لماذا لم تَنجَح حماس في استثمارِ إنجازاتها في حربِ غزة؟

في ظلّ تعثّر حماس في استثمار انتصارها في الحرب الأخيرة مع إسرائيل واستقواء منظمة “فتح” بالخارج، يتجه الوضع نحو التصعيد لعودة الخلافات الفلسطينية الداخلية بشأن إعادة إعمار غزة وإدخال الهبة القطرية، وتحديد موعد لإجراء انتخابات عامة.

الرئيس محمود عباس: قطف ثمار حرب غزّة بدل “حماس”؟

عدنان أبوعامر*

شعرت حركة “حماس” أن التقاطها لفرصة الدفاع عن حيّ الشيخ جرّاح والمسجد الأقصى، من خلال خوضِها لحربٍ شرسة دعتها “معركة سيف القدس”، قد منحها شعبية وجماهيرية متزايدة أكّدتها استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز بحثية فلسطينية مستقلة. وأثبتت هذه الإستطلاعات أن رصيد الحركة الشعبي زاد بين الفلسطينيين نتيجةَ خوضها حرباً لا تتعلّق بحصار غزة، أو بسبب تأخر الهبة المالية القطرية، أو باغتيال أحد قادتها، كما كان الحال في حروب سابقة، وإنما جاء عنوان هذه الحرب هو القدس، ما رفع أسهُم “حماس” بين المَقدسيين خصوصاً، والفلسطينيين عموماً.

شعبية “حماس”

تمثّلت شعبية “حماس” في قدرتها على تعبئة الفلسطينيين وحشدهم في مختلف أماكن تواجدهم: قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس وداخل إسرائيل، فضلاً عن اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة، الذين توافدوا عبر مظاهرات تضامنية مع غزة والقدس على بوابات الحدود اللبنانية والأردنية مع إسرائيل، وهي أحداثٌ غير مسبوقة حين كانت تخوض غزة/”حماس” مواجهاتها العسكرية مع إسرائيل بدون تضامن فعلي من جهة الفلسطينيين خارج القطاع، الأمر الذي كان يصيب “حماس” بحالة من الإحباط.

اللافت أن هذه الشعبية، التي حصدتها “حماس خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، كانت بسبب ما أبدته الحركة من أداء عسكري نال إعجاب الفلسطينيين، حين استطاعت أن تواجه آلة الحرب الإسرائيلية على مدار أيام الحرب من دون أن ترفع الراية البيضاء، الأمر الذي منحها شعبية واسعة، وهو ما تجلى في رفع راياتها الخضراء في الضفة الغربية، وصور قادتها في المسجد الأقصى، والهتاف لقائدها العسكري محمد الضيف، وذراعها المسلح كتائب عز الدين القسّام، وهو سلوك  فلسطيني غير معهود، هذا أدّى إلى أن يُعرب قادة الأمن الفلسطيني في رام الله عن قلقهم خلال لقاءات مُغلقة، ولا سيما عقب ترديد عناصر من “فتح” شعارات “حماس” في المظاهرات التي شهدتها الضفة الغربية.

تراجع “فتح”

في الوقت ذاته، بدت السلطة الفلسطينية في وضع لا تُحسَد عليه، وهي مكتفية بمراقبة المشهد السياسي والعسكري السائد في الساحة بين “حماس” وإسرائيل، من دون أن يكون لها دور، باستثناء دعوات تقليدية لوقف العنف، ولم يُبادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو رئيس حكومته محمد أشتيه، أو أحد وزرائهما، بزيارة غزة رُغم أنها شكلت محطة لزيارات العديد من الشخصيات والوفود العربية والدولية.

بدا لافتاً أن رام الله، وهي مقر قيادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، بدت “مهجورة” حيث لم تقصدها أي وفود دولية خلال أيام الحرب، فيما توجهت الأنظار الى غزة، وهو مشهد أثار غضب السلطة الفلسطينية، وخشيتها من أن تشكل “حماس” بديلاً منها في نظر المجتمع الدولي، لا سيما في ما يتعلق بإعادة إعمار غزة.

الأكثر غرابة، بنظر الفلسطينيين، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ألقى خطاباً سياسياً في 19 أيار (مايو) 2021، بعد مرور قرابة عشرة أيام على اندلاع الحرب، بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف غزة، دعا فيه “حماس”، بشكلٍ غير مُتَوَقَّع، للانضمام لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ردّت الحركة على الفور برفض الفكرة تماماً، لأنها تأتي في وقت غير مواتٍ في ظل الحرب من جهة، ومن جهة أخرى لأنها تناقش قضية ليست ذات قيمة، في نظر الحركة، وهي تشكيل الحكومة، مقارنة بما تعتبره الأهم وهو إجراء الانتخابات العامة التي أجّلها عباس بقرار منفرد، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.

سعت السلطة الفلسطينية لترويج مطلبها هذا، بتشكيل الحكومة الجديدة، من خلال الوسطاء الإقليميين والدوليين، لا سيما مصر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكن “حماس” بدت ماضية في مشاوراتها مع حلفائها من الفصائل الفلسطينية لتشكيل قيادة وطنية بعيداً مما وصفه قائد “حماس” في غزة يحيى السنوار ب”الصالون السياسي”، قاصداً بذلك منظمة التحرير الفلسطينية التي لا تضم “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وغيرهما من فصائل المقاومة.

توجّهات أميركية تُفرِغ إنجاز “حماس”

لكن مع مرور الوقت، بدا أن الكفّة ترجح لصالح السلطة الفلسطينية في المشاورات المحلية والإقليمية والدولية، بمنحها صلاحية إعادة إعمار غزة بعد الحرب، وإدخال الهبة القطرية من خلالها، وليس إلى غزة مباشرة، وهي توجّهات جديدة قادتها الإدارة الأميركية، ولقيت استحساناً إسرائيلياً ومصرياً وأُممياً، فيما واجهت رفضاً صارماً من “حماس” لأنه يعمل على “تفريغ” إنجازها العسكري من مضمونه، ويسعى إلى ما وصفته ب”تبهيت” انتصارها الميداني، من خلال حرمانها من استغلال  إنجازاتها العسكرية في ساحة المعركة وتحويلها إلى  إنجازات سياسية.

يبدو واضحاً أن هناك جهوداً أميركية معنية بإحياء دور السلطة الفلسطينية بعد حالة القطيعة التي رافقت إدارة دونالد ترامب، تمهيداً لعودة المفاوضات مع إسرائيل، التي ترى حكومتها الجديدة أن التفاهمات الإنسانية التي أبرمتها حكومة بنيامين نتنياهو السابقة في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 مع “حماس” بوساطة قطر، والتي بموجبها يتم إدخال هبة قطرية شهرية بقيمة 30 مليون دولار للعائلات الفقيرة، ترى أنها ساهمت في تقوية “حماس”، واستقرار حكمها، وهو ما تجلّى في أدائها العسكري الذي أدهش الإسرائيليين، ولهذا تراجعت إسرائيل عن  المضي قدماً في هذه الخطة، وبالتالي تم توسيع موطئ قدم مصر في غزة على حساب قطر.

قالت مصادر رفيعة المستوى في “حماس” أن “الحركة تخشى من توجّه إقليمي دولي بزيادة الضغط عليها من جديد، سواء بتقييد دخول المال “الكاش” الى غزة، أو بإبعاد حلفائها، مثل قطر وتركيا، عن ساحة القطاع، وتقييد نفوذهم، لصالح أطراف أخرى ليست على توافق تام مع الحركة، الأمر الذي يعيد الأوضاع الإنسانية في غزة الى سابق عهدها من حصار مُحكَم وظروف قاسية، وفي هذه الحال يتم الضغط أكثر على سكان القطاع، الذين سيمارسون ضغوطهم بالتالي على “حماس”.

فشل حوار القاهرة

منذ إعلان عباس تأجيل الانتخابات العامة في أواخر نيسان (أبريل) 2021 من دون تشاورٍ مع الفصائل الفلسطينية، خشية فوز “حماس” وهزيمة “فتح”، وقعت قطيعة بين المنظّمتين، ولم تنجح الجهود المصرية طيلة الفترة الماضية في تقريب وجهات النظر.

دعت القاهرة، فور انتهاء حرب غزة وفود الفصائل الفلسطينية لعقد اجتماعاتٍ مُنفصلة تمهيداً للإعلان عن جولة جديدة من الحوار الفلسطيني الجماعي، لكن مصادر سياسية مصرية مُطّلعة قالت أن مواقف الحركتين الفلسطينيتين ” “بدت متباعدة: فقد طلبت “حماس” عبر رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية من وزير المخابرات المصرية عباس كامل أن يكون الحوار جماعياً مع جميع الفصائل، وليس ثنائياً بين الحركتين كما تُفضّل “فتح””. وأشارت المصادر المصرية إلى أن حماس “أكدت على ضرورة أن يبدأ الحوار من الموضوع الأهم وهو منظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم تحديد مواعيد جديدة لإجراء الانتخابات العامة”.

لكن “منظمة “فتح”، عبر وفدها الذي قاده جبريل الرجوب، أمين سر لجنتها المركزية، وصلت إلى القاهرة، وبين يديها ملف واحد هو تشكيل حكومة جديدة، بدون أي حديث عن الانتخابات أو عن منظمة التحرير، ما أدى إلى فشل الحوار قبل أن يبدأ”.

أكثر من ذلك، فقد تباعدت المواقف بين “فتح” و”حماس” حين أظهرت السلطة الفلسطينية، بدعمٍ إقليمي وإسرائيلي ودولي، رغبتها بتحييد “حماس” عن كلِّ ما يتعلق بإدارة غزة، لا سيما في القضايا العاجلة والطارئة، بخاصة إعادة الإعمار، من خلال تشكيل لجنة رسمية تبحث الموضوع، بدون أي إشارة للحكومة القائمة في غزة، والتي تُدار بواسطة “حماس”، ما زاد العلاقة توتّراً، وأدّى إلى نشوب خلافات جديدة.

من الواضح أن المشهد السياسي الفلسطيني الذي ظهر مُوَحّداً ومُنسَجماً، ولو مؤقتاً، خلال أيام الحرب على غزة، يعود أدراجه من جديد الى حالة الاستقطاب الداخلي في ظل “استقواء” السلطة الفلسطينية بالعامل الخارجي للتضييق على “حماس”، كي تُحرَم من توظيف أدائها العسكري الى إنجاز سياسي، ما يضع الحركة الإسلامية أمام خيارات سياسية صعبة، لأنها ربما لم تتوقع هذا السيناريو، وتوقعت أن يحقّق إنجازها العسكري زيادة شرعيتها السياسية داخلياً وخارجياً. وهذا لم يتحقّق، الأمر الذي قد يدفع الجانبين إلى مزيدٍ من التأزّم الداخلي.

  • عدنان ابو عامر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة للتعليم المفتوح في غزة، وكاتب وباحث في مركز دراسات عربية، حاصل على الدكتوراه في التاريخ السياسي من جامعة دمشق. يمكن متابعته عبر تويتر على: @AdnanAbuAmer2. الآراء الواردة في هذا المقال تُمثّل وتخصّ كاتبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى