ماذا حدث لمهرجان أبوظبي السينمائي؟

كان مهرجان أبو ظبي السينمائي منذ إنطلاقته في 2007 يُعتبر أهم مهرجان سينمائي عربي، وعلى الرغم من نجاحاته الكثيرة فقد تم إيقافه فجأة في الشهر الفائت، وبشكل غير متوقع، الأمر الذي أثار تساؤلات حول الأسباب التي دفعت إلى هذا القرار وتأثيره في صناعة السينما في المنطقة.

علي فيصل مصطفى: مخرج إماراتي-بريطاني صور فيلمه في أبو ظبي
علي فيصل مصطفى: مخرج إماراتي-بريطاني صور فيلمه في أبو ظبي

أبو ظبي – عمّار الحلاق

دُعيتُ لأول مرة في العام 2010 لتغطية مهرجان أبوظبي السينمائي، كان يومها تحت إدارة جديدة برئاسة بيتر سكارليت، المدير الفني السابق لمهرجان سان فرانسيسكو الدولي ومهرجان ترايبيكا السينمائي. وقد إعتبرت الدورة الرابعة للمهرجان في حينه على نطاق واسع من الخبراء والنقاد ناجحة بفضل إختيار أفلام جيدة ذات نوعية ممتازة، وإرتفاع مبيعات التذاكر والحضور، إضافة إلى نقد صحافي إيجابي، الأمر الذي أشار إلى ولادة قوة رئيسية في صناعة السينما العربية الناشئة.
بدأ مهرجان أبوظبي السينمائي في العام 2007 بإسم مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في محاولة لتحدّي هيمنة ثقافة دبي. وقد كافح في البداية للعثور على هوية، حيث مَوضَعَ نفسه بإعتباره تظاهرة لعرض الأفلام الدولية في مدينة شابة لا وجود لصناعة سينمائية فيها. هذا التركيز، مع ذلك، تغيَّر مع وصول سكارليت بعد عامين على إنطلاقة المهرجان حيث تحوّل إلى مركز بارز لرعاية وعرض الإفلام العربية ومنبراً لتقديم أفضل الأفلام العالمية للجمهور العربي.
من هذه النقطة فصاعداً، إجتذب مهرجان أبوظبي أفضل ومعظم الإنتاجات السينمائية الرفيعة المستوى في المنطقة ومن جميع أنحاء العالم. وبتقديمه عدد كبير من الجوائز للأفلام المتنافسة بلغت قيمتها مليون دولار، وإتباعه سياسة تقدمية لإقتناء الأفلام العربية والعالمية مجتازاً منافسيه في سخاء صندوقه المالي على السينمائيين العرب المتنافسين، فقد تحوّل مهرجان أبوظبي بسرعة إلى أكبر مهرجان سينمائي في المنطقة، متفوِّقاً على منافسه الشرس في دبي، الذي شهد أسهمه تنخفض بشكل حاد في العام الفائت بسبب سوء برمجته للأفلام والتخفيضات الواسعة في الموازنة، التي أسفرت عن إلغاء منصة الإنتاج المشترك لملتقى دبي السينمائي، وإلغاء أقسام مهمة مختلفة، وخفض عدد الجوائز .
فجأة، إنتهى كل شيء. في 7 أيار (مايو) الفائت، إستيقظ عالم السينما على أنباء مفاجئة بإيقاف مهرجان أبو ظبي. لم تُعطَ أية تبريرات من قبل هيئة المنطقة الإعلامية (twofour54)، المُشرفة على المهرجان، كما لم يصدر أي بيان من مهرجان أبوظبي السينمائي. في الواقع، لم تكن غالبية الموظفين على علم بالإغلاق، وبعضهم علم بالنبأ في يوم إعلانه.
وكان البيان الرسمي ل”twofour54″ أكثر غموضاً، حيث أشار إلى أنه تم “إيقاف مهرجان أبوظبي السينمائي والإنتقال إلى مرحلة جديدة تستهدف تقديم مزيد من الدعم لصنّاع السينما المحلّيين والعرب، وإستقطاب مزيد من الأفلام والأعمال التلفزيونية ليتم إنتاجها في أبوظبي، وتعد هذه الخطوة بمثابة المرحلة التالية في إستكمال ونضوج صناعة السينما في العاصمة”.
لماذا وكيف سيفسح إيقاف مهرجان أبوظبي السينمائي الطريق لهذه المبادرات؟ ما هي هذه المبادرات؟ ما هي هذه المرحلة المقبلة؟ لا يفسّر البيان. ومع ذلك، لمّحت الرئيسة التنفيذية لهيئة المنطقة الإعلامية نورة الكعبي في البيان الصحافي إلى توجّه جديد يمكن ل”twofour54″ أن تسلكه: “على مدى السنوات القليلة الماضية قمنا ببناء قاعدة متينة ومستدامة لصناعة السينما والتلفزيون، وإنه قد آن الأوان لتعميق إلتزامنا بتطوير هذه الصناعة لتواكب المستجدات الحاصلة ولتفي بمتطلبات وإحتياجات مجتمعنا، خصوصاً بعدما حققت صناعة السينما والتلفزيون في أبوظبي خلال الأعوام الماضية قفزات مدهشة، تمثلت في إستقطاب العديد من الإنتاجات العالمية والعربية الضخمة للتصوير في الإمارة خلال عامين فقط، وشملت قائمة هذه المشاريع فيلم “السرعة والغضب7” من إنتاج “يونيفرسال بيكتشرز”، و”حرب النجوم7” من إنتاج “ديزني”، فضلا ًعن المسلسل العربي “الإخوة”، وبرنامج الأطفال “إفتح يا سمسم” وبرنامج ( ET) بالعربي. وقد حققت هذه المشاريع مكاسب إستثمارية كبيرة، وساهمت في زيادة الإعتماد على صناعة السينما والبنية التحتية القائمة في المنطقة (الإعلامبة)، وخلقت فرصاً كبيرة للمواهب المحلية”.
ونوَّهت الكعبي بأن دولة الإمارات حاضرة على خارطة مهرجانات السينما العالمية من خلال مهرجاني دبي السينمائي الدولي، ومهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل
حتى العام 2012، كانت مهمة الإشراف على مهرجان أبوظبي السينمائي منوطة بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وهي جزء من إدارات الفنون والثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تم إلغاؤها والإستعاضة عنها بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة. وقد تم تسليم الإشراف على مهرجان أبوظبي السينمائي لهيئة المنطقة الإعلامية، وهو قرار أثار دهشة بعض المتابعين ووضع على الفور مستقبل المهرجان في خطر على حد بعض التعليقات في حينه. ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لشركة “twofour54” لتقديم مهرجان أبوظبي السينمائي كفائض، سامحةً للتجارة لكي تنتصر على تطور الفن، حسب رأي بعض النقاد.
في العام الفائت، قال عضو بارز في إدارة مهرجان أبوظبي السينمائي لإحدى الوسائل الإعلامية، بشرط عدم الكشف عن هويته، أن التعامل مع المهرجان منذ البداية كان كإستثمار حيث لم يجنِ مردوداً كبيراً – وهذا قد يفسّر بعض الخفض في الموازنة الذي عانى منه المهرجان على طول الخط. وبالتالي يمكن أن يكون بيان شركة “twofour54” يشير إلى وجود تحوّل في التركيز من تطوير ورعاية المواهب العربية لصالح النموذج التجاري الذي يركز على جذب والتعاون مع شركات الإنتاج العملاقة في هوليوود والأعمال الفنية الأكثر محلية السائدة مثل كوميديا علي فيصل مصطفى “من أبوظبي إلى بيروت” أو “من أ إلى ب” (2014 ).
تفيد شركة “twofour54” أن صندوق التنمية ومرحلة ما بعد الإنتاج لمهرجان أبوظبي السينمائي “سند” سيبقى موجوداً في مكانه. ولكن وفقاً لبعض المصادر، فإن مصيره لا يزال في مهب الريح، وهذا هو الجانب الأكثر إثارة للقلق من توقف المهرجان. مثل معظم المهرجانات في جميع أنحاء العالم، كان “سند” يتمتع بمفهوم أساسي: كان من المتوقع من المتلقّين لمِنَحِه في الإنتاج المشترك أن يقوموا بالعرض الأول لأفلامهم في الشرق الأوسط في مهرجان أبوظبي السينمائي. هذا المطلب رفع قيمة الإختيارات العربية للمهرجان وعزز صورته المحلية والدولية. من دون هذا الشرط، ما الذي من شأنه أن يشجّع شركة “twofour54” للحفاظ على “سند” كما هو عليه الآن؟ ماذا ستكون الفوائد التي تعود على الجسم السينمائي مع مثل هذه العقلية التجارية؟
قبل ظهور المهرجانات السينمائية الخليجية في دبي وأبو ظبي والدوحة، كان التمويل لصانعي الأفلام العربية نادرة وصعبة للغاية. خارج مصر، كان معظم صناع السينما في جميع أنحاء المنطقة يعتمدون بشكل كبير على المنح الأجنبية – في المقام الأول من فرنسا وألمانيا – التي حدّت شروطها من موضوعية، وفي بعض الأحيان من جمالية، نطاق عملهم. إن برامج المنح المقدمة من مهرجان دبي وبعد ذلك مهرجان أبوظبي السينمائي مهّدت الطريق لجيل كامل من المخرجين العرب الجدد للظهور والبروز؛ إن رؤاهم لم تكن لتظهر وتبرز من دون دعم مهرجان أبوظبي السينمائي وأمثاله.
الواقع أن مبلغ ال500،000 دولار الذي تقدمه وتمنحه “سند” سنوياً للعديد من المخرجين ساعد على مدى السنوات الست الماضية على تحقيق مشاريعهم، في حين أثبتت الجوائز النقدية السخية التي يقدمها المهرجان على أنها مدماك لمختلف صناع السينما العرب.
من ناحية أخرى، لم يخلُ مهرجان أبوظبي السينمائي من العيوب. في حين أن إختيارات السينما العالمية تعرض الكثير من “الجواهر”، إلا أنها تفتقر إلى روح المغامرة وشعور الإكتشاف اللذين وجدا غالباً في دبي. إن إدراج كبار الفائزين من مهرجانات “كان” و”برلين” و”البندقية” و”كارلوفي فاري” و”سان سيباستيان” في دورة مهرجان أبو ظبي 2014، والرسوم المرتفعة الفلكية لتأمين وضمان تقديم العرض الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعطت في كثير من الأحيان إنطباعاً عن مؤسسة تتباهى ببراعتها المالية. ولم يكن إختيار الفيلم الوثائقي، أي شيء أقل من إبتكاري وإنتقائي، واضعاً مهرجان أبوظبي السينمائي كأفضل مهرجان لعرض الأفلام القصصية في المنطقة.
إن زوال مهرجان أبوظبي السينمائي يحرم المنطقة من واحد من أهم الأحداث المتَّسقة السينمائية في وقت تواجه المهرجانات المنافسة تخبّطاً. إن مهرجان مراكش السينمائي الدولي هو برّاق وساحر لكنه من دون مضمون، لقد وُضِع لتعزيز صورة المغرب كموقع موثوق به لهوليوود والإنتاج الدولي. وقرطاج، أقدم مهرجان في المنطقة، قد يتباهى بجذب أفضل جمهور في العالم العربي، ولكن تركيزه الوحيد على السينما العربية وطبيعة صحافته الناطقة بالفرنسية تضيِّق نطاقه. وعلى الرغم من تجدد وعودة القاهرة في العام 2014، فإن الخلط والتغيير المستمر في الإدارة، والبيروقراطية المنهكة، والنقص في الوسائل والطموح، تقضي على أي إحتمال لها للمنافسة.
وهذا يترك مهرجان دبي بإعتباره البديل الوحيد الجدّي من مهرجان أبوظبي السينمائي. إن تخفيضات الموازنة الملحوظة، وإلغاء أفضل أقسامه، والحدّ من الجوائز جعل دورة المهرجان في 2014 أسوأ الدورات التي قدمها حتى الآن، ومع ذلك، إن إلغاء مهرجان أبوظبي السينمائي قد تؤدي المفارقات إلى إنبعاثه من جديد. إن إعادة العمل في ملتقى دبي السينمائي – أنجح منصة للإنتاج المشترك في المنطقة – قد يحدث تغييراً في المصير لأقدم مهرجان في الخليج، والذي لم يعد لديه أن يتعامل مع منافسه المجاور الذي كان يُعتبر أفضل لاعب في السينما العربية. مع مهرجان كبير واحد يمثل دولة الإمارات العربية المتحدة الآن، يمكن للحقن النقدي الذي من شأنه أن يعيد بعض أقسامه المضغوطة ويوسع قائمته الحالية من الجوائز النقدية أن يعيد العز إلى مهرجان دبي.
وإذا توقفت عمليات “سند”، يمكن لمعهد الدوحة للأفلام أن يبرز ويسد هذه الفجوة. بعد إيقاف مهرجانه، فقد تحوّل هذا المعهد إلى التركيز على الإنتاج داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أن نوعية الأفلام التي ينتجها تجعله لاعباً ثابتاً إنفرادياً في الخليج الآن.
إذا كان التاريخ قد علّم أي شيء للعالم العربي عن الفنون والسياسة والثقافة، فحتى مصير معهد الدوحة للأفلام – الذي يواجه أيضاً تغييرات لا تعد ولا تحصى في الإدارة والإستراتيجية – ليس آمناً أو مضموناً. كما أن مصير مهرجان دبي – الذي يتطلب عملية تجميل كبرى لإستعادة مكانته كمكان العرض الأول في المنطقة للسينما العربية – سيحدّد ما إذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة جادة في دعم السينما العربية. مع ذلك، إن إنعدام الشفافية والتغييرات المستمرة في السياسة ونطاق العمليات، فضلاً عن رفض أي نقد، لا يبشّر بالخير بالنسبة إلى مستقبل هذه الصناعة التي تحتاج إلى الوقت والصبر والحرية والإحساس الواضح للإتجاه المقبل من العمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى