أَبوسُ عَلَمَك يا لبنان فيَعلُو جبيني إِليك

هنري زغيب*

مرَّت هذا الأُسبوع ذِكْرَيَان بليغَتَان في يوميات لبنان: اليومُ الوطنيُّ اللبنانيُّ المعروف بــ”ذكرى الاستقلال”، و”يومُ العلَم اللبناني”.. وإِذا المشاعرُ عن الاستقلال تفاوتَت بين سلبية وحيادية وإِيجابية – لِما في لبنان من وضعٍ سياسيٍّ حاليٍّ أَمنيًّا وعسكريًّا وتحالُفيًّا- فلا مشاعرَ متفاوتة – ولا يجوز أَن تكون المشاعر متفاوتة – حيال العلَم اللبناني.

وإِذا الاستقلال شوَّهتْه مساراتُ السلطةِ العقيمةُ عامًا بعد عام حتى فقَد اللبنانيون إِيمانهم بأَنهم في بلد مستقلّ، فالعلَم لا علاقة له بالسُلطة المتغيِّرة الرجراجة، لأَنه علَم الوطن على أَرضه ومدى جميع مَهَاجِره في العالَم. من هنا قدسيتُه الـمُكرَّسة ورمزيتُه الخالدة كخلود الأَرزة الخضراء الساكنةِ قلبَه الأَبيض بين قاني الأَحمَرَيْن. إِنه الرمز التاريخي الثابت على جبين لبنان وباحترام جميع الدُوَل في العالَم. وكم أَحلم أَنْ كما في كل بيت نسخة إِنجيل أَو قرآن، كذا فلْيكُن في كل بيت ركن خاص يسطع فيه علمَ لبنان، قماشًا أَو صورةً، كي يبقى يوميًّا قبالة أَهل البيت، يحيا معهم ولديهم وبهم، يَـجِلُّه الكبار ويكبَر الصغار على إِجلاله.

فيا أَهالينا:

علِّموا أَولادكم معنى العلَم، فيكبَروا في ظل حبه وحمايته، وشعورهم بأَنه تاج على رأْس كل طفل وطفلة، وبأَنه سقف الحماية أَنى غدًا توجَّهوا، وبأَنه الشرف الذي يرافقهم لاحقًا حيثما سيكونون، وبأَنه رمزُ الوطن، وصوتُ الوطن، وشرفُ الوطن.

علِّموا أَولادكم أَن الوطنَ غيرُ السلطة، وأَن العلَم هو عنوانُ الوطن الثابتُ الذي لا يتغير مع تغيُّر السلطة ولا مع نجاح الدولة أَو سقوطها بسبب فشل أَهل السُلطة.

علِّموا أَولادكم أَن يفرِّقوا بين الوطن والسلطة. قولوا لهم إِنَّ هؤُلاء الذين يرونهم على الشاشات يتكلَّمون ويصرِّحون ويجتمعون ويتداولون، إِنما عن الدولة لا عن الوطن، وأَنَّ معظمهم يعملون لا للوطن بل لمصالحهم الشخصية والشخصانية والفردية والأَنانية، ولا يخدمون الوطن وديمومة الوطن وصورة الوطن في العالم، بدليل ما أَوصلوا إِليه الدولةَ من انهيار وإِفلاس، وعلِّموهم أَنَّ بعض الشعب اللبناني مسؤُولٌ عن وصول هؤُلاء إِلى السلطة وبقائهم فيها يتناسلون متقاسمين نعمةَ الحُكْم.

علِّموا أَولادكم النشيدَ الوطني رديفَ العلَم اللبناني في الشرف وحب الوطن. علِّموهم أَن يحفظوه غيبًا. فإِنشادُ النشيد الوطني تكرارًا يرسخه في أَسماعهم وعقولهم وأَذهانهم، كما رؤْية العلَم اللبناني تكرارًا في البيت يرسِّخ فيهم تعلُّقَهم بلبنان الوطن الخالد في الزمان بأَعلامه ومعالِمِه وعلاماته، حتى إِذا كبِروا على حُبِّ الوطن فهموا كم ان أَهل السلطة يخرِّبون هذا الوطن ولا يبنون فيه دولةً تستاهل أَن تقود الأَجيال الجديدة إِلى مستقبل البلاد.

هكذا، يا أَهالينا: حين يُصبح تكرارًا يوميًّا مشهدُ العلَم اللبناني وسماعُ النشيد الوطني، يترسخ في أَولادنا الوطنُ وجدانًا حيًّا لن يعود يَسمح أَن يصل إِلى الحُكْم مَن لا يستاهلون حتى أَن يحملوا الجنسية اللبنانية. فمهما تعثَّرت شؤُون الدولة بفشلِ أَهل السلطة أَو ضلوعِهم في الفساد، يبقى نقيًّا ساطعًا علَمُ الوطن، ويبقى نقيًّا نشيدُه الوطني.

وطوبى لأَجيالٍ جديدةٍ تكبَر في لبنان على وعي المعنى الوجداني لعلَم لبنان ونشيده الوطنيّ.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى