هل نجح مؤتمر التنمية الإقتصادية في مصر أم فشل؟
القاهرة – هدى أحمد
كان العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز أول من دعا إلى مؤتمر التنمية الإقتصادية في مصر كوسيلة لدعم القاهرة وحكومتها الجديدة بعد إسقاط الرئيس محمد مرسي في حزيران (يونيو) 2013. وكانت الخطة تقوم على توفير منتدى يمكن من خلاله أن تنسّق الجهات المانحة مساعداتها الإقتصادية. وقد تُوِّجت الإستعدادات الطويلة أخيراً في حدث منظّم تنظيماً جيداً في شرم الشيخ بين 13 و15 آذار (مارس) الفائت. وعلى الرغم من أن المشككين أشاروا إلى أن قادة الخليج وحدهم سيحضرون، فقد حضر المؤتمر في الواقع ممثلون من أكثر من 112 بلداً. وشمل ما يقرب من 2،000 مندوب من كبار المديرين التنفيذيين من الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى، وكذلك كبار المسؤولين في المنظمات الإقليمية والدولية الإقتصادية.
التحليل الموضوعي للمؤتمر يبدو معقّداً بسبب التوقعات المتطرفة -العالية والمنخفضة- التي أحاطت به. بعض المراقبين إعتبر الحدث مؤتمراً لإنقاذ الإقتصاد المصري المضطرب (رأيٌ رُحِّب به من قبل النظام وغذته الدعاية الإعلامية)، في حين أن المشكّكين كانوا على إستعداد لإعلان فشله.
في أعقاب المؤتمر، إستمرّ النقاش. الحضور القوي والتعهدات الرائعة للدعم الإقتصادي من قبل القادة السياسيين ورجال الأعمال من مختلف أنحاء العالم يبدو أنه أحيا وأنعش مستوى التفاؤل بشكل لم تعرفه مصر منذ العام 2011. وخلال المؤتمر، أصبح، “أفتخر بأن أكون مصرياً”، الشعار الذي رافق ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، شعبياً مرة أخرى. لكن بعض المراقبين وضع علامات إستفهام حول إنجازات المؤتمر الجذابة، بحجة أن مجموعة الدعم المالي ليست إلتزامات صارمة ومؤكدة في الواقع، وبأن الشروط فضّلت المستثمرين الأجانب على حساب العمل والعمال في مصر، وأن جدول الأعمال الإجتماعي لم يُعطَ إهتماماً كافياً.
هل نجح المؤتمر؟ هل أن النظام يبالغ بالفوائد التي ستجنيها البلاد من المؤتمر؟ أو هل أن النقاد كانوا غير منصفين للذم ونقد النتائج؟ الجواب، ليس مستغرباً، يبدو قليلاً من كل سؤال على حد سواء.
على الجبهة السياسية، أثبت المؤتمر أنه كان ناجحاً بكل المقاييس. إن الحضور القوي أشار إلى تأكيد المجتمع الدولي على شرعية النظام.
بعضٌ من الفضل في هذا يذهب إلى الديبلوماسيين المصريين، الذين عملوا بجد للنقل والتسويق إلى العالم الخارجي أن إطاحة مرسي تعكس الإرادة الشعبية.
على الصعيد الإقتصادي، إن إبداء رأي قاطع هو أكثر تعقيداً. إذا كان معيار النجاح يتم تعريفه في تعابير ضيِّقة، تحديداً بالتغلب على مشكلة النقد الأجنبي وإستعادة ثقة المستثمرين، فإن المؤتمر حقق أهدافه. التعهدات لتوفير كميات من الدولارات تمثل أدلّة حيّة في هذا الصدد، حيث بلغت 12.5 مليار دولار مقسّمة بالتساوي بين إستثمارات وودائع في البنك المركزي والتي تتجاوز 35 مليار دولار في مذكرات تفاهم وإتفاقات حول مشاريع مستقبلية أخرى. لقد أبدت الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى إستعدادها من جديد للإستثمار في مصر، مخصّصةً مبالغ محددة وموقِّعة عقود على هامش المؤتمر. ووافق المستثمرون الأجانب على دعم مشاريع إقتصادية ضخمة جديدة للحكومة المصرية، مثل التوسع في قناة السويس، وتطوير منطقة المثلث الذهبي، وبناء عاصمة جديدة. وكانت بلا شك هذه الشركات مُطمئنة في جزء من قانون الإستثمار الجديد، الذي يتضمّن تبسيط وتخفيض ضريبة المبيعات على السلع الرأسمالية، والمصادقة على قانون الخدمة المدنية قبل فترة قصيرة من إنعقاد المؤتمر، مما يشير إلى إلتزام النظام بالإصلاح القانوني والإداري. وبعبارة أخرى، كمؤتمر للمانحين، فقد نجح بشكل جيد.
لكن الإقتصاد المصري يواجه تحديات معقّدة، ليست كلها يمكن حلها من طريق الزيادة في الإستثمار. لقد تمّ الإعلان في المؤتمر عن برنامجين للتحويلات النقدية الجديدة التي تستهدف الفقراء، وقد شهدت مصر تحسناً مطرداً في نظام البطاقة التموينية ودعم الخبز، ولكن أشار النقاد إلى أن جدول الأعمال الاجتماعي، بما في ذلك الإستراتيجيات لتخفيف حدة الفقر، لم تحصل تقريباً على ما يكفي من الإهتمام في المؤتمر. وقد أعرب آخرون عن قلقهم إزاء حقوق العمال، وخصوصاً في ضوء التنازلات التي منحها قانون الإستثمار الجديد إلى المستثمرين. (هناك قانون جديد للعمل قيد التحضير، ولكن حتى الآن لم يتم الإعلان عن معالمه).
وذكر النقاد أيضاً أن الثغرات الموجودة في قانون الإستثمار الجديد سيسمح للمستثمرين الإستفادة بشكل غير متناسب من الصفقات، مستشهدين، على سبيل المثال، ببند يمنع أي طرف ثالث من تحدّي عقد الخصخصة أمام المحاكم. وعلاوة على ذلك، فقد وصفوا الحد من سقف ضريبة الدخل تنازلاً غير ضروري للمستثمرين على حساب الجمهور الأوسع.
مثل هذه القضايا يمكن وينبغي مناقشتها، وهناك بشكل واضح حاجة إلى المزيد من الإصلاحات. السياسات النقدية والمالية ينبغي تنسيقها بشكل أفضل، ويجب التغلب على الفساد وتجاوز البيروقراطية الخانقة، ويجب إعادة النظر في الأثر الإجتماعي الآتي من توسيع حقوق المستثمرين. ومع ذلك، لم يكن من الممكن أن نتوقع من المؤتمر “إصلاح” الإقتصاد المصري. إن الحكومة نفسها غذّت من دون قصد مثل هذه الإنتقادات من خلال وضع توقعات عالية بشكل غير واقعي، وتشجيع تقارير مثيرة في وسائل الإعلام. وبالتالي، ليس من المستغرب أن بعض المصريين أصيب بخيبة أمل من النتائج الفعلية للمؤتمر.
الواقع أن الحكم على مؤتمر التنمية الإقتصادية في مصر سيتم في نهاية المطاف وفقاً لأداء الإقتصاد بشكل عام. ولذلك، فإن المؤتمر ليس مؤهلاً بعد لإعتباره نجاحاً كبيرا أو فشلاً، بل خطوة أولى كبرى تحتاج إلى أن تليها خطوات أخرى مهمة لضمان النمو الإقتصادي الشامل. وتشمل هذه التدابير تحسين رصد وتقييم المشاريع المعلن عنها، بما في ذلك تلك التي قُدِّمت في المؤتمر والشفافية بشأن وسائل وطرق تمويل هذه المشاريع، وإنفاذ القوانين الحالية (وليس بالضرورة وضع أخرى جديدة)، وتحسين آليات المساءلة للسلطة التنفيذية، وخصوصاً في ضوء غياب البرلمان، وإنشاء نظام قضائي فعّال وسريع. ومن دون مصاحبة الإصلاحات المؤسسية، فإن مؤتمر التنمية الإقتصادية سيكون بمثابة رفع سياسي في المدى القصير بالنسبة إلى الحكومة الحالية، وإمكانات مصر الإقتصادية – التي وضعها المؤتمر قيد التركيز الشديد– ستبقى حبراً على ورق.