إكتشاف حقل غاز عملاق في المياه المصرية يقضّ مضجع الإسرائيليين
يتوقع الخبراء أن يؤدي إكتشاف حقل الغاز “العملاق” في المياه المصرية الذي أُعلن عنه أخيراً إلى إعطاء القاهرة دفعة سياسية وإقتصادية كبيرة على حساب إحتياطات إسرائيل الهيدروكربونية البحرية الخاصة، الأمر الذي قد يثير مراجعة حسابات عدة في مجال الطاقة في المنطقة.
القاهرة – هدى أحمد
لا شك أن إكتشاف حقل الغاز الطبيعي العملاق قبالة سواحل مصر هو نبأ عظيم لهذه الأمة المتعطّشة للطاقة، لكنه في الوقت عينه يهدّد بإنقلاب أحلام الطاقة الضخمة في الدول المجاورة مثل إسرائيل وقبرص.
أعلنت شركة الطاقة الإيطالية “إيني” في الشهر الفائت أنها إكتشفت أكبر حقل للغاز وُجِد حتى الآن في البحر الأبيض المتوسط، حيث يتضمّن حوضاً “عملاقاً” يحتوي على نحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز. وإذا كانت هذه التقديرات الأولية صحيحة – والتقييمات المتفائلة كثيراً ما تفسح المجال لتحليلات أكثر واقعية – سيكون هذا الحقل حتى أكبر من “الطاغوت”، حقل الغاز البحري العملاق الذي غذّى الأحلام الإسرائيلية لكي تصبح دولة مصدرة للطاقة في المنطقة. إن الحقل الجديد، المعروف بإسم “زهر”، سوف يستغرق على الأقل ثلاث سنوات مقبلة قبل أن يبدأ الإنتاج – وربما لفترة أطول إذا تدهور الوضع الأمني في البلاد وإزداد سوءاً – لكنه قد يستطيع عندها تلبية إحتياجات مصر من الطاقة لعقود ويوفّر دفعة إقتصادية وسياسية للرئيس عبد الفتاح السيسي.
الواقع إن إيجاد مصادر جديدة للطاقة يُعتبر أمراً مهماً للغاية بالنسبة إلى مصر، التي كانت حتى قبل بضع سنوات تصدّر الغاز الطبيعي إلى أوروبا والدول المجاورة مثل الأردن وإسرائيل. ولكن إرتفاع الإستهلاك المحلّي وضعف الإستثمار في الإنتاج أجبرا مصر على وقف التصدير والبدء بالإستيراد؛ في وقت سابق من هذا العام، بدأت القاهرة شراء شحنات من الغاز الطبيعي من روسيا ووقّعت إتفاقاً لإستيراد الغاز من إسرائيل في نهاية المطاف.
الآن، قد لا تكون هناك حاجة لأيٍّ من تلك الواردات. الأهم من ذلك، يمكن للإمدادات الجديدة من الغاز الطبيعي أن تساعد السيسي على الحفاظ على تشغيل محطات توليد الكهرباء والمصانع، وهذا ليس بالأمر الصغير ذلك أن إنقطاع الكهرباء قد أثار الإضطرابات السياسية التي ساهمت في إسقاط رئيسين سابقين للجمهورية المصرية.
“سقط [حسني] مبارك في أثناء إنقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع. وسقط [محمد] مرسي في أثناء إنقطاع التيار الكهربائي أيضاً. ومصر لا زالت تعاني من هذه المشكلة التي تتمثل بإمدادات غير مستقرة من الكهرباء، وهذا يمثل رمزاً لعدم وجود قوة للدولة”، قالت بريندا شافير، خبيرة الطاقة في جامعة جورج تاون في واشنطن. وهناك حاجة إلى إمدادات ثابتة للطاقة في كل شيء من محرك مضخات المياه للزراعة، إلى حفظ عمل المصانع، إلى تشغيل مكيفات الهواء…
إن إكتشاف “إيني” الجديد، إلى جانب إعلان شركة النفط “بي بي” (BP) في وقت سابق من هذا العام أنها ستستثمر 12 مليار دولار لتطوير حقول الغاز المصرية الحالية، هما بمثابة تأييد الشركات للإصلاحات الإقتصادية التي يدفع بها السيسي بشكل مطرد. وهذه الإصلاحات تتضمن سداد الديون لشركات الطاقة الأجنبية، والبدء في إصلاح سوق الطاقة المحلية، على سبيل المثال، التراجع عن دعم الوقود المؤيَّد شعبياً ولكنه مدمّر إقتصادياً. وهذا يمثّل أيضاً تصويتاً وثقة في قدرة الرئيس المصري على قمع الإنتفاضة العنيفة من قبل المتشددين المرتبطين بتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، الذين نفذوا هجمات قاتلة في القاهرة وجميع أنحاء شبه جزيرة سيناء.
ولكن إذا كان إكتشاف الغاز يحمل نبأً سعيداً وعظيماً بالنسبة إلى مصر، فإنه يمكنه أن يمثل أيضاً ضربة قوية لجيرانها. لا تزال إسرائيل تخطّط لتحويل موارد الغاز الضخمة البحرية الخاصة بها إلى مصدر للطاقة لبقية المنطقة. وقد وقعت مصر وإسرائيل إتفاقاً في العام الماضي تقوم الأخيرة بموجبه بتصدير الغاز من حقل “الطاغوت” الضخم إلى الأولى. كما وقعت تل أبيب صفقات مماثلة لتصدير الغاز إلى الأردن.
الآن يبدو أن هذه الرؤى تتلاشى: لقد هبطت أسهم شركات الطاقة الإسرائيلية في أعقاب إعلان “إيني”. ومع ذلك، تصرّ “نوبل إينرجي”، الشركة الأميركية التي تساعد على تطوير “الطاغوت”، على أنها لا تزال في وضع جيد لتلبية إحتياجات الطاقة في المنطقة على الرغم من الإكتشاف المنافس.
” نحن نعتقد أن الطلب الإقليمي كبير – بما في ذلك إسرائيل والأردن ومصر — ولا يوجد أي إكتشاف واحد من الإكتشافات في المنطقة يمكنه تلبيته”، قال المتحدث بإسم “نوبل إينرجي”.
أما قبرص،، التي لديها خطط كبيرة خاصة بها للإستفادة من حقول الغاز البحرية وتصدير الوقود إلى مصر وغيرها، تضع وجه الشجاعة بالنسبة إلى هذه الأنباء ولم تبدِ أي رد فعل سلبي على الأقل، وذلك لأن الزعماء القبارصة، الذين خابت آمالهم من نتائج الحفر في مياههم الخاصة حتى الآن، يعتقدون بأن الإكتشاف المصري الهائل يبشّر بمستقبل طاقة جيد للجزيرة لأن وقوع حوض “زهر” المصري على بعد بضعة أميال من المياه القبرصية، من المرجح أنها تشاركه الجيولوجيا ذاتها.
من ناحية أخرى، فإن إكتشاف “زهر” لن يُغلق الباب على الواردات المصرية على الفور، الأمر الذي يترك بضع سنوات من إحتمالات الإفادة للموردين الآخرين. على الرغم من أن “إيني” والمسؤولين المصريين تعهدوا التنمية السريعة في هذا المجال، فإن الأمر سيستغرق سنوات لتمويل وبناء البنية التحتية اللازمة للإستفادة بشكل كامل. حتى أن الجدول الزمني يمكن أن يمتد إلى فترة أطول إذا تفاقم الوضع الأمني في مصر، والذي يمكن أن يوقف الإستثمار الأجنبي.
“مصر لن تكون قادرة على تلبية الطلب المحلي حتى العام 2020 على أقرب تقدير، وربما ستتأخر حتى العام 2025، حتى مع هذا الإكتشاف الجديد”، قال مايكل لي، وهو مستشار رفيع المستوى في صندوق مارشال الألماني التابع للولايات المتحدة. حتى في ذلك الحين، قال، إن مصر ستحتاج على الأرجح إلى مصادر إضافية من الغاز لتغذية محطات تصدير الغاز المسيَّل التي كانت مُعطَّلة بسبب النقص الأخير في الغاز.
حتى قبل إعلان “إيني”، كانت إسرائيل تكافح لتحويل طاقتها الكامنة إلى طاقة كهربائية. المنظمون الإسرائيليون، الذين يخشون من خلق إحتكار، طلبوا من شركات تطوير “الطاغوت” في أواخر العام الماضي التوقف عن العمل، وسعوا إلى إجبارها على تصفية بعض إستثماراتها. بعد الإكتشاف المصري، بدأت الإتهامات تتطاير داخل إسرائيل بشأن وتيرة وشكل تنمية الطاقة في هذا البلد. النظر إليها في سياق أكبر يفيد بأن إكتشاف “إيني” أخيراً، يأتي بعد إكتشاف أصغر آخر في وقت سابق من هذا العام، وإستثمار “بي بي” (BP) الكبير، وهذا يشير إلى أن مصر بدأت في تنظيم وضعها الداخلي عاجلاً وليس آجلاً، الأمر الذي سيسرق الضوء والإهتمام في المدى الطويل من الغاز الإسرائيلي.
“بصراحة، أنا لم أعتقد حقاً أن الصادرات إلى مصر كانت محسومة – لا يمكن أن تخسر شيئاً لم يكن لديك”، قالت شافير.
في الواقع، أضافت، إن الإكتشاف المصري قد يؤدي إلى جانب مشرق بالنسبة إلى إسرائيل. ذلك أنه بجعل إحتمال تصدير الغاز منها أقل ترجيحاً، وهذا يمكن أن يحفز زيادة إستهلاك الغاز الإسرائيلي محلياً. يمكن للغاز الطبيعي النظيف أن يحلّ محل الفحم في محطات توليد الطاقة في البلاد، على سبيل المثال، ويساعد على تغذية طاقة محطات التحلية.
“إن المنطقة يجب أن تكون أقل جشعاً والبدء في التفكير في نفسها على أنها منطقة مستهلكة للغاز، وليست منطقة مصدرة للغاز، لأن هناك الكثير من الإستخدامات الجيدة للغاز لتحقيق الإزدهار في المنطقة”، مضيفة.
فكرة نهائية قد تفوح من الإكتشاف المصري وهي أنه يمكنه أن يدفع إلى إحياء الحديث عن تزويد دول شرق البحر المتوسط تركيا بالغاز الطبيعي. كلٌّ من قبرص وإسرائيل رأت في تركيا سوقاً محتملة، ولكن السياسة بقدر الإقتصاد يبدو أنها تحكم أي صفقة. تعترف أنقرة بالجزء الشمالي من قبرص المُقسَّمة، وواجهت تنمية الطاقة القبرصية الأخيرة بدوريات بحرية عدوانية. كما أن تركيا، لا تزال تعاني من آثار تحركات السياسة الخارجية لإسرائيل، خصوصاً في قطاع غزة، لإستبعاد أي تجارة في مجال الطاقة مع هذا البلد. ولكن الغاز المتدفق في مصر قد يدفع أنقرة والقاهرة للبحث عن منفذ جديد–قديم للتصدير.
إذا كانت مصر ليست على الطاولة كسوق للتصدير، وإذا كانت هناك إختراقات سياسية في قبرص، “قد يكون هناك تجدد إهتمام في الخيار التركي” قال مايكل لي.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.