هل انتهى دور منظمة “أوبك” ؟
بقلم الدكتور عبدالله ناصر الدين*
منذ عام، أي في تشرين الأول (أكتوبر) 2013 ذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في مقالة تحت عنوان “نهاية أوبك”، أن الأعوام المقبلة ستقلّص دور المنظمة النفطية وستحدّ من فاعليتها. بعد عام على هذا المقال إنخفضت أسعار النفط من دون تدخل من “أوبك”، الأمر الذي أدى إلى طرح أسئلة كثيرة عن أسباب عدم تدخل المنظمة للجم الإنخفاض السريع للسعر؟ فهل بات “الكارتل” النفطي أداة غير فعّالة في أسواق النفط و أن ذلك ينذر بإنتهاء دوره وبالتالي دخول سوق النفط هيكلية جديدة من التقسيمات والأحجام؟ أم أن عدم تدخل المنظمة مسألة عابرة لها أهداف ظرفية في الوقت الحالي وغير مرتبطة بقدرتها الحقيقيه في التأثير على الأسعار؟
إن التطورات الأخيرة والمرتبطة بانخفاض أسعار النفط من 115 دولاراً إلى 85 دولاراً للبرميل الواحد ترافق مع إندفاعة المملكة العربية السعودية، اللاعب الأهم و المنتج الأكبر في المنظمة، إلى خفض أسعار مبيعاتها في آسيا ومن ثم أوروبا، مع إلزام المستوردين بكميات أكبر ومحددة، في خطوةٍ تشير إلى سعي المملكة إلى الحفاظ على حصتها في الأسواق العالمية. وفي المعجم الإقتصادي، إن الإنتقال من سياسة إستهداف السعر إلى سياسة إستهداف حصة السوق هو انتقال يُعرف بـ”Cournot Equilibrium” إلى “Bertrand Equilibrium” في إقتصاد القلة (Oligopoly). هذا الإنتقال، يفرض التضحية بالسعر و السماح له بالإنخفاض أو الصعود من أجل تأمين مبيعات كميات محددة من الإنتاج. لذلك ألغت شركة “أرامكو” السعودية هامش المرونة الذي يسمح للمشترين زيادة 10% أو خفض 10% من الكميات المنصوص عليها في عقود البيع.
أما في دوافع هذا الإنتقال، فيرتبط بشكل وثيق بتطورات ذات بعدين مختلفين، أولهما إقتصادي والآخر سياسي. في البعد الإقتصادي، بلغت زيادة العرض والإنتاج مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من ربع قرن. فدخول الولايات المتحدة إلى عالم المنتجين للنفط من بابه الواسع ليصل إنتاجها إلى أكثر من 8.6 ملايين برميل يومياً وإحتمال وصول هذا الإنتاج إلى أكثر من 10.5 ملايين برميل مع حلول العام 2016، له دورٌ بارز. هذا الدور يمكن فهمه من ناحيتين: الأولى أن زيادة الإنتاج في أميركا قلّص إستيرادها من الدول المنتجة والتي، بطبيعة الحال، وجدت نفسها أمام فوائض في الإنتاج ساهمت في زيادة المنافسة بين دول “أوبك” أنفسها. الناحية الأخرى والأكثر أهمية، أنه ومنذ حظر النفط العربي في أوائل سبعينات القرن المنصرم، أقر الكونغرس الأميركي في العام 1975 وفي عهد الرئيس جيمي كارتر قانون حظر تصدير النفط في الولايات المتحدة. و منذ ذلك الحين، وللمرة الأولى، وفي 30 تموز (يوليو) من هذا العام أرسلت أميركا شحنة نفط سعتها 400,000 برميل إلى كوريا الجنوبية بذريعة دعم حلفائها، مشيرةً أيضاً لى أن قانون ال1975 لا يزال قائماً. هذا التطور يرسل إشارات مقلقة إلى منتجين النفط في العالم، و منها المملكه العربية السعودية، ذلك أن واشنطن قررت رفع الحظر عن التصدير. يعني ذلك من المنظار الإقتصادي أن دول المنظمة ال11 التي تنسّق سوياً للسيطرة على أسعار النفط في العالم لم يعد حجم إنتاجها يسمح لها بالسيطرة على الأسعار مع زيادة إنتاج دول خارج الـمنظمة كالولايات المتحدة وروسيا والصين وكندا. فروسيا وحدها تنتج ما يفوق ال10 ملايين برميل ومع إستكشافات النفط في المنطقة القطبية و تطوير تكنولوجيا التنقيب في الجليد العميق سيأخذ الإنتاج منحًى تصاعدياً.
هذا يعني أن فاعلية “أوبك” للسيطرة على أسواق النفط ستتضاءل، وهذا ما يفسر التغيير في مواقف وزير النفط السعودي على النعيمي الذي لوحظ تراجع إهتمامه وبشكل ملحوظ في إجتماعات الـمنظمة. فالوزير الذي كان معروفاً عنه وصوله إلى إجتماعات “الكارتل” قبل الموعد لتمتين التواصل بين أعضاء المنظمة لوحظ وصوله متأخراً وخروجه مبكراً من الإجتماعات الأخيرة، و كأنه إقرار ضمنيٌ منه على تراجع دور المنظمة.
أما في البعد السياسي، فإن التركيز على حصة السوق بدلاً من السعر وما يترافق مع ذلك من إنخفاض في الأسعار يُعبِّر عن أن الشرخ الكبير الحاصل داخل المنظمة. فالخلاف السياسي المتصاعد بين أعضاء المنظمة و في مقدمتها السعودية وإيران، وخصوصاً على ضوء التوتر في سوريا و العراق واليمن، قد إنتقل إلى داخل أروقة المنظمة. فتنامي الخلاف بين الدولتين جعلها تتناقض في مصالحها حتى في موضوع النفط، ليُستعمل سعر النفط سلاحاً جديداً في صراع المحاور الجيوسياسي في المنطقة. فللمملكة قدرةً أكبر على التعايش مع الأسعار الحالية بسبب إمكانية التعويض عن السعر بزيادة الإنتاج و مبيعاتها في حين أن الجمهوريه الإسلامية في إيران تحتاج إلى سعرٍ لا يقل عن ال120 دولاراً وقدرتها على زيادة مبيعاتها محدودة نظراً إلى العقوبات المفروضة عليها.
إن إضعاف “أوبك” في المدى القصير قد يساهم في زيادة الخناق على كل من روسيا وإيران، ولكن يبدو أن هذا الإضعاف سيؤدي إلى إنهائها في المدى البعيد. من دون أدنى شك إن تلك التطورات المرتبطة ب”أوبك” تصب في مصلحة أميركا وقد تكون من أبرز عناصر إضعاف العرب وتأثيرهم في السياسة الدولية في العقد المقبل.
• خبير إقتصادي وأستاذ محاضر في الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية.