لا شعبَهم يستاهلون… ولا يستحقُّون لبنان

هنري زغيب*

لن أَتوقَّف عند أَيٍّ مما قاله المسؤُولون اللبنانيون في حضرة الأَمين العام للأُمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال زياراته إِياهم، لأَنني لا أُؤْمن بأَيٍّ من كليشيهاتهم الممجوجة المكرَّرة المزوَّرة، باعوه إِياها كلامًا مجانيًّا ووُعودًا سطحيةً وصافحوه يدًا بقفَّاز ثَعلبيّ يُخفي يدًا سليطةً متسلِّطة.

إِذًا أُشيح عن كلماتهم لأَني فقدْتُ الثقة بها، وأَتوقَّف عند كلامٍ غلَّفه بدپلوماسية عالية، فجاء تقريعًا لا تصريحًا، وتنبيهًا لا تنويهًا، وتحذيرًا لا تبريرًا، لكنه ما إِن غادر حتى أَكمل فسادُ المسؤُولين ذبَحه شعبَنا بمركنتيلياتهم الفاجرة.

ما الذي قرَّعهم به غوتيرِيش، مما قرأْتُهُ في الصُحُف؟

قال: “على القادة اللبنانيين أَن يجدوا هُم حُلُولًا لأَزمات بلادهم التي تواجه مرحلةً صعبة وخطيرة”.

وقال: “أَحُثُّ الزعماء اللبنانيين أَن يستحقُّوا شعبَهم وأَرضَهم التي تختزن إِحدى أَعرق الحضارات في العالم”.

وقال: “حيال معاناة اللبنانيين لا يحقُّ للقادة السياسيين أَن يكونوا منقسمين فيشُلُّوا البلد. آن الأَوان أَن يتَّحدوا ويجتمعوا ويوحِّدوا كلمتَهم للعمل معًا على حل الأَزمة”.

لو يَعلم الأَمين العام! وأَظنُّه يعلم!

لعلَّه عرف أَنهم لن يتَّحدوا لأَنهم متحدِّرون من خلفيات متضاربة متحاربة متغاربة، ويتنافسون على نهش البلد.

ولعلَّه أَدرك أَنهم كانوا يَسمعونه بعيونهم الزجاجية لا بأَسماعهم لأَنهم لا يُنصتون إِلَّا لمصالحهم ومستقبلهم السياسي.

ولعلَّه تنبَّه إِلى أَن تنبيهاتِه إِياهم عقيمةٌ لأَن تفكيرهم حاليًّا منصبٌّ على احتساب پوانتاجاتهم الانتخابية. فالشعب عندهم مجاميعُ رؤُوس وأَعداد وأَصوات هنا وفي المهجَر، وليس مجموع بشرٍ واقعين بين الموت والموت.

ولعلَّه فهِم أنهم لن يجتمعوا، ولن يتَّفقوا، ولن يُوحِّدوا كلمتَهم لإِنقاذ شعبهم، لأَن كلمتهم مكمومةٌ بالخارج أَو مكتومةٌ بالداخل، وتاليًا سيظلُّون منقسمين “مُتَدايكِين” متصايحين متحفِّزين للهجوم والهجوم المضاد، يَتَوْيْتَرُون عن بُعْد بتغريدات تْوِيْتْرية مرة، ومرات بتصاريح من مكاتبهم الإِعلامية للرَدّ، والرَدّ على الرَدّ، ورَدِّ الرَد على الرَدّ، آخذين وقتَهم في عَلْك الكلام، والشعب في أَسوإِ حالاته وأَوضاعه ويأْسه، كُفرًا بهم وقَرفًا منهم ولَعنةً عليهم.

أَمَّا عبارة الأَمين العام أَنِ “اعمَلوا لتَستحقُّوا شعبكم”، فلعلَّها وحدَها تختصر زيارته، لأَن هؤُلاء القادة لا ولَن يستحقُّوا شعبَهم، لأَن شعبَهم يستاهل حكَّامًا أَوفياءَ يُخْلصون له، لا هؤُلاء الذين جاء به فَطَعَنُوه بروتوسيًّا وخانُوه يوضاسيًّا وانصرفوا عنه بيلاطُسيًّا، وها هو اليوم بكامله يَرفضُهم ولم يَعُد قابلًا بهم لأَنهم لا يستحقُّونه، ولا يستاهلون أَن يحْكموا وطنًا هو أَحدُ آباء الحضارة في التاريخ.

ولكانت العبارةُ الوحيدةُ الجديرةُ أَن يودَّع بها ضيفنا الأُممي: “أَضعتَ وقتكَ يا حضرة الأَمين العام، وقابَلْتَ في لبنان الحضارة قادةً تَولَّوا السُلطة فهشَّموها، وأَداروا الدولة فهدَّموها، وانتهَوا فاشلين ساقطين… لا يستاهلون شَرَف الحكْم، ولا يستحقُّون لبنان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى