هل إنخفاض أسعار النفط موجه ضد روسيا وإيران؟
إنخفضت أسعار النفط بشكل حاد في 14 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت مع إنخفاض العقود الآجلة للنفط الخام 4.6 في المئة الى 81،84 دولاراً للبرميل – وهو أكبر إنخفاض منذ أكثر من عامين. وإنخفض خام برنت بأكثر من 4 دولارات للبرميل في فترة واحدة في اليوم، منخفضاً دون ال85 دولاراً للمرة الأولى منذ العام 2010. ورغم أن ذلك يعتبر هبوطاً كبيراً نسبياً، فهو جزء واحد فقط من إتجاه مستمر تتبعته “أسواق العرب” على مدى الأشهر القليلة الماضية. وتشمل العوامل وراء التراجع في الأسعار ضعف الطلب، ووفرة المعروض، والحقيقة أن العديد من المنتجين الكبار في الشرق الأوسط يتردد في خفض إنتاجه.
التقرير التالي يفصّل الأسباب وراء إنخفاض الأسعار، وكيف يمكن للإنخفاض في الأسعار أن يؤثر في الدول المعتمدة على النفط في جميع أنحاء العالم.
لندن – محمد سليم
إنخفض المؤشر العالمي لنفط الخام “برنت” في الشهر الفائت إلى أدنى من 85 دولاراً للبرميل قبل أن ينتعش إلى نحو 90 دولاراً، وهو أدنى سعر منذ منتصف العام 2010. جاءت أحدث عمليات البيع في أعقاب واحد من أشد الإنخفاضات في ربع واحد سنوي في الأعوام الأخيرة، حيث هبط سعر النفط حوالي 16 في المئة. قد يكون من السابق لأوانه توقع إستمرار أسعار النفط الدولية بأقل من 90 دولاراً للبرميل، ولكن إذا بقي سعر النفط قريباً من حيث هو عليه الآن، فإن بلداناً عدة مصدّرة للبترول ستشعر بالألم بعد إعتماد موازناتها على توقعات الأسعار السابقة للنفط.
وببساطة، إن سوق النفط قد عرفت تكدّساً وتراكماً. بعدما أمضت معظم العام تنتج فقط حوالي 200،000 برميل يومياً، فقد شهدت ليبيا إنتاجها يقفز إلى نحو 700،000 برميل يومياً منذ منتصف حزيران (يونيو) الفائت. من جهتها واصلت الولايات المتحدة توسّعها الذي لم يتوقف في إنتاج النفط، مع أحدث أرقام تقديرات وكالة معلومات الطاقة تفيد بأن الإنتاج الأميركي قد إزداد بحوالي 300،000 برميل يومياً منذ بداية آب (أغسطس) الفائت، كما عرف العراق مكاسب مماثلة. وقد شهدت روسيا وأنغولا ونيجيريا أيضا تعزيزاً ملحوظاً في الإنتاج. في حين أن معظم الزيادة في الإنتاج الأخيرة حصل في وقت واحد، فإن أميركا الشمالية يمكن أن تضيف مليوناً إلى مليون ونصف مليون برميل أخرى من الانتاج في السوق بحلول نهاية العام المقبل.
على الرغم من هذه الزيادات الجديرة بالملاحظة في إنتاج النفط، فإن تباطؤ الطلب من قبل المستهلكين الأوروبيين والآسيويين (خصوصاً الصين) أثبت على أن له قدراً من الأهمية بالنسبة إلى أسعار النفط. في حين أن الطلب في الصين سوف يستمر في النمو، فإن الطلب في البلدان المتقدمة سوف يظل ثابتاً، كما كان لفترة من الوقت. وقد أضيف إلى هذه العوامل القلق من ترِك الوضع على حاله من دون مراقبة، وإستمرار تراوح أسعار برميل النفط بين 90 و100 دولار في المستقبل المنظور.
إن إنخفاض أسعار النفط العالمية سوف يخلق تحديات للعديد من الدول المنتجة من منظمة “أوبك” وغيرها، وخصوصاً روسيا. في حين إقترح البعض أن تخفّض “أوبك” أهداف إنتاجها، فإنه قد لا يكون لديها القدرة أو الوحدة لتنسيق إنخفاض كبير بما فيه الكفاية في الإنتاج لمواجهة الإتجاهات في أماكن أخرى ورفع الأسعار إلى مستوى مرغوب فيه (فوق 100 دولار للبرميل). وإذا عادت أسعار النفط إلى هذا المستوى في المستقبل القريب، فمن المرجح أن لا يحدث ذلك بسبب تحركات “أوبك”.
المواجهة بين روسيا والغرب
النتيجة الأولى والأكثر أهمية لإنخفاض أسعار النفط تكمن في الأثر الذي سيتركه على الصراع الدائر بين روسيا والغرب. من المعلوم أن سلع الطاقة تهيمن على الإقتصاد الروسي، وخصوصاً صادراتها. لذا فإن أي إنخفاض مستمر في أسعار النفط سيؤثر مباشرة في عائدات التصدير للبلاد، وسيتلقى الناتج المحلي الإجمالي لروسيا ضربة كبيرة. لقد إستندت موازنة الكرملين للعام 2014 على سعر متوسط للنفط يبلغ 117 دولاراً للبرميل لمعظم السنة، بإستثناء سعر 90 دولاراً للبرميل في الربع الرابع من السنة. بالنسبة إلى العام 2015، مع ذلك، فقد إعتمدت الموازنة على سعر 100 دولار للبرميل بعد الكثير من النقاش داخل القيادة الروسية. في حين أن لدى موسكو إحتياطات مالية كبيرة، ويمكنها أن تتكبّد عجزاً في الموازنة إذا لزم الأمر، فقد قدّر مسؤولون في وزارة المالية أن إنخفاض أسعار النفط يمكن أن يحلق 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في بلاد فلاديمير بوتين.
على الرغم من أن روسيا كانت قادرة على تجاوز آثار العقوبات الأميركية والإتحاد الأوروبي حتى الآن بسبب تدخّلها في أوكرانيا، فإن القيود قد أدت فعلياً ببعض الشركات، مثل شركة “روسنفت”، إلى طلب المساعدة المالية من صندوق الثروة الوطنية في البلاد. إن إنخفاضاً في أسعار النفط، وبالتالي تدنّي الإيرادات للموازنة الروسية، سوف يقيِّدان قدرة الكرملين لدعم الشركات الروسية التي تضررت بسبب العقوبات طوال مدة فرضها. مع وسادة مالية أقل للتخفيف من تبعات العقوبات على المدى الطويل، فإن على الكرملين أن يتخذ موقفاً أكثر إعتدالاً في المفاوضات الجارية حول مستقبل أوكرانيا لتلبية مطالب الشركاء الغربيين وتحقيق تخفيض في العقوبات.
منافسة في الشرق الأوسط
فيما الغرب ينظر للإستفادة من إنخفاض أسعار النفط في صراعه مع روسيا، فهو أيضاً يبحث عن فرصة للتفاوض مع طهران المحاصرة للتوصل إلى نوع من قرار بشأن البرنامج النووي الإيراني. بالنسبة إلى أوروبا، إن إيران بإحتياطاتها الضخمة من الغاز الطبيعي تمثّل أحد البدائل المستدامة الواعدة على المدى الطويل من الغاز الطبيعي الروسي. تواجه طهران عقوبات على حجم صادراتها، وهوامش ربح أقل ونفقات جارية بسبب الصراعات بالوكالة في سوريا والعراق، وهي لا تستطيع تحمل التراجع المتواصل في أسعار النفط العالمية. إن التقدم في التوصل إلى إتفاق مع الغرب قد يكون بطيئاً، الأمر الذي سيضع المزيد من الضغوط على طهران للتفاوض.
من جهة أخرى، من المتوقع أن تحافظ المملكة العربية السعودية أيضاً على حصتها في السوق العالمية ولديها فرصة في المدى القصير للإعتماد على إحتياطات كبيرة من النقد الأجنبي، وإنخفاض تكاليف الإنتاج بإنتظار خروج منتجين عالميين آخرين. تعتبر الرياض إنتاج النفط أهم مورد إستراتيجي لديها، وواحد تستخدمه الحكومة بسرعة لصالحها. مع بدء درجات حرارة الصيف بالهبوط فإن الإستهلاك الإقليمي بدأ بالإضمحلال، ويمكن للرياض تحرير كميات أكبر للتصدير، حتى بأسعار أقل. ويبحث السعوديون أيضاً للإستفادة من الإستقرار الإقتصادي في المدى القصير ضد منافسيهم مثل روسيا، خصوصاً أنهم مختلفون مع إيران حول مستقبل الحكومة السورية.
تمتلك السعودية أيضاً القدرة على تخفيض عدد كبير من براميل النفط حالياً إذا أرادت. مع ذلك، فقد عرضت في الآونة الأخيرة تخفيضاً على نفطها الخام لتأمين حصتها في السوق لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، وربما أرادت من ذلك الإشارة إلى أعضاء “أوبك” الآخرين بأنه فيما قد تكون الرياض على إستعداد لوقف إمداداتها حالياً، فإن البعض الآخر سوف يضطر إلى أن يحذو حذوها. ولكن ليس هناك أي حافز للدول الأخرى للحد من إنتاجها، لأن معظم المنتجين في الخليج لا يزال يحقق الربح في الأسعار التي تتراوح بين 90 و100 دولار للبرميل؛ إن خفض مستويات الإنتاج، بالتالي، من شأنه أن يقلّل من العائدات.
الأميركتان وما بعدهما
خارج منطقة الشرق الأوسط، فإن إنخفاض أسعار النفط يؤثر أيضاً في فنزويلا. رسمياً، تضع كراكاس موازنتها على سعر منخفض للنفط يبلغ 60 دولاراً للبرميل، وهي سابقة بدأها الرئيس السابق هوغو تشافيز. ويمكن بعد ذلك تسريب الإيرادات الزائدة وتحويلها إلى أماكن أخرى لنفقات خارج الموازنة لتلبية حاجات الرعاة السياسيين. إن فنزويلا في وضع مالي متردٍّ، وهي تحتاج إلى أسعار مرتفعة للنفط ربما تصل إلى 110 دولارات لتغطية نفقات رسمية مسجَّلة وغير رسمية. إن إستمرار إنخفاض أسعار النفط من شأنه أن يعيق بشدة قدرة كراكاس لتمويل وارداتها، وربما يجبر المسؤولين الحكوميين على العمل بجدية أكثر لبيع الأصول الأجنبية، مثل “سيتغو”، والذهب من إحتياطياتها في البنك المركزي، أو تقديم شروط أكثر جاذبية على القروض لصفقات النفط مع الصينيين، على الرغم من أن بكين قد رفضت أخيراً هذا. وإذا بقيت أسعار النفط منخفضة لفترة طويلة، سوف تضطر كراكاس أيضاً إلى إعادة النظر في صفقاتها مع كوبا أو برامجها مثل “بتروكاريبي”.
في الوقت عينه، بالنسبة إلى الدول الكبيرة التي تستورد النفط بكميات ضخمة – اليابان، الصين، الهند، والإتحاد الأوروبي – فإن إنخفاض أسعار النفط يعطيها بعض الراحة بالنسبة إلى فواتير الإستيراد الكبيرة. من ناحية أخرى، يمكن أيضاً للأسعار أن تضيف ضغطاً قصير الأجل على أوروبا، حيث كانت الطاقة العامل الرئيسي في دفع التضخم الشهري إلى أسفل. في حين أن إنخفاض تكاليف الطاقة جيد بالنسبة إلى أوروبا على المدى الطويل، فهو أيضاً يرفع من خطر الإنكماش وتأجيج التوتر بين البنك المركزي الأوروبي وألمانيا.
على الرغم من أنه من المرجح أن تنتعش الأسعار بعض الشيء، فإن الهبوط الأخير في أسعار النفط يخدم بمثابة تذكير: كيف يمكن أن تكون الجيوسياسية مهمة لأسعار الطاقة. إن إمدادات الطاقة تشكّل العمود الفقري للإقتصادات الصناعية الحديثة، وموارد الطاقة هي سلع تصديرية مهمة بالنسبة إلى تلك الدول التي تملك الكثير منها. وطالما بقي الوقود الأحفوري المصدر المهيمن على الطاقة – وهو أمر من المرجح أن يستمر بضعة عقود أخرى على الأقل – ستظل إمدادات النفط وأسعاره أمراً حساساً وحرجاً.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.