القطاع المصرفي في الهند على مفترق طرق
مع تراجع التمويل من الدولة، وبروز تكنولوجيات جديدة، وتنظيم أكثر صرامة، فإن القطاع المصرفي الهندي يخضع لفترة مهمة من التغيير. لقد بدأ لاعبون جدد دخول السوق، الأمر الذي يجعل الوضع حتى أكثر صعوبة بالنسبة إلى البنوك المملوكة للدولة، التي تعاني أصلاً من تدهور جودة الأصول وأهداف كفاية رأس المال الوارد.
نيودلهي – محمد سليم
على مدى 12 الى 18 شهراً الماضية، شهدت الصناعة المصرفية الهندية، طفرة من المبادرات الرقمية. فيما تسعى البنوك إلى الإستفادة من التقدم التكنولوجي لتمييز أنفسها، وجذب الزبائن وتحسين الكفاءة، فإنها تطرح منتجات مُبتَكرة تتراوح بين التطبيقات المصرفية المتنقلة والخدمات المصرفية عبر وسائل الإعلام الإجتماعية إلى المصرفية عبر الفيديو والمحافظ الرقمية.
في العام الفائت، في محاولة لإستهداف عملاء جدد، أطلق أكبر بنك في الهند، “ستايت بنك أوف إنديا” (State Bank of India)، فروعاً رقمية في بعض المدن. كانت خطوة جذرية بعيداً من نهج البنك التقليدي لتقديم الخدمات المصرفية إلى سكان المناطق الشاسعة في الهند. مُتشجِّعاً من تجربته الرقمية، يخطط البنك الآن لتوسيع البصمة الرقمية إلى مدن أخرى وإستهداف جميع أنواع العملاء. “الرقمية هي منطقة التركيز الرئيسية بالنسبة إلينا هذا العام”، تقول أرونداتي بهاتاشاريا، رئيسة “ستايت بنك أوف إنديا”.
وتقدّر شركة الإستشارات العالمية “كي بي. أم جي” (KPMG) أن إستثمار البنوك الهندية في التكنولوجيا يمثّل نحو 15٪ من إجمالي إنفاقها، ومن المتوقع أن يزيد هذا الرقم بمعدل سنوي قدره 14.2٪.
حكاية نصفين
بينما من جهة يقفز المُقرِضون الهنود قفزات قدماً في مجال التكنولوجيا، فإنهم من ناحية أخرى ما زالوا يواجهون تحديات أساسية والتي تهدّد بزعزعة إستقرار القطاع المصرفي في البلاد. والقضية الأكثر أهمية تتمثّل بتدهور جودة الأصول. لقد أدّى التباطؤ الإقتصادي في البلاد على مدى السنوات القليلة وتأخر المبادرات السياسية إلى تجميد عدد من المشاريع، وخصوصاً في قطاع البنية التحتية. وهذا بدوره خلق إنخفاضاً في الطلب على الإئتمان من قبل الشركات وتنامي القروض المتعثّرة. وقد ساهم تقييم سوء الإئتمان، وآليات الصرف والإنتعاش في البنوك أيضاً إلى إرتفاع الأصول المعدومة.
تشير بيانات بنك الإحتياطي الهندي (البنك المركزي) إلى أن القروض المعدومة تضاعفت تقريباً في الهند منذ العام 2012، عابرة ال2500 مليار روبية (40 مليار دولار). وهذا المبلغ يشكّل أكثر من 4٪ من إجمالي القروض المصرفية. بالإضافة إلى ذلك، إلى جانب إعادة هيكلة الأصول، تمثّل القروض (إجمالي الأصول المتعثرة وهيكلة التسليفات العادية) أكثر من 10٪ من إجمالي القروض المصرفية.
في حين أن البنوك قد لجأت في السابق إلى إعادة هيكلة كبيرة لقروض قطاعات أساسية مثل البنية التحتية والطاقة، فإن هناك إتجاهاً مثيراً للقلق يكمن في أن هذه القروض التي أُعيدت هيكلتها تنزلق على نحو متزايد إلى فئة الأصول المتعثّرة. وتقدّر وكالة التصنيف المحلية “كريسيل” (CRISIL) بأن ما يصل إلى نسبة 40٪ من إجمالي موجودات القروض التي أُعيدت هيكلتها بين عامي 2011 و 2014 قد تحوّلت إلى أصول معدومة.
في بلاد تتطلع إلى البنوك لتمويل بنيتها التحتية، فإن غرق الأسواق المصرفية بالأصول المتعثّرة هو مدعاة لقلق كبير. تشير بيانات بنك الإحتياطي الهندي إلى أن الأصول المتعثرة الضخمة قد نمت بين 2013 و 2014 لدى البنوك التجارية المحلية في الهند بنسبة 36٪. في المقابل نما إجمالي التسليفات بنسبة 13٪ فقط.
وتتركز مشكلة القروض المتعثّرة في الهند بشكل كبير في بنوك القطاع العام المدعومة من الدولة. وتشكّل هذه البنوك ما يقرب من ثلاثة أرباع القطاع المصرفي في البلاد، ولكنها لا تتمتع بالحكم الذاتي الذي يتمتع به أقرانها في القطاع الخاص، وكثيراً ما ينتهي بها الأمر إلى إعطاء قروض لمشاريع غير مربحة للوفاء بإملاءات الحكومة. وتعاني بنوك القطاع العام أيضاً من عدم كفاية إدارة المخاطر وعمليات سيّئة لتقييم الإئتمان الذي يمثّل اليوم أكثر من 90٪ من القروض المعدومة في هذه الصناعة.
علاوة على ذلك، تشكّل قروض الشركات حصة كبيرة في محفظة قروض بنوك القطاع العام في الهند، في حين أن بنوك القطاع الخاص هي عرضة بشكل أكبر بكثير لقطاع التجزئة الذي بقي منتعشاً وبمنأى عن التباطؤ. وتقدِّر “كريسيل” (CRISIL) بأن قطاع التجزئة يشكّل ما يقرب من 40٪ من التسليفات الإجمالية المعطاة من مصارف القطاع الخاص، مقارنة مع 18٪ من بنوك القطاع العام.
على مدى السنوات الثلاث الفائتة، في حين إرتفعت قيمة الأصول الضعيفة في بنوك القطاع العام من 3٪ إلى 5٪، فقد ظل المعدل عند 2٪ بالنسبة إلى بنوك القطاع الخاص.
مشكلة مستمرة
في آذار (مارس) 2015، أظهرت بيانات “ستايت بنك أوف إنديا” إنخفاضاً في العام فى نسبة إجمالي القروض المتعثّرة على أساس سنوي إلى 4.25٪، من 4.95٪ في آذار (مارس) 2014. ومع ذلك، في ثاني أكبر بنوك القطاع العام في الهند، بنك البنجاب الوطني، فقد إرتفعت نسبة إجمالي الأصول المتعثّرة إلى ما يقرب من 1 نقطة مئوية، لتصل إلى 6.55٪ في آذار (مارس) 2015. لدى بعض بنوك القطاع العام نسب قروض متعثّرة مرتفعة جداً والتي تتراوح بين 8٪ إلى 10٪. في البنك الهندي الخارجي، على سبيل المثال، إرتفعت نسبة إجمالي الأصول المتعثّرة إلى 8.33٪ في آذار (مارس) 2015، إرتفاعاً من 8.12٪ في الفترة عينها من العام 2014. في المقابل، بين أهم بنوك القطاع الخاص، هناك فقط بنك “آي سي آي سي آي” (ICICI) الذي كانت لديه نسبة إجمالي القروض المتعثّرة أكثر من 3٪ في آذار (مارس) من هذا العام. وبالنسبة إلى البنوك الأخرى، مثل بنك “أتش دي أف سي” (HDFC)، وبنك “أكسيس”، و”كوتاك ماهيندرا بنك”، فقد بلغت نسب إجمالي الأصول المتعثّرة أقل من 2٪.
يقول آرون تيواري، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لبنك الإتحاد الهندي (Union Bank of India) المدعوم من الدولة: “ستكون قضايا جودة الأصول مؤلمة في المدى القريب إذا لم يعرف المُقتَرِضون أي منعطف جوهري بالنسبة إلى تدفقات دخلهم. رغم أن هناك إيجابيات إضافية، كما شهدنا في وتيرة إنخفاض القروض المعثرة الجديدة، فإن مستوى الأصول المتعثرة الذي ما زال عالياً يضغط على الموازنات العمومية للبنوك الأمر الذي يؤثر سلباً على ربحيتها”. وقد أعلن بنك الإتحاد الهندي زيادة في نسبة إجمالي الأصول المتعثرة من 4.08٪ إلى 4.96٪ في السنة المالية الماضية. على أساس تتابعي، مع ذلك، أعلن البنك أنه حقق تحسناً في جودة الأصول، حيث إنخفضت نسبة إجمالي القروض المتعثرة بنسبة 12 نقطة أساس من 5.08٪ في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2014 إلى 4،96٪ في 31 آذار (مارس) 2015.
حذّر محافظ بنك الإحتياطى الهندي، راغورام راجان، أخيراً في وسائل الإعلام أن وضع القروض السيّئة ربما لم يبلغ ذروته بعد. كما توقّعت “كريسيل” (CRISIL) في تقرير لها في أيار (مايو) 2015 أن البنوك الهندية لن تحصل على أي تأجيل أو تمديد للقروض المعدومة في العام 2016. وقدَّرت بأن القروض المعدومة سترتفع من 4.2٪ إلى حوالي 4.5٪ من إجمالي التسليفات. ومن المتوقع أيضاً أن تبقى البنوك مُعرَّضة بشكل مرتفع للقطاعات الضعيفة مثل الطاقة والبناء والمعادن والتعدين.
الإتجاه الصحيح
هذه الصورة القاتمة تتناقض بشكل صارخ مع الحماسة التي أظهرتها الصناعة المصرفية الهندية فقط قبل سنة، عندما جاءت الحكومة الإئتلافية الهندية الجديدة بقيادة نارندرا مودي إلى السلطة. كانت التوقعات تعجّ بالآمال بأن الحكومة ستقوم بتنفيذ مبادرات سياسية التي من شأنها أن تعيد الحياة إلى المشاريع المتعثرة، وخصوصاً في قطاع البنية التحتية، والتي سينتعش الإقتصاد بدوره حولها في غضون بضعة أشهر.
يقول سي جايارام، المدير العام “كوتاك ماهيندرا بنك”: “لكي نكون مُنصِفين للحكومة الجديدة، إن المشاكل عميقة إلى حد ما. لقد بقيت المشاريع عالقة في مراحل مختلفة بسبب مجموعة متنوعة من القضايا. على سبيل المثال، في مشاريع الطاقة هناك غياب لروابط الفحم، وعدم وجود موافقات بيئية وكذلك لم يتم الحصول على الأراضي. ويجري فرز بعض التصاريح، على الرغم من أن شراء الأراضي لا يزال يشكل قضية. ولكن لكي يؤدي كل هذا للبدء بمشاريع للتسليم فإن الأمر سيستغرق وقتاً. وسوف يستغرق الوضع مزيداً من الوقت لكي تنطلق مشاريع جديدة وإحياء دورة الإستثمار. على مدى العامين المقبلين، نأمل أن يتغير المناخ العام”.
أما “في سرينيفاسان”، المدير التنفيذي ورئيس الخدمات المصرفية للشركات في بنك “أكسيس” فيقول: “لقد أطلقت الحكومة تدابير وسياسات عدة وتأخذ خطوات في الإتجاه الصحيح. ولسوء الحظ، في الإقتصاد الحقيقي، الأمور تأخذ وقتاً أطول لتتحقق”.
وتؤكد أرونداتي بهاتاشاريا، رئيسة “ستايت بنك أوف إنديا”، على أن المشكلة هي أن توقعات الحكومة الجديدة كانت مرتفعة جداً، ولكنها تعتقد بأن الأمور ستتحسن. “على الرغم من أن الأصول المتعثرة لم تختفِ، فإن هناك ضغطاً أقل، لأن هناك إتجاهاً ملموساً لتصرفات الحكومة. لدينا حكومة هي على بيِّنة من القضايا ولديها عزيمة قوية لمعالجة هذه القضايا. ومع ذلك، فإن جميع القضايا ملتوية للغاية، وبالتالي علينا أن نكون واقعيين حول متى سوف تجد لها حلولاً”، على حد قولها.
مع ذلك، فهي تعتقد أن القروض المتعثرة لن تقيّد أو تكبح عمل البنوك. “سوف يسير كل شيء في مجراه. العمل على الحلول يجب أن يحدث في الوقت الذي نأخذ تعرّضاً جديداً”، تقول بهاتاشاريا. من جهتها تعمل بنوك القطاع العام، تضيف، على تحسين عمليات تقييم الإئتمان الخاصة بها. “في وقت سابق، مُنحت قروض البنية التحتية لفترات قصيرة الأجل. الآن، نحن نعطي تمويلاً للمشاريع طويل الأجل. وبالمثل، إن البنوك حذرة للغاية من مصدر الأصول. كما أن الأصول التي يعتمد عليها رأس المال تُعطى مقدَّماَ. وفي ما يتعلق بالمشاريع التي تعتمد على إستحواذ الأراضي، بدلاً من قبول موافقات من حيث المبدأ، نحن مصرّون الآن على أنه ينبغي الحصول على جميع الأراضي قبل عملية تقديم العطاءات. لقد تعلم جميع أصحاب المصلحة أنه لا توجد طرق مختصرة”، تقول بهاتاشاريا.
لغز رأس المال
ومما يزيد من التحدّي المتمثّل في تدني جودة الأصول هي المبادىء التوجيهية بالنسبة إلى كفاية رأس المال ل”بازل 3 ” المقبلة، والتي بموجبها، على النحو الذي حدّده بنك الإحتياطي الهندي، يتوجّب على البنوك الهندية الإحتفاظ بحد أدنى من نسبة الأسهم المشتركة قدره 8٪ ونسبة إجمالي رأس المال قدرها 11.5٪ قبل آذار (مارس) 2019.
في حين أن بنوك القطاع الخاص هي في وضع جيد بالنسبة إلى أهداف كفاية رأس المال، فإن بنوك القطاع العام هي تحت ضغط هائل. “إن رأس المال ليس مشكلة للاعبين في القطاع الخاص. لحسن الحظ، إن الأسواق العالمية مليئة بالسيولة وبنوك القطاع الخاص لها سمعة جيدة”، يقول جايارام من “كوتاك ماهيندرا بنك”. ويردد سرينيفاسان من بنك “أكسيس” وجهة النظر عينها، حيث يقول: “نحن في وضع جيد جداً من حيث متطلبات رأس المال، وليس لدينا أي حاجة إلى رأسمال إضافي على مدى السنوات القليلة المقبلة”.
ويفيد رنا كابور، المدير العام والرئيس التنفيذي لبنك “يس” (Yes Bank)، بأن كل خطط زيادة رأس المال في مصرفه جذبت إهتمام مستثمرين مهمّين. وآخر زيادة في رأس المال، التي وصلت إلى 500 مليون دولار في حزيران (يونيو) 2014، من خلال إستثمار مؤسسي مؤهّل، تعدّت تغطية المبلغ المطلوب بأكثر من خمس مرات، مع قاعدة مستثمرين متنوعة. وتعليقاً على متطلبات رأس المال في بنوك القطاع العام، قال: “إن المستويات المنخفضة لرأس المال إلى جانب الأصول المتعثرة وإنخفاض تغطية المخصصات في بنوك القطاع العام قد أدى في الواقع إلى تفاقم وضع رؤوس أموالها. وعلاوة على ذلك، إن شرط المخزن المؤقت للحفاظ على رأس المال، الذي أطلقه “بازل 3″، سوف يتركها في وضع أكثر صعوبة”. بموجب “بازل 3″، يجب أن يكون لدى المصارف 2.5٪ من الأصول لمواجهة المخاطر في شكل أصول عادية في المخزن المؤقت للحفاظ على رأس المال.
وفقاً لتقديرات بنك الإحتياطي الهندي، تتطلب بنوك القطاع العام رأس مال يبلغ 2400 مليار روبية بحلول العام 2018، لتلبية معايير كفاية رأس المال. لقد ضخّت الحكومة فعلياً 584 مليار روبية في هذه البنوك بين عامي 2011 و2014، ما يقرب من ثلثي المبلغ الذي ذهب إلى البنوك الأضعف. ومع ذلك، في السنة المالية 2014-2015، من أصل ال112 مليار روبية المخصصة، وزّعت الحكومة 69.9 مليار روبية فقط. الأهم من ذلك، تم إعطاء هذه الأموال إلى تسعة بنوك فقط، بما في ذلك “ستايت بنك أوف إنديا”، وبنك “بارودا”، وبنك البنجاب الوطني، على أساس الأداء. وقد أدت هذه الخطوة غير المتوقعة إلى قلق كبير بين البنوك ال12 المتبقية في القطاع العام، لأن هناك حاجة إلى رأس المال من أجل النمو وتموين الأصول المتعثرة.
للسنة المالية 2015-2016، فقد إقترحت الحكومة ضخ 79.4 مليار روبية فقط. ويدّعي خبراء الصناعة بأن هذا المستوى من ضخ رأس المال من الحكومة قد لا يكون كافياً لتلبية متطلبات القطاع المصرفي، وتحتاج بنوك القطاع العام الآن إلى تمويل النمو من خلال مصادرها الخاصة. “لا يمكن للحكومة أن توفر رأس المال وبالتالي فإن الرسالة واضحة. تحتاج بنوك القطاع العام إلى تحسين الحكم والذهاب إلى السوق لزيادة رأس المال”، يقول شنجني كومار، المدير في “برايس ووترهاوس كوبرز” في الهند.
من جهتها تبدو بهاتاشاريا واثقة من أن “ستايت بنك أوف إنديا” سوف يكون قادراً على رفع رأس المال الكافي في السنوات المقبلة. “هناك طرق عدة لزيادة رأس المال. لدينا خريطة طريق وسوف نزيد رأس المال، ليس من طريق جمع الأموال ولكن من طريق تحرير القيمة”، كما تقول.
خيارات كثيرة
مُراكَمة رأس المال وفقاً لمعايير “بازل 3” هي مصدر قلق رئيسي بالنسبة إلى البنوك في الهند، وفقاً للسيد تيواري من بنك الإتحاد الهندي، الذي يقول: “فيما هذا يتزامن مع سنوات الاقلاع الذكي (الرقمي) للهند، أعتقد أن أفضل طريقة للمضي قدماً تكمن في إنتهاج نمو تقوده الكفاءة. وإذا لم تكن مكاسب الكفاءة موجودة، فإن معدل حرق رأس المال الجديد قد يبقى مرتفعاً”.
هناك خيار واحد لبنوك القطاع العام لرفع رأس المال ويكمن في بيع حصة الحكومة وإسقاطها إلى 52٪، وهو المعدل المعيَّن الذي حددته الحكومة. “بالنظر إلى المستوى الحالي لمساهمة الحكومة في هذه المصارف، التي تتراوح ما بين 58٪ إلى 89٪، هناك أرضية كبيرة لرفع رأس المال من السوق من دون إضعاف طابعها كبنوك قطاع عام”، يقول ناريش ماخيجاني، مدير تنفيذي في “كي بي أم جي” (KPMG). خيارات أخرى إقترحها تشمل إستكشاف البنوك قضايا الحقوق العامة، وإستثمارات مؤسسية مؤهّلة، أو إصدار أسهم لا يحق لها التصويت وأسهم تفاضلية يحق لها التصويت.
يقول أشفين باريك، الشريك الإداري في “أشفين باريك أدفايزوري سرفيسيس” (Ashvin Parekh Advisory Services)، أن الحكومة الهندية بحاجة إلى إيجاد إطار لمعالجة رسملة بنوك القطاع العام. من دون إطار مناسب، يقول، فإن البنوك لن تكون قادرة على تحقيق النتائج المرجوة، سواء كان ذلك للتخفيف من حيازات الحكومة أو زيادة رأس المال من السوق.
وتشير وكالة “كريسيل” (CRISIL) إلى أن جمع رأس المال لن يكون سهلاً بالنسبة إلى بنوك القطاع العام نظراً إلى ربحيتها الصامتة والصعوبة في تخفيض حصص الحكومة بسبب التقييمات الضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، تقول وكالة التصنيف الهندية أن شهية المستثمرين على صكوك من دون أصول من النوع الأول لم يتم بعد إختبارها بشكل كامل. ونتيجة لذلك، تتوقع “كريسيل” أن تنمو بنوك القطاع العام في الهند بمعدل نصف وتيرة المصارف الخاصة على مدى السنوات الأربع المقبلة.
لاعبون جدد
النمو السريع لبنوك القطاع الخاص في الهند يمكن أن يؤدي إلى تحوّل هيكلي في القطاع المصرفي في البلاد حيث أن الحصة السوقية للمصارف الخاصة الجديدة، التي تشكّلت بعد العام 1990، سوف تزيد بشكل كبير. ويقول كابور من بنك “يس”: “على مدى 20 عاماً، زادت مصارف القطاع الخاص الجديدة حصتها في السوق من صفر إلى 15٪، مدفوعةً إلى حد كبير بمستويات أعلى من رأس المال، وتحسّن فرص الحصول على رأس المال، وصحّية جودة الأصول، ورأس مال بشري متفوِّق، وتكنولوجيا متقدمة. وهذا المكسب يكون أكثر وضوحا في المستقبل، إذ أن بنوك القطاع العام مقيَّدة من خلال رأس المال”.
على هذا النحو، على مدى الأشهر والسنوات المقبلة، سوف يشهد القطاع المصرفي الهندي أنواعاً جديدة من اللاعبين الذين سيدخلون هذا المجال. في خطوة تهدف إلى تعميق الإندماج المالي، أصدر بنك الإحتياطي الهندي معايير لبنوك المدفوعات والبنوك المالية الصغيرة التي من شأنها أن تسمح لشركات الهاتف النقّال وسلاسل محلات السوبر ماركت، وغيرهما، الدخول في مجال الأعمال المصرفية لتلبية إحتياجات الأفراد والشركات الصغيرة. هناك تمييز واضح بين هذه الكيانات الجديدة والبنوك التجارية القائمة. سيُسمَح لبنوك المدفوعات القيام بخدمات دفع وتحويل الأموال من خلال قنوات مختلفة ولكن لن يُسمَح لها الإضطلاع بأنشطة الإقراض أو إصدار بطاقات الإئتمان. أما بنوك التمويل الصغيرة فسوف تقوم في المقام الأول بالأنشطة المصرفية الأساسية، بما في ذلك قبول الودائع والإقراض للأقسام غير المخدومة وناقصة الخدمة، مثل وحدات الأعمال الصغيرة والمزارعين الهامشيين.
تلقّى بنك الإحتياطي الهندي 72 طلباً لبنوك التمويل الصغيرة، والتي تشمل شركات التمويل الأصغر مثل “خدمات جانالاكشمي المالية” و”أس كي أس” (SKS) للتمويل الأصغر. و41 طلباً لفتح بنوك مدفوعات تشمل شركات محلية كبرى مثل شركة الإتصالات السلكية واللاسلكية الكبيرة “بهاراتي إيرتل”، وشركة الطاقة والبتروكيماويات والتجزئة الكبيرة “ريلاينس للصناعات المحدودة” (Reliance Industries Limited)، التي تخطط لطرح خدمات الإتصالات “جي 4” (4G) بحلول نهاية العام.
“نحن نفهم أنه إستناداً إلى أداء بنوك المدفوعات على مدى بضع سنوات، يمكن أن يُسمَح لها في أن تصبح بنوكاً كاملة الخدمات تماماً، وهذا يمكن أن يفسّر الإهتمام بهذه التراخيص، على الرغم من أن بنك الإحتياط الهندي لم يقل شيئاً عن هذا”، يقول ماخيجاني من “كي بي أم جي” (KPMG).
سبب يدعو للقلق؟
من المتوقع أن تكون الشريحة المُستهدفة من بنوك المدفوعات مختلفة عن البنوك التجارية. من المتوقع أن يكون عملاؤها المستهدفون غير أولئك للبنوك التجارية، أمثال العمال المهاجرين الذين عادة لا يصلون إلى الشبكة المصرفية الرسمية. وبالتالي، بدلاً من النظر إلى بنوك المدفوعات كمنافِسة، فإن البنوك العادية تتطلع إلى التعاون معها. فقد إرتبط “ستايت بنك أوف إنديا” و”كوتاك ماهيندرا بنك” مع “ريلاينس إندستريز” و”بهاراتي إيرتل”، على التوالي، لمبادرتهما في مجال بنوك المدفوعات.
“من غير المرجح أن “تأكل” بنوك المدفوعات أعمال البنوك التقليدية. إنها تخلق نموذجاً من العمل المصرفي الجديد الذي سوف يكون فريداً من نوعه في السوق الهندية”، يقول جايارام من “كوتاك ماهيندرا بنك”. في حين أنه من السابق لأوانه التعليق على الشكل الذي سوف تتخذه بنوك المدفوعات، فإن جايارام يفيد بأن الشركات التي من المحتمل أن تنجح في هذا المجال هي تلك التي لديها شبكات توزيع قوية وعميقة. “من الواضح أن شركات الاتصالات لديها شبكة توزيع أقوى وأعمق اليوم، و”إيرتل” هي الرائدة في السوق”، يقول جايارام. ومبادرة بنك “إيرتل-كوتاك بايمنت” (Airtel-Kotakpayment bank) التي أتمّتها “إيرتل” في حين أن “كوتاك” بإستثمار 19.9٪، صارت مستثمراً مالياً فيها في الوقت المناسب.
تقول بهاتاشاريا: “بنوك المدفوعات هي نوع جديد من الخدمات المصرفية. قيمة الصفقة ستكون صغيرة جداً. نحن بحاجة إلى أن نرى كيف ستتطور”. وتعليقاً على إرتباط “ستايت بنك أوف إنديا” مع “ريلاينس إندستريز”، تقول:” إن العلاقة ستكون لنا في حين أن إستخدام السلسلة سيكون ل”ريلاينس”. لدى “ريلاينس” سلسلة في 22 دائرة من شأنها أن توفر تغطية لعموم الهند. سوف تكون علاقة متوازنة للغاية”.
مع ذلك، يحذّر تيواري من بنك الإتحاد الهندي من أن المنافسة المحتملة بين البنوك التجارية وبنوك المدفوعات لا ينبغي نبذها. “إن البنوك العالمية متجذّرة في قنوات توزيع الطوب وقذائف الهاون التقليدية بحاجة إلى مراقبة بنوك المدفوعات. عندما يمكن القيام بكل الخدمات المصرفية على الإنترنت، فإن متناول المنافسة لم يعد تحددها شبكات الفروع وحدها “، يقول.
مضيفاً: “تراخيص مصرفية جديدة سوف تبشّر بالفعل بمزيد من المنافسة. ومع ذلك، بالنظر إلى مدى تغلغل المصرفية في الهند في الوقت الحاضر [الإئتمان المصرفي إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 55٪]، هناك مساحة كافية لتنمو البنوك القائمة فضلاً عن لاعبين جدد من دون أن تحصل لعبة محصلتها صفر للبنوك القائمة”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.