ماذا لو تمّت الصفقة وأُقيمَت إسرائيل في الصين؟

كيف حاول العالِم ألبرت أينشتاين، وطبيب أسنان في بروكلين، والقادة الصينيون قبل الحرب العالمية الثانية إنشاء وطنٍ لليهود في مقاطعة يونان في الصين.

حفل زفاف يهودي في شنغهاي، حيث فرَّ حوالي 20 ألف يهودي أوروبي في نهاية المطاف، في العام 1938.

هاري سَوندرز*

في 7 آذار (مارس) 1939، أرسل كبير المسؤولين التشريعيين في الصين، “صُن كي”، رسالةً إلى مكتب الشؤون المدنية التابع للحكومة. وباعتباره عضوًا في المجلس الأعلى للدفاع الوطني، فقد أمضى العامين الماضيين في البحث عن طُرُقٍ لمَنحِ الصين فُرصة القتال ضد الغزاة اليابانيين. الآن، أراد “صُن كي” أن يُطلِعَ زملاءه على قضيةٍ تبدو غير ذات صلة: محنة الشعب اليهودي.

كتب “صُن كي”، قبل أن يصفَ خططَ هتلر للإبادة: “هؤلاء الناس يُعانون أكثر من غيرهم من كونهم بلا وطن، وعلى مدى أكثر من 2600 عام يتنقلون بلا مأوى”. وتابع: “يريد البريطانيون إقامة مستوطنةٍ دائمة لهم في فلسطين، لكن هذا الأمر أثارَ معارضة شديدة من العرب هناك، ولم يهدأ العنف بعد”.

كان “صُن كي” يعتقدُ أنهُ يُمكِنُ العثورُ على ملجَإٍ أكثر مُلاءَمةً في بلده. ليس في شنغهاي، حيث فرَّ أصلًا 20 ألف يهودي، ولكن في سفوحِ جبال هملايا في المناطق النائية في الصين. مع وجود لاوس في الجنوب وما كان يُسمّى آنذاك بورما في الغرب، كانت “يونان” مقاطعةً حدودية ذات مناخٍ معتدل إلى حدٍّ غير عادي، وجمالٍ طبيعي مُذهل، وفيها ما يكفي من الأراضي غير المزروعة لاستيعاب 100 ألف يهودي فارين من الاضطهاد النازي. وما افتقرت إليه من أهمية كتابية، عوَّضته بتاريخها الخالي من العنف المُعادي للسامية.

بالنسبة إلى “صُن كي” والتحالف غير المُتَوَقَّع بين مسؤولي الحزب القومي الصيني (الكومينتانغ) واليهود الأميركيين الذين احتشدوا خلف خطته، فإنَّ “يونان” لا تُمثّل أقل من أرض موعودة من الصين.

في الأعوام الخمسة والثمانين التي تلت ذلك، ظلت خطة الاستيطان في يونان في طي النسيان تقريبًا. لكن لم يكن موقف الصين من الصهيونية في ذلك الوقت مُهمًا بقدر ما هو عليه اليوم. منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أجبرت الحرب بين إسرائيل و”حماس” بكين على النظر في وضعها الجديد كقوة عظمى ناشئة والتوقُّع بأنها ستلعب دورًا في كل جانب من جوانب الشؤون العالمية، بغضِّ النظر عن المنطقة.

لكي نَفهَمَ النهجَ الذي تتبنّاه الصين في التعامل مع الشرق الأوسط بشكلٍ كامل، يتعيّنُ علينا أن نعودَ إلى ثلاثينيات القرن العشرين، عندما تحوّلت فكرة إنشاء وطنٍ لليهود في “يونان” من مجرّدِ موضوعٍ في صالون طبيب أسنان في بروكلين إلى سياسةٍ رسمية للحكومة الصينية.

في كانون الثاني (يناير) 1934، كتبَ طبيبُ أسنانٍ من بروكلين يدعى موريس ويليام رسالةً إلى العالم ألبرت أينشتاين لتقديم فكرته لإعادة توطين اليهود في الصين. كتب ويليام: “خلال زيارةٍ إلى المنزل الصيفي للقاضي [لويس] برانديز في أيلول (سبتمبر) الماضي، ناقشنا بشكلٍ طبيعي محنة اليهود الألمان. إنه يشعر أيضًا أنَّ الصين هي الأمل الكبير الوحيد لضحايا هتلر”.

أجاب أينشتاين: “خطتك، تبدو لي مُفعَمة بالأمل وعقلانية للغاية، ويجب متابعة تحقيقها بقوة”. وكان كلّما فكّر وتعمّقَ في الخطة أكثر، كانت تبدو له منطقية أكثر. قال لويليام بعد شهرين: “إن الشعبين الصيني واليهودي، على الرُغم من أيِّ اختلافاتٍ واضحة في تقاليدهما، يشتركان في هذا الأمر: كلاهما يمتلك عقلية هي نتاج ثقافات تعود إلى العصور القديمة”.

بحلول الوقت الذي كتب فيه ويليام إلى أينشتاين، كان القادة اليهود في أوروبا يبحثون منذ فترة طويلة عن وطنٍ خارج فلسطين – “صهيونية بدون صهيون”، كما قال المؤرّخ غور ألروي. وقد بلور الناشط الروسي ليون بينسكر الفكرة في بيانه الصادر في العام 1882 بعنوان “التحرّر التلقائي!”، فكتبَ أنَّ “هدفَ مساعينا الحالية لا ينبغي أن يكون “الأرض المقدسة”، بل أرضٌ خاصة بنا”. لقد أمضى أنصار المناطقية، كما أصبح أتباعه يُعرَفون، العقود الأربعة التالية وهم يحاولون، وفشلوا في تحقيق هدف بينسكر.

لذا، لم يكن هناك أيُّ شيءٍ ثوري في المستوطنة التي اقترحها ويليام، باستثناءِ موقعها. الخطط السابقة، بما في ذلك مخطط أوغندا في العام 1903 والمشروع الصهيوني نفسه، استهدفت مناطق داخل الأراضي الاستعمارية القائمة. وكان ويليام أول من أشارَ إلى أنَّ الصين، وهي جمهورية شابة لا تزالُ تُكافِحُ من أجلِ تحويلِ نفسها إلى دولةٍ حديثة، قد تكون على استعداد لإفساحِ المجال للمستوطنين اليهود.

كان ويليام بطلًا غير متوقَّعٍ للمشروع. لم يكن لديه أي تعليم رسمي، ولا علاقات سابقة بالمناطقية، ولم يسافر قط إلى الصين. ولكن من خلالِ مزيجٍ من الترويج الذاتي والحظ السعيد، أصبح ويليام ليس فقط شخصية معروفة بين نخبة حزب الكومينتانغ، بل أصبح أيضًا مرجعًا أميركيًا محترمًا في الصين.

في العام 1923، وَجَدَ كتاب ويليام الذي نشره بنفسه حول الماركسية، “التفسيرُ الاجتماعي للتاريخ”، طريقه إلى أيدي رئيس وزراء الحزب القومي صن يات صن (والد صُن كي)، الذي كان بصدد صياغة رؤيته الاقتصادية للبلاد. اعتمد “صن يات” بشكلٍ كبيرٍ على لغة ويليام في سلسلةٍ من المحاضرات التي ألقاها في العام التالي. وفي مرحلةٍ ما، ذكر “التفسير الاجتماعي للتاريخ” بالاسم. وعندما نشرَ حزب الكومينتانغ كتابًا يستندُ إلى المحاضرات التي ألقيت بعد وفاة “صَن يات صَن” بعد سنواتٍ قليلة، قفزَ ويليام من أجنبي غير معروف إلى نجمٍ فلسفي.

علم الأميركيون لأول مرة عن إنجازِ ويليام من مقالٍ نُشِرَ في العام 1927 في مجلة “آسيا”، والذي أعلن أن “صن يات صن” “يبني موقفه المناهض للماركسية حرفيًا تقريبًا على عملٍ غير معروف بقلم مؤلّفٍ أميركي”. وسرعان ما وجد ويليام نفسه على اتصالٍ مع بعضِ المثقّفين البارزين في الولايات المتحدة، بمن فيهم ليس فقط أينشتاين وبرانديز، ولكن أيضًا جون ديوي ومؤرخ كولومبيا جيمس تي شوتويل، وكلاهما عبّرا لاحقًا عن دعمهما لخطته الاستيطانية اليهودية.

وأثبتت الحكومة الصينية أنها أقل تقبُّلًا للفكرة. قبل الكتابة إلى أينشتاين، ناقش ويليام خطته بعمق مع السفير “ألفريد ساو كي سِزي”، الذي وافق على أنَّ استيرادَ اليهود الألمان يمكن أن يكون نعمةً للاقتصاد الصيني. قدّر رؤساء السفير سِزي في حزب الكومينتانغ رأي ويليام. ولكن ليس بقدرِ تقديرهم لعلاقاتهم مع ألمانيا، التي كثّفت مساعداتها العسكرية والاقتصادية للصين بعد وقتٍ قصير من استيلاء النازيين على السلطة.

اعتقدت قيادة حزب الكومينتانغ أنَّ بناءَ مستوطنةٍ للأشخاصِ الذين شتمهم وأساء إليهم هتلر كان من المؤكد أنه سيسيء إلى الحكومة الألمانية. سوف تمرّ سنوات عدة قبل أن يصبحوا يائسين بما يكفي لتقبل الفكرة وإعادة النظر.

عشية عيد الميلاد في العام 1938، أرسل سكرتير مجلس بلدية شنغهاي، ج. غودفري فيليبس، برقيةً عاجلة إلى لجنة التوزيع المشتركة اليهودية-الأميركية، حذّرَ فيها من أن “شنغهاي منزعجة للغاية من التدفّقِ غير الطبيعي للاجئين اليهود. تواجه شنغهاي بالفعل مشكلة اللاجئين الأكثر خطورة بسبب الأعمال العدائية الصينية-اليابانية. ومن المستحيل تمامًا استيعاب أي عدد كبير من اللاجئين الأجانب”.

تمتّعت شنغهاي بوَضعٍ غير عادي في الأيام الأولى للحرب العالمية الثانية. استولت القوات اليابانية على المدينة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1937، لكنها تركت السيطرة على التسوية الدولية في أيدي مجلس بلدية شنغهاي. وتحت قيادتها المتعددة الجنسيات، ظلت شنغهاي واحدة من الموانئ القليلة في العالم التي تسمح بدخول الأشخاص عديمي الجنسية. ومن العام 1937 إلى العام 1939، تدفق على المدينة أكثر من 20 ألف لاجئ يهودي، معظمهم من أوروبا الوسطى.

خلال تلك الفترة نفسها، عانت الصين من سلسلةِ هزائم عسكرية مدمّرة على أيدي اليابانيين. بعد الاستيلاء على شنغهاي في تشرين الثاني (نوفمبر)، زحف الجيش الإمبراطوري نحو نانجينغ، مما أجبر شيانغ كاي شيك وحكومته على الفرار. بحلول كانون الثاني (يناير) 1939، سيطر اليابانيون على كامل الساحل الشرقي للصين تقريبًا. أوقفت قوات شيانغ تقدم الجيش الإمبراطوري، لكن المناشدات الصينية للحصول على الدعم العسكري الأميركي والبريطاني لم تلقَ جوابًا.

بعد وقتٍ قصير من إرسال فيليبس برقيته، علم “صُن كي” أن مسؤولي مجلس بلدية شنغهاي خططوا لتقييد تدفّق اللاجئين إلى شنغهاي. فجأة بدا له أنَّ إعادةَ توطين اللاجئين اليهود في “يونان” هو الحل الأمثل للأزمات المشتركة التي تواجه بلاده. وقام في صياغة رسالته إلى مكتب الشؤون المدنية في الشهر التالي.

كان المنطق وراء اقتراح “صُن كي” بسيطًا: إذا عرضت الصين اللجوء على اليهود المُضطَهدين في أوروبا، فإنَّ إخوانهم في الدين في الولايات المتحدة وبريطانيا قد يُقنِعون تلك الحكومات بدعم الصين ضد اليابانيين. كتب “صُن كي”: “في الواقع، لقد قام التجار والمصرفيون الكبار بالتلاعب بالدعم الإقتصادي البريطاني، وبما أنَّ العديدَ من هؤلاء التجار والمصرفيين الكبار هم من اليهود، فإنَّ هذا الاقتراح من شأنه أن يؤثّر على البريطانيين ليكون لديهم موقف أكثر إيجابية تجاهنا”.

بالإضافة إلى قيمتهم الدعائية، اعتقد “صُن كي” أنَّ اللاجئين اليهود لديهم ما يقدّمونه لمقاطعة صينية متخلّفة في التنمية الاقتصادية. وفي المدى القصير، يُمكنُ لرمز اللاجئين اليهود أن يُساعِدَ الصين على كَسبِ الحرب. وفي المدى الطويل، يمكن للاجئين أنفسهم، بفضل “خلفيتهم المالية القوية ومواهبهم العديدة”، على حد تعبيره، مساعدة الصين على التطوّر لتُصبح أمةً عظيمة.

وقد ردّدَ منطقه منطق أينشتاين، الذي أخبر ويليام في العام 1934 أن مشروعه الاستيطاني “سيضع في خدمة الصين المساعدات المفيدة للمهارة والمعرفة والعلوم الغربية”. لا يكشف السجل التاريخي عن وجود صلة مباشرة بين الخطة التي قدّمها ويليام إلى أينشتاين في العام 1934 واقتراح “صٌن كي” في العام 1939. ومع ذلك، فإنَّ شهرةَ ويليام في حزب الكومينتانغ ومراسلاته مع السفير سِزي، تشير كلاهما إلى أوجه التشابه بين فكرته وفكرة صُن. كان اقتراح “كي” نتيجة التأثير وليس المصادفة.

شكّكَ البعضُ داخلَ الحكومةِ الصينية في أنَّ التعامُلَ مع القضية الشائكة للاجئين اليهود سيكون أمرًاً يستحقّ العناء. وحذّرت وزارة الخارجية من أنَّ حُكمَ اليهود في الصين لن يكون مُمكِنًا إلّا في المدى القصير، قبل أن يُصبِحَ من الصعبِ للغاية السيطرة على مطالبهم بالحُكمِ الذاتي. وذهبت وزارة الداخلية الصينية إلى أبعد من ذلك. كتبَ مسؤولو الوزارة: “إنَّ العدوَّ والدولَ الفاشية تَدَّعي باستمرار أننا دولة شيوعية، وفي هذا الوقت فإنَّ استقبالَ عددٍ كبيرٍ من اليهود سيَجعَلُ من الصعبِ تجنُّب إعطاء العدو ذريعةً للدعاية. بشكلٍ عام، في النظرية الفاشية، يتم ذكر الشيوعية واليهود في كثيرٍ من الأحيان في المرتبة ذاتها”.

لكنَّ الوَعدَ باحتمالِ جَذبِ المساعدات العسكرية الغربية أثبتَ أنه أقوى. في آذار (مارس) 1939، وافق حزب الكومينتانغ على اقتراح “صُن كي” وبدأ في نشر خطة “يونان” في الصحافة الصينية والأميركية. إن افتقارهم إلى خطةِ تنفيذٍ واضحة لم يُحدِث فرقًا كبيرًا. وبما أن الجاذبية الأساسية للاستيطان اليهودي تكمنُ في قيمته الدعائية، فإنَّ مجرّدَ إعلان الدعم له يمكن أن يكونَ كافيًا لكسب تعاطف الأميركيين.

عندما سمع ويليام عن اقتراح “صُن كي”، اندفعَ إلى العمل. ولم يُعطِه أقرانه في الولايات المتحدة سوى ردود فعل إيجابية، ومع انضمام حزب الكومينتانغ إلى صفوفه، بدا الأمر وكأنَّ فكرته يمكن أن تُصبحَ حقيقةً واقعة أخيرًا. لكن في اللحظة التي بدأ فيها ويليام بطلبِ أموالٍ من الحكومة، بدأت الأمور تبدو مختلفة.

ردًّا على استطلاعاتِ الرأي التي كشفت عن انشغالِ الناخبين بالقضايا الداخلية، اتخذت السياسة الخارجية لإدارة فرانكلين روزفلت منحى واضحًا مُناهِضًا للهجرة في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في العام 1940. وبعد أن قام هتلر بضمِّ النمسا في آذار (مارس) 1938، حافظت وزارة الخارجية على حصتها البالغة 27,730 تأشيرة للألمان، حتى مع ارتفاع عدد الطلبات. بحلول حزيران (يونيو) 1939، زادت قائمة الانتظار إلى أكثر من 300 ألف. في ذلك الشهر، اقتربت سفينة عابرة للمحيطات تسمى “سانت لويس”، وعلى متنها 937 لاجئًا معظمهم من اليهود من هامبورغ، من ميناء ميامي. وأعاد ضباط الهجرة الأميركيون السفينة إلى أوروبا، حيث قُتل المئات من ركابها لاحقًا في الهولوكوست.

في ظلّ هذه الخلفية القومية، بدأ ويليام عقد اجتماعات مع مسؤولي وزارة الخارجية في آب (أغسطس) 1939. وأحالوه إلى لجنة تُقَدِّمُ المشورة لروزفلت بشأن شؤون اللاجئين، ولكن لم تبقَ أيُّ سجلّات لأيِّ اجتماعاتٍ أخرى. بالنسبة إلى مشروعٍ يتضمّن نقل 100 ألف لاجئ من أوروبا الوسطى إلى الصين، كان رفضُ حكومة الولايات المتحدة تقديم التمويل بمثابة ضربةٍ قاضية.

إنَّ الظروفَ الدقيقة التي تخلّى فيها حزب الكومينتانغ عن المشروع غامضة بالمثل. ولكن الأمر واضح للغاية: في أرشيفات العام 1939، كان هناك تنافرٌ في المناقشة حول خطط الاستيطان في يونان. مؤتمرات صحافية في شنغهاي، رسائل من تشونغتشينغ، اجتماعات في واشنطن. اعتراضات وتقييمات وردود. بحلول العام 1940: لا شيء.

في النهاية، كان الهجوم الياباني على بيرل هاربر، وليس تعاطف اليهود البارزين، هو الذي دفع الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى إلى دعم الصين. أدى الهجوم المضاد الذي أعقب ذلك بدعمٍ من الحلفاء إلى هزيمة اليابان، لكنه ترك حزب الكومينتانغ مستنزَفًا بشكلٍ كبير. واستغل الحزب الشيوعي الصيني هذا الضعف ليعيد إطلاق حملته الخاصة للسيطرة على البلاد. في العام 1949، أنشأ ماو تسي تونغ حكومة جديدة في بكين بينما فرّ “صُن كي” ورفاقه إلى تايوان.

ومنذ ذلك الحين وهم يعملون في المنفى من تايبيه.

هناكَ القليل مما يُوَحّدُ الحزب الشيوعي الصيني اليوم مع حزب الكومينتانغ الذي كان قائمًا في الثلاثينيات. سوف يقتبس الزعيم الصيني شي جين بينغ من ماركس ولينين مليون مرة قبل أن يعترفَ ولو بدَينه الفكري لحزب الكومينتانغ. لكنَّ النهجَ الذي تتبعه بكين في التعامل مع الحرب بين إسرائيل و”حماس”، مع إيمانها بقوة الرسائل، سيكون مألوفًا للغاية بالنسبة إلى “صُن كي” وزملائه.

عندما غزت إسرائيل غزة لأول مرة، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن الصين ستدعم دائمًا “التطلّعات المشروعة للعالم العربي والإسلامي”. وبعد أن شنّت إيران سلسلةً من الهجمات ضد إسرائيل في نيسان (أبريل)، ردد وانغ رواية طهران كالببغاء، بينما وصف الضربات بأنها عملٌ من أعمال الدفاع عن النفس. ولم تُصَنِّف تصريحاتُ بكين “حماس” كمجموعةٍ إرهابية، وهو إغفالٌ من المؤكد أن يؤدّي إلى توتّرِ العلاقات التجارية المزدهرة بين الصين وإسرائيل. ومع ذلك، يواصل الديبلوماسيون الصينيون، وراء الأبواب المغلقة، إقناع نظرائهم الإسرائيليين بأنَّ كلَّ هذا مجرّد كلام ولا ينبغي إساءة تفسيره على أنه عداءٌ صيني فعلي تجاه إسرائيل.

إذا كان رد الصين على الحرب بين إسرائيل و”حماس” يبدو سلبيًا أو غير مُتماسِك أو غير مُحتَرِف، فمن المفيد أن نتذكر مدى ضآلة خبرة بكين في التعامل مع الغابة السياسية التي مثّلتها الصهيونية دائمًا. نادرًا ما اتخذت الصين في تاريخها موقفًا بشأن قضية الدولة اليهودية. وعندما حاولت إنشاء مستوطنة يهودية في العام 1939، تصرّفت على أساس الاعتقاد بأنَّ ولاء واشنطن للشعب اليهودي كان حقيقة ثابتة وقابلة للاستغلال.

عندما بالغت الصين في تقدير تأثير المصالح اليهودية في السياسة الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية، أهدرت وقتًا ثمينًا وبضع أكوام من الورق. ولكن مع محاولة الحكومة الصينية الآن وضع نفسها كقوة عظمى بديلة في العالم، فإنَّ إساءةَ قراءة السياسات الصهيونية قد تكون أكثر تكلفة بكثير.

  • هاري سوندرز هو خريج جامعة برينستون حيث درس التاريخ. وأمضى سنة واحدة في مقاطعة يونان في الصين.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى