دول الخليج والمعادلة الإستراتيجية مع الصين

الموقف الخليجي

بكين– عبد السلام فريد

تحرز الصين في ثبات تقدماً في سعيها إلى تحقيق إنجازات إقتصادية تعوّل عليها في العلاقات الدولية، لدرجة أنها من المرجح أن يتجاوز إقتصادها إقتصادات القوى التقليدية مثل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي قريباً. في غضون سنوات، إرتفعت الصين لتكون ثاني أكبر قوة إقتصادية في العالم. وتمكّنت أيضاً في العام الفائت من أن تكون أكبر سوق للسيارات في العالم.

في الآونة الأخيرة، تجاوزت الصين الولايات المتحدة بإعتبارها أكبر مستثمر في منطقة الشرق الأوسط. والتوقعات هي أن العلاقات الإقتصادية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة، ستشهد مزيداً من التطور، لا سيما في دبي ضمن مجالات البناء والنقل والخدمات المصرفية.

لقد شكّل هذا خلفية للمنتدى السادس للتعاون الصيني العربي الذي عقد في بكين في 5 حزيران (يونيو) الفائت، والذي حضره ممثلون من جميع الدول العربية. وكان منتدى التعاون الصيني العربي قد تشكّل منذ 10 سنين، وذلك بعد إعلان مشترك صدر عن الصين والدول العربية في مقر الجامعة العربية في القاهرة. وقد أنشئ بعد وقت قصير من تأسيس منتدى تعاون الصين وأفريقيا، والذي ساهم منذ ذلك الحين في ثبات العلاقات الثنائية، وتحولت أفريقيا إلى مصدر رئيسي للمواد الخام للقطاعات الصناعية في الصين.

في كلمته الترحيبية في المنتدى الصيني العربي، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي: “إنها خطوة ديبلوماسية مهمة من قبل الحكومة الصينية تجاه العالم العربي في ظل الظروف الجديدة. بل هو أيضاً حدث كبير في مسار العلاقات الصينية العربية. ويكتسب المنتدى أهمية خاصة، حيث أنه يوفّر منبراً للجانبين لإستعراض الإنجازات السابقة وإستكشاف الآفاق المستقبلية“.

يبدو أن آفاق المستقبل تبدو مشرقة بالنسبة إلى العلاقات الصينية العربية، وهو ما يمكن ملاحظته في المعالم الهائلة التي حققها الجانبان. في السنين العشر الفائتة، إرتفعت التجارة بينهما ثمانية أضعاف إلى 239 مليار دولار في العام 2013، مدعومة بمعدل نمو سنوي قدره 25 في المئة. وزادت واردات الصين النفطية من المنطقة من 4 ملايين طن إلى 133 مليون طن، بمعدل نمو سنوي قدره 12 في المئة، وهو تطور يعكس بشكل واضح الإعتماد الضخم المتزايد على إمدادات الطاقة وواردات النفط من الدول العربية.

ولا تقتصر هذه التطورات على مصادر الطاقة والتجارة، لكنها تشمل قطاعات رئيسية أخرى مثل الخدمات المالية والهندسة والمقاولات والنقل. لقد بلغت قيمة العقود الجديدة المبرمة بين الشركات الصينية والعربية في مجال المقاولات أكثر من 29 مليار دولار مقارنة مع 2.6 ملياري دولار فقط منذ أكثر من عقد من الزمان – وهذا يشكل زيادة في العام على أساس سنوى نسبتها 27 في المئة. كما إرتفعت الإستثمارات المباشرة من قبل الشركات الصينية من 17 مليون مليار دولار متواضعة إلى ملياري دولار.

في العقد الفائت، أصبحت الصين أيضاً ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، في حين أن الكتلة الإقليمية تحتل المرتبة السابعة عندما يُحكم الوضع من منظور الصين. وهذا يدل تماماً على التحوّل الهائل في العلاقات الإقتصادية بين الصين والعرب. لذلك، فإن مزيداً من التوسع في العلاقات الإقتصادية سيكون له بلا شك تأثير كبير في المجالات الإستراتيجية والسياسية والثقافية، وهذا بدوره سيعكس توازناً جديداً في تحالفات القوى العالمية.

دول الخليج، التي تصدّر وتستورد بحجم كبير وتشكل الجزء الأكبر من تجارة الصين مع العالم العربي، ستسعى إلى إتفاق للتجارة الحرة مع الصين، وهو في حد ذاته سيمثّل علامة فارقة ينبغي أن يأخذ العلاقات الإقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة.

الواقع أن العلاقات الإستراتيجية والسياسية ستكون لها آثار كبيرة بسبب المصالح االإقتصادية المترابطة بين الجانبين. وذلك لأن الصين، التي أصبحت تعتمد بشكل متزايد على النفط في منطقة الخليج، سوف تجد أنه من مصلحتها ضمان الأمن والإستقرار في المنطقة، في حين أن دول الخليج من جانبها ستسعى إلى تعزيز دور الصين والمصالح المشتركة.

ويبقى أن كل هذه التطورات، إما بالتزامن أو من تلقاء أنفسها، من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز المصالح المتبادلة، وبالتالي في إعادة تشكيل خريطة معادلات القوة الإقليمية لمستقبل مستقر وتقدم إقتصادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى