هبة طوجي بين مجد المسرح الرحباني وبريق العالمية الزائف!

بقلم جوزف قرداحي

في حديث صحافي سابق لي مع الفنان الكبير منصور الرحباني نشرته يومها مجلة “اليقظة” الكويتية سألته: “يؤخذ على مسرحكم أنه لا يصنع نجوماً كباراً، بل أعمالاً كبيرة. الأمر الذي يجعل المنتمين إلى مسرحكم الرحباني يشعرون بالغبن. وخصوصاً أن عدداً من الذين تعاونوا معكم ظلّوا أسرى “القمقم” الرحباني لا يستطيعون الخروج منه، مثل رونزى التي لم تحلّق خارج مسرحكم، وهدى التي لم تنتشر أغانيها خارج إطاركم، وغسان صليبا الذي ربح مجد المسرح الرحباني وخسر النجومية الغنائية، بحسب المفهوم الشعبي للغناء، فما هو ردك؟”.
سألني بدوره قبل أن يجيب: “الأعمال التي قمنا بها، من كان أبطالها؟
قلت له: “فيروز ونصري شمس الدين طبعاً”. فقاطعني متسائلاً: “وفيروز هل كانت مشهورة عندما جاءت من بيتها إلى مسرحنا؟ ونصري شمس الدين هل كان مشهوراً قبل مسرحنا؟”.
بالطبع لا…
فإستطرد قائلاً: “إذن أعمالنا المسرحية هي التي صنعت نجومية فيروز ونصري شمس الدين وغيرهما (يتابع) وقس على ذلك عشرات الفنانين الذين خرجوا من مسرحنا، وهم يملأون ساحات الغناء بأصواتهم اليوم”.
شئتُ أن أبدأ بهذه المقدّمة أعلاه، وذلك لمصادفة حدوث مناسبتين ترتبط الواحدة منهما بالأخرى وإن بشكل غير مباشر. المناسبة الأولى، هي الذكرى السادسة لغياب الفنان منصور الرحباني التي لم تمرّ في وسائل الإعلام مرور الكرام والمكرمين التي تليق بفنان كبير من هذا الحجم، بل كانت ذكرى الغياب تجاهلاً أكثر قسوة من الغياب نفسه، سواء على صعيد الدولة الممثلة بوزارة ثقافتها المشغولة برعاية حفلات التكريم التي ينظمّها مهرجون وسماسرة وتجار. أما المناسبة الثانية فهي إشتراك المغنية الصاعدة (التي أطلقها هذا الراحل الكبير في مسرحه وصنع منها نجمة مطلقة في سرعة قياسية) هبة طوجي، في برنامج الهواة “The Voice” بنسخته الفرنسية، والضجة الإعلامية الكبيرة التي أُثيرت حول إشتراكها، وما رافقها من آراء وتعليقات بين مؤيد ومعارض أو مصفق وخائب.
لعل المصادفة، أن تشترك نجمة مسرح منصور الرحباني في برنامج للهواة، في اليوم نفسه الذي أقامت عائلته قداساً إحياء لذكراه، لم يحضره سوى عدد ضئيل من أصدقاء العائلة والمقربين. الأمر الذي رسم الكثير من علامات الإستفهام حول الحكمة والهدف من وراء إشتراك نجمة أرادها منصور الرحباني أيقونة جديدة لمسرحه قد تحتلّ مكانة خاصة في وجدان فن المسرح الغنائي اليتيم من كل المبادرات المماثلة؟! وبالتالي طرح أكثر من سؤال، عما إذا كان يحق لنجمة أجلسها منصور الرحباني على عرش المجد الرحباني، أن تتخلّى عن كل هذا المجد لتقف أمام لجنة فاحصة، طمعاً ببعض التصفيق؟! ومن أُعطِيَت مجد الفن الرحباني، هل يحق لها أن تستبدله بكل جوائز العالم؟!
في المقابل، دافعت أصوات كثيرة عن حق طَوَجي في الطموح إلى العالمية، واللجوء إلى كل الوسائل التي تتيح لها تحقيق أحلامها. فالغاية بحسب تلك الآراء تبرر الوسيلة، ولا سيما أن وقوفها أمام لجنة من مستوى المغني الفرنسي فلوران بانييه، أو المغني البريطاني اللبناني الأصل مايكل بينيمان (ميكا)، أوجينيفر يائيل بارتولي ذات الأصول الجزائرية الإيطالية، أو زازي عارضة الأزياء الفرنسية المتحوّلة إلى الغناء، لن يقلل من مستوى نجوميتها وبالتالي لن يشوّه صورة المسرح الرحباني الذي تبناها ورعاها ومنحها كل رصيده، لا بل سيحمل صوتها إلى العالم الأوسع، من خلال إنبهار اللجنة بصوتها وإستداراتهم نحوها بهذه السرعة الفائقة، وثنائهم على صوتها المتمكّن. وهو الإنبهار نفسه الذي حصل مع ألين لحود من قبلها وأنطوني توما قبل أن يعودا خائبين، مع وابل من شتائم الجمهور اللبناني الذي لم يتردّد في إتهام اللجنة المنبهرة نفسها، بالعنصرية والتآمر والغباء.
أنا أحب هبة طوجي، وأسبح سكراناً في هذا البحر الشاسع في صوتها الهادر والنقي والقادر على كل المقامات الموسيقية، من أعلاها حتى أدناها. ولكن هل تحتاج نجمة غنائية بحجم مسرح منصور الرحباني حقاً أن تقف في مباراة للهواة أمام لجنة لن تمنحها سوى التصفيق الذي تمنحه بالمستوى نفسه لكل هواة البرنامج؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى