هل يُمكِنُ لسوريا أن تَكونَ الثِقلَ المُوازِنَ لنفوذِ إيران في لبنان؟

مايكل يونغ*

وصلت عملية تشكيل الحكومة في لبنان إلى طريقٍ مسدود مع قرارِ رئيس الوزراء المُكَلَّف سعد الحريري التنحّي. السؤال الأوسع الذي طرحه الحريري والمُقرَّبون منه هو: لماذا فشل “حزب الله” في ممارسة أي ضغط على الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل ليكونا أكثر مرونة بشأن قبول مسودة التشكيلات الحكومية التي اقترحها أو قدّمها الحريري؟

يرى الحريري أن “حزب الله” قال علناً إنه يريد حكومة، بل إنه توسّط للتوصل إلى اتفاق، لكنه لم يضغط أو يفعل الكثير لإجبار عون وباسيل على قبول نتيجةٍ توافقية. كانت موافقة عون ضرورية لأن أي مرسوم لإضفاء الطابع الرسمي على حكومة جديدة يتطلّب توقيع كلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المُكَلَّف.

قد يكون أحد الأسباب هو أن “حزب الله” ليس حريصاً بشكل خاص على وقف الانحدار المالي والاقتصادي في لبنان. تشعر المجموعة الشيعية المدعومة من إيران أنه مع تفاقم الوضع في البلاد، ستكون أكثر قدرة على استغلال ذلك لتوسيع نفوذ الجمهورية الإسلامية. قد يكون ذلك صحيحاً. ولكن يبدو أن هناك عاملاً آخر يلعب دوره، وقد يكون عاملاً مُفاجئاً نظراً إلى الظروف السائدة اليوم.

مع نجاح النظام السوري في ترسيخ نفسه في الأشهر الأخيرة –بإعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد (إن أمكن تسميته كذلك)– سعت سوريا، بدعمٍ من روسيا، إلى إعادة تواجدها في لبنان. فيما تظلّ إيران الفاعل الخارجي المُهَيمِن في لبنان، فإن محاولة سوريا وحلفائها لإعادة إقامة وجود لا يُمكن تجاهلها، وسيكون لها تأثيرٌ في مستقبل لبنان.

هناك اعتقادٌ متزايد بأن الدول العربية قد ترى النفوذ السوري في لبنان كثقلٍ مُوازنٍ للنفوذ الإيراني. هذا لا يعني أن سوريا وإيران ستدخلان في مواجهة، ولا يمكن لدمشق بشكل واقعي أن تُضعِفَ إيران و”حزب الله”. لكن إذا كان باستطاعة السوريين إعادة تنشيط شبكاتهم اللبنانية، وإذا كان بإمكانهم أن يكون لهم دورٌ أكبر في الشؤون اللبنانية، فقد يؤدي ذلك إلى تضييق هامش المناورة الإيراني هناك، وبالتالي في صنع القرار، وسوف تأخذ إيران في الحسبان المصالح السورية، وعلى نطاق أوسع العربية.

والأهم من ذلك، إن مثل هذه العملية قد تكون مدعومة من روسيا، الأمر الذي لا يُطمئن كثيراً إيران ووكلاءها المحلّيين. أفادت أخيراً تقارير غير مؤكّدة بأن الروس سعوا إلى التوفيق بين بعض أصدقائهم اللبنانيين ونظام الأسد. إن منطق موسكو هو أنه إذا تمكّنت دمشق من توسيع قوّتها في لبنان، فسوف تستقر سوريا وسيزداد نفوذ روسيا هناك أيضاً.

في العام الفائت، رأى “حزب الله” الكثير من التدخّل الخارجي في الشؤون اللبنانية. حاول الفرنسيون الدفع بمبادرةٍ لإصلاح الاقتصاد في العام الماضي، في أعقاب الانفجار المروع في مرفأ بيروت. كما سعت فرنسا والولايات المتحدة إلى دعم الجيش اللبناني وضمان ألّا تَفتَح نقاط الضعف في لبنان الباب أمام هيمنةٍ إيرانية كاملة. كما انخرطت مصر وقطر في السياسة المحلية أو في تقديم المساعدة.

بالنسبة إلى “حزب الله”، فإن أي شيء يُقلّل من سيطرة إيران المُهيمِنة على لبنان غير مقبول. لذلك من المُحتَمل أن يعتبر الحزب سوريا مُنافِساً مُحتَملاً، تتمتّع بميزةِ وجود مُتعاطفين معها على الأرض. قد يُفسر ذلك سبب تردّد “حزب الله” في الضغط على عون وباسيل لتشكيل حكومة جديدة.

في العام المقبل، سيكون لحدثٍ رئيس تأثيرٌ كبير في العلاقات السورية-الإيرانية: ستنتهي ولاية عون. الهدف الأساس للرئيس اللبناني هو ضمان أن يخلفه صهره. في حين أن فُرَص إنتخاب باسيل ضئيلة، فإن “حزب الله” لا يبدو على استعداد للتخلّي عنه، ويُمكن تفسير ذلك من خلال الديناميكيات مع سوريا.

والسبب في ذلك هو أن الخصم الرئيس لباسيل للرئاسة هو سليمان فرنجية، وهو سياسي مقرب شخصياً من عائلة الأسد. في حين أن فرنجية و”حزب الله” حليفان أيضاً، فإن رئاسته ستقطع شوطاً طويلاً نحو إحياء القوّة السورية، وتحويل البلاد إلى مصلحة سورية-إيرانية مشتركة.

قد يكون السبيل الوحيد ل”حزب الله” لمنع ذلك هو إيصال باسيل إلى السلطة. لن يكون هذا سهلاً، ولا يُرَجَّح أن ينجح بالنظر إلى أن الأغلبية في البرلمان التي تنتخب الرئيس تُعارضه. علاوة على ذلك، سيكون من الصعب على “حزب الله” تخويف أو تهديد حلفاء سوريا لانتخاب باسيل إذا أصرّت دمشق على فرنجية.

قد تكون الانتخابات الرئاسية في العام 2022 واحدة بين أحد الأصول الإيرانية، باسيل، والآخر السوري، فرنجية. من غير المرجح أن تسمح إيران وسوريا بتدهور العلاقات بينهما – ومهما حدث، سيواصل الأسد مساعدة إيران على مواجهتها مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن أولويات إيران وسوريا مختلفة، والأسد بحاجة ماسة إلى التمويل العربي لإعادة الإعمار، لذا فهو بحاجة إلى الإظهار بأن الدعم الإقليمي له يستحق العناء.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى