الثروة النفطية في لبنان: آفاقٌ غامضة

بقلم البروفسور جاسم عجاقة*

كان لإمتلاك لبنان ثروة هيدروكربونية أثاراً إيجابية على المواطن اللبناني الذي أخذته أحلامه إلى عالم آخر مغاير للحقيقة المُرّة التي تتمثّل بإنقسام داخلي حاد على ملف النفط. وكأن هذا الإنقسام لا يكفي، فقد أتى الإحباط من أسعار النفط والغاز العالمية والتي بدأت تُلقي بظلالها السوداء على مستقبل هذه الثروة.
في العام 2010، قامت وكالة المسح الجيولوجي الأميركية “USGS” ببحث “سيزمي” (زلزالي) في ثلاث طبقات جيولوجية في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسط، واحدة منها تُغطي قسماً من اليابسة في لبنان، والإثنتان الباقيتان تشملان قعر البحر على أعماق مختلفة. وتوصلت الوكالة إلى أن النفط والغاز موجودان بإحتمالات عالية في البر والبحر. وقدرت الـ”USGS” أن حجم النفطِ المتوسطي غير المكتشفِ هو حوالي 1,689 مليون برميل. أما الغاز غير المكتشف، فيبلغ حجمه المتوسطي الكليّ 122,378 مليار قدمُ مكعّبة. وأخيراً الغاز السائل الذي يبلغ حجمه المتوسطي الكليّ 3,075 مليون برميل. وبحسب الوكالة، تُمثّلُ هذه التخميناتِ النفط القابل للإسترداد تقنياً وليس إقتصادياً. هذه الأرقام دفعت بإسرائيل إلى البدء بالتنقيب عن الغاز في عرض البحر وإستطاعت إكتشاف حقول هائلة مما زاد الأمل لدى اللبناني بوجود ثروة كبيرة في أراضيه البرية والمائية.
وإذا كانت إسرائيل وقبرص سارعتا إلى التنقيب عن هذه الثروة، فقد أخذت الإنقسامات الداخلية في لبنان بتعطيل عملية المضي في طريق التنقيب حتى قبل البدء بها. فقد إستطاعت الحكومة بصعوبة كبيرة تعيين هيئة قطاع النفط بعد أكثر من عام على إقرار قانون التنقيب عن النفط في البحر ولم تستطع حتى الساعة (أي بعد مرور 5 أعوام على إقرار القانون) من إقرار مرسومي تقسيم المنطقة الإقتصادية الخالصة إلى رقعٍ بحرية ودفتر شروط تلزيم التنقيب. وهذا الأمر يُظهر فقدان الدولة اللبنانية لنظرة إستراتيجية لهذه الثروة محورها الإنماء الإجتماعي والإقتصادي.
ومع هبوط أسعار النفط والغاز، إستطاع الإقتصاد اللبناني، كما والمالية العامة، أن يتنفسا الصعداء مع خفض الكلفة الحرارية السنوية والبالغة 5 مليارات دولار لـ 5,56 ملايين طن من المشتقات النفطية (2013). لكن وفي الوقت عينه، بدأت الأسئلة تُطرح حول مصلحة لبنان في تلزيم التنقيب عن النفط في إطار إنخفاض قوي في الأسعار حيث إنخفضت أسعار الغاز إلى النصف منذ أوائل العام 2014 وحتى اليوم (للتذكير فإن الثروة الأساسية في لبنان هي ثروة غازية).
كما أن مشروع مدّ أنبوب غاز في البحر من جنوب شرق قبرص إلى إيطاليا والذي تشترك به دول إقليمية وأوروبية عدة كقبرص، إسرائيل، اليونان وإيطاليا، يُعتبر الخسارة الأكبر للبنان في ظل رفض لبنان الإشتراك في هذا المشروع الذي تشترك فيه تل أبيب. ويبقى السؤال عن قدرة لبنان على تصدير غازه إلى السوق الأكثر إحتمالاً – أي أوروبا – في ظل ارتفاع الكلفة عليه إن عبر البواخر أم عبر إستئجار كوتا في أنابيب موجودة.
أضف إلى ذلك المشكلة المحتملة على تحديد الحدود الشمالية للمنطقة الإقتصادية الخالصة مع سوريا التي، بحسب المعلومات، بدأت عملية تنقيب فيها بواسطة شركة روسية وصولاً إلى حدود هذه المنطقة مع لبنان، مما يعني إحتمال التعدّي على المنطقة اللبنانية الإقتصادية الخالصة. وسبب هذا الإعتقاد بسيط ويأتي من منطلق تعطش الشركة لإستخراج الغاز.
وتبقى المشكلة الأكبر في لبنان على الصعيد الداخلي حيث تقتصر نظرة المسؤولين الإستراتيجية للنفط على سد الدين العام اللبناني، ولا تشمل الإنماء الإجتماعي ولا الإقتصادي، والدليل غياب أي مُستند رسمي يُحدّد الخطوط الكبرى لهذه الإستراتيجية، ما يعني أن الأموال التي سيجنيها لبنان من هذه الثروة ستقتصر على الدخول في الموازنة العامة – أي زيادة المداخيل. وفي غياب الموازنات العامة، سيكون إستخدام هذه الأموال للشق الإنفاقي فقط لا غير!
وكأن كل هذه المشاكل لا تكفي لبنان، فقد أستورد اللبنانيون ببراعتهم السياسية، الآتون السوري – الداعشي إلى الشارع اللبناني الذي يعيش على هاجس العمليات العسكرية في سوريا. فكل الإعتداءات التي تطال الدولة اللبنانية تدفع بالشركات العالمية إلى التروّي في الإلتزام في عملية التنقيب التي وبحسب المؤشرات ستطول حقبة إنطلاقها.
ويبقى في الأخير السؤال الجوهري: هل للبنان مصلحة في إطلاق عمليات التنقيب في ظل الأجواء التي تعصف به؟ الجواب عن هذا السؤال ليس بالسهل، لكن بعض المؤشرات يُشير إلى أهمية التروي في هذه العملية خصوصاً أن الكثير من العوامل ليست لصالح لبنان. ومن هذه العوامل يُمكن ذكر: غياب صندوق سيادي لإستيعاب مداخيل هذه الثروة، والإفتقار إلى شركة نفط وطنية تلعب دوراً أساسياً في نقل المعرفة إلى لبنان، وعدم وجود إستراتيجية إنمائية إجتماعية وإقتصادية تتمثل بتوزيع لمداخيل الصندوق…
وفي الختام يبقى الضمانة التي ينبغي بموجبها أن تدفع الشركات الأجنبية حصة الدولة من إستخراج الغاز والنفط والتي لا توجد في ظل الآلية الموضوعة حالياً في مرسوم دفتر شروط تلزيم التنقيب عن النفط. فالشركات العالمية ليست حالياً في وضع يسمح لها بدفع أموال وحتى لا رغبة لديها في ظل الوضع الإقتصادي العالمي. هذا الأمر تُثبته الدراسات الصادرة عن مكاتب الدراسات العالمية ويطرح سؤالاً حول أهلية الخبرات القانونية اللبنانية التي تتعاطى حالياً في هذا الملف. كل هذا يجعل آفاق الثروة النفطية في لبنان غامضة ومُتعلقة بشكل رئيسي بتسويات إقليمية ودولية.

• خبير إقتصادي وإستراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى