مناخُ المَغرب: جافٌ شتاءً وحارِقٌ ربيعًا

يُعَدُّ المغرب واحدًا من أكثر بلدان شمال أفريقيا تأثّرًا بتغير المناخ، ما دفع البلاد لعمل إجراءات للتكيّفِ معه ولتخفيف تداعياته، لكن صعوبات عدة تعتري هذا المسار.

من الشعارات التي تنشرها الدولة للمحافظة على الماء

سكينة نايت الرايس*

من الظواهر التي شهدها المغرب في الآونة الأخيرة، موجة الحرّ غير المسبوقة التي سُجِّلت خلال فصل الربيع، حيث تراوحت درجات الحرارة ما بين 38 و43 درجة مئوية في عدد من أقاليم المملكة، خلال شهر أيار/مايو الماضي.

إلى جانب ذلك، عرفَ المغرب خلال الأسبوع الأخير من شهر نيسان/أبريل طقسًا مُماثلًا، مع تسجيل درجات حرارة تراوحت ما بين 37 و45 درجة مئوية في وسط وجنوبي وفي الجنوب الشرقي للبلاد، ما عكس اضطرابات في طقس فصل الربيع الذي يتميز عادة بدفئه التدريجي.

حسب مُعطيات صادرة عن المديرية العامة للأرصاد الجوية، فإن موجات الحرّ الشديدة المسجّلة في بعض مدن المملكة خلال فصل الربيع تجاوزت المعدل الموسمي بمقدار 5 إلى 13 درجة، وهذا يعود إلى نشاط المنخفض الحراري الصحراوي الذي تسبّب في توليد تيار جنوب شرقي حمل معه الهواء الساخن والجاف من الصحراء الكبرى نحو المغرب، ما تسبب في ارتفاع درجات الحرارة في معظم مناطق البلاد، وخصوصًا في الجنوب، والوسط، والمناطق الداخلية والشرقية.

لا تقف الظواهر الجوية التي شهدها المغرب في الفترة الأخيرة عند هذا الحد، حيث مرت المملكة بشتاءٍ عصيبٍ تميَّزَ بضعف التساقطات المطرية، إذ تشيرُ تقاريرٌ رسمية إلى أنَّ الأمطار المسجَّلة خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2023 عرفت تراجعًا مهمًّا، فيما انخفض مخزون المياه على مستوى السدود التي لا تتعدى نسبة ملئها الإجمالية 33.12 في المئة، أي ما يشكّلُ 5,339 مليون متر مكعب، وفقًا لمعطياتٍ صادرة عن وزارة التجهيز والماء في 6 حزيران/يونيو 2023.

إرتباطٌ وثيقٌ بتغيّرِ المناخ

يرى مصطفى بنرامل، الخبير في المجال البيئي والتنموي والمناخي، أنَّ الظروفَ الطبيعية المُقلقة التي يعيشها المغرب، بما فيها الجفاف وقلة التساقطات المطرية خلال فصل الشتاء وارتفاع درجات الحرارة في الربيع، ناجمة عن تغيّرِ المناخ بدرجةٍ أولى، وهذا يوجب التعجيل بسنِّ تشريعات وأخذ تدابير ملموسة من أجل مواجهته.

أوضحَ بنرامل أنَّ التساقطات المطرية التي شهدها المغرب بشكلٍ متفرّق خلال فصل الشتاء لم تكن كافية لتلبية احتياجات البلاد التي ترزح تحت وضعية مائية مقلقة، نظرًا لانجراف أغلب مياه الأمطار خلال فترة وجيزة عبر الأنهار إلى البحر.

أمّا في ما يخصّ ارتفاع درجات الحرارة، فقد ربطه الخبير المناخي بارتفاع نسبة الغازات الدفيئة في الهواء بسبب الأنشطة البشرية والصناعية التي تعتمد على الطاقة الأحفورية، وكذا اختفاء نسبة كبيرة من الغابات وارتفاع نسبة التمدن والنمو الديموغرافي، مُبرزًا أنَّ هذه العوامل أدت إلى اختفاء المؤشرات التي كانت تُخزّنُ الغازات الدفيئة وثاني أوكسيد الكربون في المجال الطبيعي، وبالتالي ظهور نسبة كبيرة منها في الهواء.

يُعتبرُ الجفاف ونقص المياه والموارد الطبيعية من بين التأثيرات المباشرة للظواهر الجوية المتطرفة التي تشهدها المملكة المغربية، وهو الأمر الذي يرخي بظلاله على الزراعة والري واحتياجات المياه للسكان والصناعة، كما يؤثر في الثروة الحيوانية ويتسبّب في فقدان التنوّع البيولوجي وتدهور البيئة الطبيعية.

محاولات للصمود

يَبذُلُ المغرب جهودًا حثيثة للصمود في وجه التغيّرات المناخية من خلال تعزيز استخدام الطاقة المتجدّدة بشكلٍ كبير، حيث أنشأ أحد أكبر المشاريع الشمسية في العالم، وهو محطة “نور” الشمسية في ورزازات، كما يشجّعُ على توفير كهرباء نظيفة من مصادر الطاقة الريحية والهيدروليكية، فيما يعمل المغرب على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 42 في المئة بحلول العام 2030، مع تحفيز المواطنين على استخدام النقل النظيف وتقوية البنيات البشرية والتقنية لرفع جودة الإنذار المبكر تجاه الظواهر الجوية القصوى مثل الفيضانات وموجات الحر الشديد عبر تعزيز شبكة الرصد الأرضي والجوي ووسائل الاستشعار عن بعد.

هذه الجهود ستمكن المغرب من الصمود نسبيًا في وجه ما يتهدّده من أزمات مناخية، لكن الطريق لا يزال طويلًا أمام المملكة التي تحتاج إلى اتخاذ إجراءاتٍ إضافية، من قبيل تبني سياسات مناخية إقليمية، عبر إعداد مخططات تراعي الخصوصية البيئية الطبيعية والمناخية لكل جهة من جهات المملكة على حدة، فضلًا عن إدراج البُعدِ المناخي في برامج الجماعات الترابية (البلديات) وجداول أعمالها.

إضافةً إلى ذلك، يحتاج المغرب إلى تعزيز إدارة الموارد المائية وتطوير التقنيات المتقدمة للحفاظ على المياه وترشيد استخدامها، فضلًا عن دعم الزراعة المستدامة والتنوّع الزراعي لتحسين الإنتاجية والاستدامة في ظل التغيّر المناخي، وكذا تكييف التخطيط العمراني للمدن والمناطق الساحلية لمواجهة آثار التغيّر المناخي.

ينبغي التركيز أيضًا على جعل الإنسان في صلب السياسات المناخية التي يقرها المغرب بغية تحقيق صمود أكبر في وجه التغيّر المناخي من خلال رفع الوعي بالقضايا البيئية لدى مختلف شرائح المجتمع، وإدراج القضايا ذات الصلة في المناهج التربوية والبرامج التعليمية، فضلًا عن تحفيز الابتكار والتكنولوجيا النظيفة وتعبئة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المهتمة بالشؤون البيئية والمناخية.

لا يزال تنفيذ هذه المقترحات على أرض الواقع بعيدًا إلى حدٍّ ما، إذ يواجه المغرب صعوبات عدة تؤخر تنفيذ السياسات المناخية التي يصبو إليها، من ضمنها محدودية الموارد المالية وضعف البنية التحتية التي تُشكّلُ مَدخلًا رئيسًا لتحقيق التكيّف مع التغيّر المناخي وتقليل الانبعاثات، إضافةً إلى الضغوط التي يفرضها مدى ملاءمة الأهداف المناخية مع الأولويات الاقتصادية والتنموية. ومع ذلك، فقد أحرز المغرب تقدّمًا ملحوظًا نحو المرونة المناخية – ولكن مع تزايد تواتر الظواهر الجوية المتطرفة، ليس أمامه خيار سوى القيام بالمزيد.

  • سكينة نايت الرايس هي صحافية مغربية حاصلة على الماجستير في الصحافة والإعلام، مهتمّة بقضايا البيئة والجندرة والهجرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى