليار دولار من العقود لتطوير أربعة حقول نفط وغاز جوراسية في شمال الكويت – الروضتان الشرقية والغربية، والصابرية، وأم نقا – التي مع حقل جوراسي آخر، ستجري مناقصة عليه على حدة، من شأنها أن تضيف 300،000 برميل يومياً إلى الإنتاج، وملء الفجوة التي ولّدها إغلاق المنطقة المحايدة. ومع ذلك، فإن هذه الحقول سوف تتطلب سنوات عدة من العمل قبل الدخول إلى خط الإنتاج. لقد تم طرح عطاءاتها في العام 2010، ولكن الشركات المحلية التي رست عليها المناقصة لم تتمكن من تأمين التمويل الكافي أو التعامل مع الخزانات العميقة والصعبة، وإرتفاع مستويات غاز الهيدروجين الكبريتي السام.
لسد الفجوة في إنتاج الغاز، فإن الكويت ستستبدل الوحدة الحالية العائمة لإستيراد الغاز الطبيعي المسال مع منشأة دائمة، والتي ستكون قادرة في نهاية المطاف على إستيراد ثلاثة مليارات قدم مكعبة سنوياً، أكثر بكثير من الطلب الإجمالي في البلاد. إن الإنخفاض الأخير في أسعار الغاز الطبيعي المسال يجعل هذه الإستراتيجية أقل تكلفة.
وقد أعلن الرئيس التنفيذي لشركة نفط الكويت هاشم هاشم في نيسان (إبريل) إكتشاف أربعة حقول جديدة في شمال وغرب البلاد. وتسعى الإمارة الخليجية أيضاً إلى تطوير حقول بحرية، بعد الإنتهاء من عمليات المسح الجيولوجي والزلزالي. إن الموارد هي تحت طبقة مالحة وتكمن في أعماق كبيرة، أكثر من 7000 متر. وتجري مناقشة التنقيب مع شركات “شل” و”بي.بي” و”شلمبرغر”، ولكن على الدولة أن توفّر شروطاً مغرية لتشجيعها، مع تخفيض كلٍّ من “شل” و”بي.بي” الإستثمارات في المشاريع الكبيرة مع عائد منخفض في الشرق الأوسط لأنها تسعى إلى المحافظة على رأس المال.
لا تزال البلاد تعمل وتحاول المضي قدماً في تنمية الموارد العملاقة للنفط الثقيل، البالغ مجموعها حوالي 13 مليار برميل، والتي تحدث في كل من شمال الكويت والمنطقة المحايدة. في شباط (فبراير)، منحت الدولة عقداً بقيمة 4 مليارات دولار لشركة “بتروفاك” لإستخراج النفط في شمال الكويت، مع توقع بدء العمل في العام المقبل، لإستخراج 65،000 برميل يومياً بحلول العام 2020، بإنخفاض عن الأهداف الأصلية التي كانت بحدود 270،000 برميل يومياً.
وأخيراً، تم إحراز بعض التقدم في حل مشكلة من الماضي – فقد فازت “الغانم الدولية” بصفقة لحفر وإزالة الرمال المشبعة بالنفط التي تضررت من قبل العراقيين خلال حرب الخليج الأولى في العام 1991. وسيتم ارسال التربة لطمر النفايات، ولكن إمكانية الحفر للعثور على النفط يجري التحقيق فيه.
مع ذلك، فإن القاسم المشترك لجميع هذه المشاريع هو أنها تنطوي على تقنية صعبة وموارد مكلفة، والتي لن تنتج حتى العام 2020 أو في وقت لاحق. إن البلد لا يزال يعوقه الإلحاح وعدم الإستعجال.
على الرغم من إغلاق المنطقة المحايدة، فإن إنتاج النفط لا يزال قرب مستويات قياسية، مع المستويات عينها منذ العام 2012 التي لم نشهدها في السابق إلا في أوائل سبعينات القرن الفائت. وما زال المركز المالي الكويتي أكثر راحة من معظم زملائه في “أوبك”، مع عجز متوقع للعام 2015 قدره 27 مليار دولار، حوالي 5.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على إفتراض أن متوسط سعر النفط هو 45 دولاراً للبرميل. إن الموازنة تتطلب 77 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن، ولكن يتضمن ذلك نقل 10 في المئة من الإيرادات إلى صندوق الثروة السيادي. ومع ما يقدر ب548 مليار دولار من الأصول التي تملكها هيئة الإستثمار الكويتية، فإن مثل هذا العجز يمكن تحمله لسنوات عديدة، أطول من معظم المنافسين.
في الأول من كانون الثاني (يناير) الفائت، تم رفع سعر الديزل إلى 0،59 دولار لليتر الواحد من 0،19 دولار، الأمر الذي وفّر للحكومة مليار دولار سنوياً. ولكن تحت ضغط من البرلمان، إنخفضت الأسعار مجدداً إلى 0.38 دولار لليتر الواحد، وقال الوزير العمير أن إزالة حوالي 17 مليار دولار من دعم البنزين والكهرباء والماء من شأنه أن يؤجل إلى أجل غير مسمى. وعلى سبيل المقارنة، فقد تم تحديد السعر الجديد غير المدعوم في الإمارات العربية المتحدة للديزل ب0.56 دولار لليتر الواحد. هذا التراجع عن السياسة لا يقدم الكثير من الأمل بأن الكويت سوف تكون قادرة على السيطرة على إرتفاع إستهلاكها المحلي للطاقة.
تواصل الكويت دورها لتكون واحدة من الدول الرائدة في “أوبك”، وهي حليفة رئيسية للمملكة العربية السعودية على الرغم من نزاع المنطقة المحايدة، ومنتج كبير للنفط المنخفض التكلفة مع القدرة على زيادة الإنتاج بشكل كبير. لكن الخلافات السياسية الدائمة فيها، والحساسية من الإستثمار الأجنبي في قطاع النفط، والإعانات المحلية الثقيلة تلقي سحابة دائمة على آفاقها ومستقبلها. لقد جلب العام الفائت المضطرب بعض التقدم، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان سيتم تحفيز أي تحسّن يدوم لفترة أطول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى