المصارف في قطر عيونها على نمو القطاع الخاص

إن النمو الاقتصادي السريع للقطاع المصرفي في قطر قاده عدد كبير من المشروعات العامة، ولكن نمو الإئتمان في القطاع الخاص يشهد زيادة أكبر.

DaVinci® the Agency

الدوحة – عبد الحميد شعبان

تدفع البنوك القطرية إلى زيادة الإقراض للقطاع الخاص، على خلفية الجهود التي تقودها الحكومة لتعزيز توافر الإئتمان في الإقتصاد غير النفطي. وفقاً لأحدث الأرقام، زادت البنوك من الإقراض للقطاع الخاص بنسبة 16.2 في المئة في أيار (مايو) (في العام على أساس سنوي). وهذا يعني أن نمو الإئتمان للقطاع الخاص ينمو حالياً بمعدل أسرع من نمو القروض الإجمالية (11.7 في المئة على أساس سنوي)، وفقاً لبيانات أيار (مايو) لمصرف قطر المركزي.
وقد إرتفعت القروض الممنوحة للقطاع الخاص 16.5 مليار ريال قطري (4.5 مليارات دولار) في الفترة بين كانون الأول (ديسمبر) 2013 وأيار (مايو) 2014 مقارنة ب8.2 مليارات ريال قطري في الفترة عينها في العام 2013، في حين بلغ إجمالي القروض 24 مليار ريال، مقارنة ب28 مليار ريال في العام الفائت.
هناك عدد من العوامل التي تفسّر هذا الإتجاه. “تقوم قطر بتنفيذ عدد كبير من المشاريع في إطار زمني مضغوط وهذا يقود إلى نمو سريع في القطاع المصرفي”، يقول جياس غوكنت، كبير الإقتصاديين في معهد التمويل الدولي.
كل الشركات التي تملك فيها الحكومة الغالبية، بإستثناء قطر للبترول، إضطرت إلى طلب إذن من وزارة المال للإقتراض منذ تشرين الأول (اكتوبر) الفائت. وهذا، يقول غوكنت، تسبّب في تباطؤ الإقراض للقطاع العام. “أتوقع أن يظل نمو الإئتمان مزدهراً فيما وتيرة تنفيذ المشاريع تتسارع”.
ويبدو القطاع المصرفي في وضع جيّد للإستفادة من الدعوة المتوقعة له لزيادة تمويل المشاريع. وفقاً لمجموعة “سامبا” المالية، لا تزال قروض البنوك القطرية المتعثرة أدنى من إثنين في المئة، وتمثّل الموجودات السائلة 50 في المئة من إجمالي الأصول، الأمر الذي يوفّر دعماً مطمئناً على جودة الأصول.
من جهة أخرى، فقد إنخفض التمويل الأجنبي للمصارف التجارية من 30 في المئة من الإلتزامات في العام 2012 إلى 23 في المئة في الوقت الحاضر، وتحسّن وضع إستحقاق الديون مع حلول قروض قصيرة الأجل تدريجاً مكان التسهيلات المالية الطويلة الأجل.
الآن، تمثّل أصول النظام المصرفي في قطر بالدولار الأميركي ثالث أكبر أصول في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد إرتفعت أكثر من سبعة أضعاف منذ نهاية العام 2005، وأسرع بكثير من أي بلد آخر في المنطقة.
والخبر السار هو أنه في هذا العام يبدو أن هناك شهية محلية أقوى للحصول على قروض. وكما يشير معهد التمويل الدولي في تقرير جديد، إن الفرق الرئيسي حتى الآن في العام 2014 هو النسبة الأعلى من القروض المحلية في الإئتمان بشكل عام. من جهة أخرى، إن التمديد ل26 مليار ريال فقط من أصل 50 مليار ريال من السندات الحكومية، التي كانت قد إستحقّت في كانون الثاني (يناير) الفائت، قدّم الكثير من السيولة، وأعطى الخيار للبنوك للإقراض لإستخدامات أكثر إنتاجية.
في حين لم يتم بعد نشر قائمة مختصرة للمشاريع المهمة، هناك إقتناع متزايد بأن التنفيذ يجب أن يُستأنف عقب إستعراض ومراجعة المشاريع، يقول معهد التمويل الدولي. حتى وقت قريب، تجاوزت القروض إلى القطاع العام تلك المعطاة إلى القطاع الخاص على الرغم من أن هذا قد تباطأ مع الشروط الموضوعة على الشركات التي لديها حصص حكومية كبيرة بوجوب الحصول على موافقة وزارة المالية للاقتراض الإضافي.
الواقع أن إنفجار المشاريع الجديدة جاء بعد تنصيب الأمير الجديد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في صيف 2013. في الأشهر القليلة السابقة، جفّت تلزيمات المشاريع ومنح العقود الى حد كبير تحسباً لحدوث تغيير في النظام. الآن، مع وصول الشيخ تميم إلى السلطة وتثبيت أقدامه بقوة، فإن الإنطلاق في تنفيذ المشاريع عاد إلى الحياة.
وبطبيعة الحال، فإن الأرقام القوية لنمو الائتمان ليست شيئاً جديداً. إن البنوك في دولة قطر موجودة من قبل. وكان نمو الإئتمان قوياً بصورة إستثنائية حتى العام 2011 و 2012، عندما إرتفع 30 في المئة و 21 في المئة على التوالي، وفقاً لوكالة “ستاندرد أند بورز” (S & P).
إن التوقف في العام 2013 – بعدما تباطأت المشاريع وسط التحول السياسي – أدّى بوصول الإقراض المحلي إلى معدل نمو أقل من 11.8 في المئة. في ذلك العام، بدأت القروض في القطاع الخاص تفوق تلك الممنوحة إلى القطاع العام.
على الرغم من أن الإقراض لقطاعي العقارات والبناء تباطأ في العام 2013، فإن القروض للمقاولين قفزت ب41 في المئة، والقروض الإستهلاكية إرتفعت بنسبة 13 في المئة.
“نرى “دوروية” عالية في الإقراض العام وشبه العام في قطر”، تقول ستيفاني ميري، مديرة الخدمات المالية في “ستاندرد أند بورز”. “في العام الفائت كانت هناك تأخيرات في منح العقود والموافقات على موازنة مشاريع البنية التحتية. لذلك مفهومنا هو أن بداية العام الماضي كانت بطيئة للغاية من حيث الإقراض والإنفاق العام، وقد نرى أكثر أو أقل الإتجاه عينه في 2014 “.
ويحذّر محلّلون من المبالغة في تفسير الوتيرة الأعلى لإقراض القطاع الخاص في قطر. على الرغم من أن توسع الإئتمان بشكل عام لا يزال سريعاً، فقد ظل الإئتمان من البنوك التجارية إلى القطاع الخاص مستقراً تقريباً كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، حوالي 64 في المئة، تشير “ستاندرد أند بورز”.
وكانت الوكالة قد توقّعت أن الإقراض المحلي سيتوسع بنسبة تقارب 15 في المئة في العام 2014، يغذّيه إلى حد كبير القطاع العام وخصوصاً من خلال بناء وتطوير بنية تحتية قوية قبل نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022.
وتقول ميري، بأن معدل نمو محفظة القروض الإجمالية للقطاع المصرفي (العام والخاص) مضلِّل لأن بعض قروض الحكومة إستحقّ ودُفع، الأمر الذي يشوّه جزئياً الأرقام. “لقد دُفعت القروض وفي هذه المرحلة لا يوجد شيء جديد إلى حد كبير، وذلك جزئياً بسبب هذه التأخيرات. ويرتبط نمو القروض والإقراض في القطاع العام إلى حد كبير بالتسديد “، كما تقول.
“ما نسمعه من البنوك هو أن هناك تياراً جيداً من القروض التي ظهرت في الربع الثاني من 2014 والتي ينبغي أن ترى المزيد من نمو الإقراض في الأشهر المقبلة. ولكن مرة أخرى نشير إلى أن القروض المستحقة تضع ضغوطاً على نمو القروض بالتأكيد”، تضيف ميري.
“نحن نتوقع نمواً أبطأ للإقراض هذا العام، وقد يكون حوالي 10 في المئة – ولكن مرة أخرى، سيكون هناك تسارع في الأشهر المقبلة بسبب الإتجاه المذكور”، تؤكد ميري.
الواقع أن إرتفاع الإقراض يتعلّق ويرتبط بالمشاريع الحكومية، وتطوير البنية التحتية من كهرباء ومياه، وصحة، ومشاريع كبيرة مثل مشروع مدينة لوسيل العقاري. ما زالت هذه المشاريع على المسار الصحيح وتحمل معها متطلبات إقراض للقطاع الخاص مرتبطة بها. عموماً، تبقى أرباح البنوك القطرية قوية. وفقاً لمعهد التمويل الدولي، إن ربحية قطاع الأعمال المصرفية في قطر معقولة مع العائد على السهم العادي 16.5 في المئة في العام 2013، الأمر الذي يعكس أيضاً إنخفاض تكاليف العمالة ومتطلبات الضريبة المتدنّية.
وحتى مع ذلك، كان على البنوك مواجهة بعض الضغوط على الهوامش، نتيجة لإنخفاض أسعار الفائدة التي خُفّضت بمعدل أسرع من تكلفة التمويل. إلى أن أن يبدأ مجلس الإحتياطي الفيديرالي الأميركي إتباع سياسة جديدة برفع سعر الفائدة، فإن البنوك في قطر مقيَّدة بمعدلات فائدة منخفضة.
كانت الهوامش تحت الضغط فيما إنخفضت معدلات الإقراض إلى أبعد من الإنخفاض في تكلفة التمويل، وليس من المتوقع أن تتحسن حتى يبدأ مجلس الإحتياطي الفيديرالي الأميركي رفع سعر الفائدة نظراً إلى نظام سعر الصرف الثابت.
وتوضّح ميري:”نشهد بعض الإستقرار في صافي هوامش الفائدة. يمكننا أن نتوقع تآكلاً طفيفاً ولكن لا شيء كبيراً جداً”.
وحسب السيناريو المركزي لوكالة التصنيف “ستاندرد أند بورز”، من المتوقع أن تستقر أسعار الفائدة العالمية.
“أسعار الفائدة في قطر ترتبط بمعدلات الفائدة التي يضعها الإحتياطي الفيديرالي الأميركي بسبب الربط بين الدولار الأميركي والريال القطري. نحن لا نتوقع أن يعمد البنك المركزي الأميركي إلى زيادة سعر الفائدة على الأموال الفيديرالية قبل الربع الثاني من العام المقبل. ومع ذلك، يمكن لزيادة في أسعار الفائدة أن تضع ضغوطاً على هوامش الفائدة الصافية للبنوك. نحن لا نزال نرى بأن البنوك القطرية ما زالت فعّالة وكفوءة، مع تدني تكاليف العمالة وإنخفاض الضرائب”، قالت ميري.
ومع ذلك، تشير “ستاندرد أند بورز” إلى أن نسب الكفاءة قد هُمّشت مضغوطة بإرتفاع ال60 في المئة في العام 2012 في الراتب الأساسي للمواطنين القطريين، والذي تُرجم إلى زيادة معتدلة في تكاليف الموظفين، وبعمليات الإستحواذ الكبيرة التي أقدم عليها بنك قطر الوطني والبنك التجاري القطري لبنوك أقل ربحية في الخارج.
إن نتائج النصف الأول لعام 2014 كانت محترمة بدلاً من مذهلة لأكبر البنوك القطرية. بنك قطر الوطني، أكبر بنك في الإمارة الخليجية، شهد إرتفاعاً في أرباح النصف الأول من العام بنسبة سبعة في المئة إلى 5.1 مليارات ريال في الأشهر الستة الأولى. وإرتفع إجمالي الموجودات نحو ثمانية في المئة إلى 466 مليار ريال.
مصرف قطر الإسلامي، أكبر بنك في البلاد متوافق مع الشريعة الإسلامية من حيث الأصول، نشر نتيجة أكثر إثارة للإعجاب بإرتفاع 15 في المئة في صافي الأرباح للنصف الأول من العام 2014.
أما بنك الدوحة، رابع أكبر بنك في الدولة الخليجية من حيث الأصول، فقد أظهر زيادة أقل في الأرباح الصافية تبلغ 5.2 في المئة أو 787 مليون ريال، على الرغم من الزيادة في الربع الثاني التي كانت 9.9 في المئة أظهرت أنه يسير في الإتجاه الصحيح فيما العام يتقدم. ويبدو أن لدى البنوك عدداً قليلاً من المخاطر لإثارة قلقها أو إهتمامها، على الرغم من أن العام الفائت شهد تدهوراً في نوعية الإئتمان في أعقاب إرتفاع الأصول المرجّح تعرضها للمخاطر، مما تسبّب في إنخفاض نسبة كفاية رأس المال إلى 16 في المئة. وفي حين أن هذه النسبة هي أعلى من 12.5 في المئة المطلوبة من قبل البنك المركزي (الحد الأدنى للمتطلبات التنظيمية 10 في المئة بالإضافة إلى 2.5 في المئة عازل حفظ)، فإن إرتفاعاً سريعاً في الإقراض عنى أن بعض البنوك قد إضطر إلى رفع رأس مال إضافي، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
وقد ساعدت زيادة ودائع القطاع العام على تدني نسبة القروض إلى الودائع المحلية من 1.2 إلى 1 في آذار (مارس) 2013. وهذا الأمر يضع البنوك في موقف أقوى لإقراض إنفجار الفرص الجديدة الآتية عبر خط أنابيب المشاريع.
وفقاً لوكالة “ستاندرد أند بورز”، إن التحسن الأخير بنسبة القروض إلى الودائع المحلية يعكس الزيادة في ودائع القطاع العام. وتقول وكالة التصنيف بأن ودائع القطاع العام قد خفّضت بشكل كبير إعتماد النظام المصرفي على التمويل عبر الحدود.
من جهة أخرى، إرتفعت حصة ودائع القطاع العام في إجمالي الودائع المحلية إلى أكثر من 40 في المئة في نهاية العام 2013. وهذه الودائع من الكيانات المرتبطة بالحكومة تحمل إستحقاقات تعاقدية على المدى القصير، لكن من المتوقع أن تكون مستقرة إلى حد ما.
مع توقع حفاظ البنوك في قطر على سيولة قوية في خزائنها تصل إلى 30 في المئة من إجمالي الأصول، فمن المتوقع أن يظل الإستقرار كلمة السر لقطاع من المرجح أن يخطو واثقاً الى الساحة الإقتصادية للمشاركة في عمليات تمويل أكبر بكثير في السنوات المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى