ماذا يُريدُ ترامب في الشرق الأوسط؟ حلفاءُ أميركا في المنطقة يَتَمنّون لو يعلمون

هناكَ احتمالٌ كبير ألّا يُحقِّقُ الرئيس دونالد ترامب الكثير خلال زيارته لثلاث دول خليجية هذا الأسبوع، باستثناء إبرام بعض صفقات الأسلحة. ولكن ينبغي عليه أن يهدف إلى تحقيق إنجازٍ كبير. عليه أن ينتهزَ الفرصة ليُعلن بوضوح عن نيته في التوصل إلى اتفاق نووي وسياسي مع إيران.

مايكل والتز: هل إقالته من منصبه كمستشار للأمن القومي تعني شيئًا بالنسبة إلى العلاقات الخليجية-الأميركية؟

مارك لينش*

يزور الرئيس دونالد ترامب هذا الأسبوع ثلاثة شركاء رئيسيين لأميركا في الشرق الأوسط: المملكة العربية السعودية، قطر والإمارات العربية المتحدة. ولم يتّضح بعد ما يطمح إليه أو تحقيقه. ربما يسعى إلى إبرام صفقات أسلحة واستثمارات في الولايات المتحدة. وربما يأمل في إثراء نفسه شخصيًا من خلال استثمارات خليجية في عقارات ترامب، وصناديقه الاستثمارية، وعملاته الرقمية. لكنَّ الكثيرين يأملون -ويشعر آخرون بالقلق- أن تكون لديه طموحاتٌ أكبر. ويبدو أنَّ زيارته، على وجه الخصوص، تدور حول إيران، الدولة التي تُجري إدارته معها مفاوضات بشأن برنامجها النووي. ومع ذلك، ونظرًا لطبيعة إدارة ترامب المُتَقلّبة والخلافات الداخلية بين مستشاريه الرئيسيين، فإنَّ زيارته قد تُمهِّدُ الطريق بسهولة لحربٍ مع إيران، كما قد تُمَهِّدُ الطريق لتوقيع اتفاقٍ نووي.

كان قادة دول الخليج العربية يأملون في إعادة انتخاب ترامب. لقد حققوا نجاحًا خلال فترة ولاية ترامب الأولى، ولم يكن لديهم الكثير من الحب للرئيس الأميركي جو بايدن. (وكذلك كان الوضع مع مواطني هذه الدول الذين وضعوا اللوم على بايدن في تمكين إسرائيل من تدمير غزة). كما إنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يغفر لبايدن أبدًا قوله خلال حملته الإنتخابية بأنه سيجعل السعودية  دولة “منبوذة” بسبب اغتيالها للصحافي جمال خاشقجي. لقد حافظ بن سلمان على علاقاتٍ وثيقة مع ترامب وشركائه خلال سنوات بايدن، وعلّقَ ما اقترحه بايدن عن احتمال أن تقوم المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، والذي كان، قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، الهدف الرئيس الوحيد لإدارةٍ كانت مُنعَزلة عن الشرق الأوسط.

لكن بعد مرور مئة يوم على إدارة ترامب الثانية، يشعر هؤلاء القادة بالحيرة والقلق. تبدو سياسات ترامب في الشرق الأوسط مشابهة لسياسات بايدن، وهو أمرٌ مُفاجئ بالنظر إلى مدى جذرية تحرُّك الإدارة الجديدة لتحويل الحكومة الفيدرالية وتغيير التحالفات الأميركية الأساسية. على سبيل المثال، سياسات ترامب تجاه غزة واليمن اللتين مزقتهما الحرب، هي في جوهرها نُسَخٌ أكثر وحشية وأقل تحفّظًا من تلك التي انتهجها بايدن.

لكن ربما لا ينبغي أن يكون هذا مُفاجئًا للغاية. فبعد انتهاء ولاية ترامب الأولى في العام 2021، واصل بايدن جميع سياسات ترامب في الشرق الأوسط تقريبًا، مُرَكّزًا على توسيع اتفاقيات “أبراهام”، بينما لم يعد إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب، رافضًا السعي إلى تحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين، ومتجاهلًا إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان.

يختلفُ الرئيسان في الأسلوب والقدرة على التنبؤ. كان بايدن وفريقه موثوقين ومألوفين، بينما يعلم قادة المنطقة أنَّ ترامب يُمكنه تغييرَ رأيه بدون سابق إنذار. يخشون أن تُؤدّي رسوم ترامب الجمركية إلى ركودٍ عالمي، مما قد يُضرُّ بمبيعات النفط وحركة الشحن عبر البحر الأحمر وقناة السويس. ويخشون أيضًا أن يُؤدي إنهاء ترامب للمساعدات الخارجية إلى زعزعة استقرار الدول المُتلقية لها، مثل الأردن. وقد أثارت تصريحاته المُبالغ فيها بشأن غزة قلقهم. والأهم من ذلك كله، لا يعلمون ما إذا كان يُمهّد الطريق لديبلوماسية حقيقية مع إيران، أم أنه يُمهد الطريق للحرب فحسب.

على جدول الأعمال

يبدو أنَّ قرارَ زيارة القوى الخليجية العربية الثلاث الرئيسة، وليس فقط المملكة العربية السعودية، مُصَمَّمٌ لمنع الانقسام. في العام 2017، زار ترامب السعودية، وبعد عودته، نشر رسالةً على “تويتر” مؤيِّدةً لعزل قطر، مانحًا الضوء الأخضر للرياض، إلى جانب البحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة، لبدء حصار قطر عقابًا لها على دعمها للجماعات الإسلامية. أدّى هذا الحصار إلى انقسام مجلس التعاون الخليجي، وأجَّجَ الحروب بالوكالة والتنافس السياسي في جميع أنحاء المنطقة. كما عرقل جهود إدارة ترامب لممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران من خلال عقوبات صارمة، لأنه أجبر قطر على الاعتماد بشكلٍ أكبر على إيران في التجارة والوصول إلى العالم. انتهى حصار قطر بمجرّد تولي بايدن منصبه، حيث سعى قادة المنطقة إلى التوافق مع أولويات الرئيس الجديد، وهذه المرة لصالح المنطقة بأسرها.

ركزت الفترة التي سبقت زيارة ترامب، وهي أول رحلة عمل رسمية خارجية له في ولايته الثانية، بشكلٍ كبير على الاقتصاد. يأمل ترامب في توقيع صفقة أسلحة بقيمة 100 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية وتشجيع الاستثمارات الخليجية في الاقتصاد الأميركي. ومن جهتهم، يحرص السعوديون، على الأقل، على أن يُنظَرَ إليهم كشركاء اقتصاديين؛ فبعد انتخاب ترامب، طرح بن سلمان استثمارًا سعوديًا بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة. في الواقع، إنَّ أيَّ التزامٍ سعودي سيكون في الغالب شكليًا، إذ تُعاني المملكة من انخفاض أسعار النفط ومتطلبات الاقتصاد المحلي، ونادرًا ما تفي بمثل هذه الوعود. قد يكون ترامب أيضًا مُهتمًا بمصالحه الشخصية. فوفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، حققت شركات عائلة ترامب ملايين الدولارات من صفقاتٍ مع شركاتٍ مرتبطة بالحكومات السعودية والقطرية والإماراتية.

وقد يستغل ترامب أيضًا هذه الزيارة لمحاولة إقناع دول الخليج بالحفاظ على انخفاض أسعار النفط. خلال سنوات بايدن، أثبتت المملكة العربية السعودية عدم اهتمامها باستخدام سياساتها النفطية لمساعدة الولايات المتحدة. في الواقع، أثارت الرياض، إلى جانب بقية دول “أوبك+”، غضبَ البيت الأبيض بخفض الإنتاج، مما أبقى أسعار البنزين مرتفعة، على حساب بايدن سياسيًا، وزاد من عائدات روسيا النفطية بينما كانت الولايات المتحدة تفرض عقوبات على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا. لكن انخفاض أسعار النفط يُشكّل خطرًا على الرياض، التي تحتاجها فوق مستوى مُعيّن للحفاظ على موازنة ميزانيتها وخططها التنموية الطموحة.

ستشمل زيارة ترامب أيضًا السياسة الإقليمية، وإن كانت أهدافه على هذه الجبهة أقل وضوحًا بكثير. فالحكومات العربية غير متأكدة مما إذا كانت الولايات المتحدة ستطلب منها الاستعداد للحرب أو السلام مع إيران. هذا الغموض أمرٌ غير مألوف. إنَّ جُزءًا من المشكلة هو أنَّ الإدارة، التي تعاني من نقصٍ في الموظفين واختلالٍ في الأداء، تتحدث بأصواتٍ متعددة. وتُعتَبَرُ إقالة ترامب لمايكل والتز من منصبه كمستشار للأمن القومي عشية الزيارة أمرًا ذو دلالة. كان والتز يُنسّق عن كثب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن خطط العمل العسكري ضد إيران، ويدفع باتجاه نهجٍ عسكري عدواني تجاه الحوثيين في اليمن. وهذا الأمر يترك قادة الخليج ليتساءلوا عمّا إذا كان تخفيض رتبة والتز يُمثل تغييرًا في السياسة الأميركية أم أنه مجرّد عرضٍ من أعراض فوضى الإدارة.

القضية الأكثر أهمية، بالطبع، هي إيران. عندما زار ترامب المملكة العربية السعودية في العام 2017، حرص القادة السعوديون والإماراتيون على التخلّي عن ديبلوماسية عهد باراك أوباما وتبنّي نهجٍ أكثر تصادمية تجاه الجمهورية الإسلامية. لكن مواقفهم تغيّرت منذ ذلك الحين. في العام 2019، هاجم وكلاء إيران مصفاة نفط سعودية، ما أدّى إلى خفض إمدادات النفط العالمية مؤقتًا بنسبة ستة في المئة. باختيارها عدم الرد بالقوة العسكرية الأميركية، صدمت إدارة ترامب قادة الخليج، الذين اعتمدت استراتيجيتهم الأمنية طويلًا على الضمانات الأميركية. كما خيبت الولايات المتحدة آمال قادة الخليج بردها المحدود على هجوم شنه الحوثيون، وهم ميليشيا مدعومة من إيران، على أبوظبي في العام 2022. ذكّرت هذه الحوادث دول الخليج بأنها ستكون الهدف الأول لإيران في أيِّ حرب إقليمية، وأنها ستواجه مصيرها بمفردها إلى حد كبير. وبينما تبدو إسرائيل متلهفة لمهاجمة الولايات المتحدة لإيران، تبرز دول الخليج ككتلة مناهضة للحرب.

على مدى السنوات القليلة الماضية، انخرطت الرياض في تقارُبٍ هادئ مع إيران بوساطة صينية، مستأنفةً بذلك الجهود الديبلوماسية، وسعيًا إلى منع التصعيد الإقليمي. يُسعَدُ قادة الخليج بانتكاسات إيران على يد إسرائيل -وخصوصًا تدمير “حزب الله”، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران والتي تحوّلت إلى حزب سياسي في لبنان- ولن يذرفوا الدموع إذا انهار نظام الملالي فيها. لكنهم أقل ميلًا من إسرائيل للاعتقاد بأنَّ نقل الحرب إلى طهران سيخدم مصالحهم. إذا دخل ترامب في حرب مع إيران، فستطلب دول الخليج تعويضات مقابل موافقتها، ومن المرجح أن تطالب بضمانات استراتيجية جادة -مثل معاهدة دفاع رسمية، كما طرحتها إدارة بايدن على السعوديين- ومبيعات أسلحة، ومدفوعات جانبية أخرى مقابل دعمهم العلني للنهج الأميركي الجديد.

لطالما كان ترامب، على الرُغم من خطابه العدواني وتصعيداته العسكرية، متشككًا بشدة في الدخول في حرب كبرى أخرى في الشرق الأوسط. لقد تخلص من معظم صقور إيران من إدارته الأولى، ومنح مبعوثًا تفويضا بالتفاوض على اتفاق نووي جديد مع طهران. ولأنَّ مثل هذه الاتفاقات تتطلّب عملًا دؤوبًا وصبرًا كبيرًا، فمن غير المرجح أن تنجح إدارة ترامب في إبرامها. وقد دعا بعض مسؤولي إدارة ترامب إلى وقف كامل لتخصيب اليورانيوم الإيراني، وهو موقف من شأنه أن يضمن انهيار المحادثات. وإذا فشلت المفاوضات، فقد يمهد ذلك الطريق لصراع يدّعي ترامب أنه لا يريده. لكن ترامب تمسك حتى الآن بالديبلوماسية، حتى في ظل الاعتراضات الإسرائيلية. ومن شأن اتفاق جديد مع إيران أن يُسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة وتقليل خطر الحرب.

بَيعٌ صَعبٌ

يَعتَبِرُ ترامب اتفاقيات “أبراهام” أحد أعظم إنجازاته الديبلوماسية في ولايته الأولى. لا شك أنه كان ليحبّ الإعلان عن انضمام المملكة العربية السعودية إلى هذه العملية خلال زيارته، لا سيما ليزعم أنه حقق ما عجز عنه بايدن. لولا الحرب في غزة، لكان بن سلمان على الأرجح قد وافق على التطبيع مع إسرائيل كهدية شهر عسل لترامب.

لكن الخسائر اليومية المروّعة للهجوم الإسرائيلي على غزة تجعل التطبيع أمرًا صعبًا. فرغم أنَّ القادة العرب لا يكترثون للفلسطينيين، إلّا أنَّ شعوبهم تهتم بهم. فالحكومات العربية، المهووسة بإمكانية اندلاع جولة جديدة من الانتفاضات، تراقب عن كثب المزاج السياسي لشعوبها. لقد كان لمذبحة غزة أثرٌ مدمر على نظرة العرب لإسرائيل والولايات المتحدة، ورفعت بلا شك من الثمن المطلوب لبن سلمان للتوصل إلى اتفاق. ومن المرجح أن يشترط ضمانًا أمنيًا أميركيًا رسميًا، ومبيعات أسلحة، وإحراز تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية لتوقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، هذا إذا كان لا يزال يرغب في ذلك. لكن التطمينات الأميركية قد لا تكون كافية، نظرًا لشكوك ترامب حول التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها وشركائها.

يشعر القادة العرب بالقلق إزاء خطة إسرائيل (وترامب) النهائية بشأن غزة والضفة الغربية. في شباط (فبراير)، اقترح ترامب طرد أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في غزة “مؤقتًا” وإعادة توطينهم في أماكن أخرى (ربما مصر والأردن) ليتمكن من تحويل القطاع إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. أثارت خطته رعب معظم القادة العرب، ليس فقط لأسباب إنسانية، بل لأنَّ التدفّق الكبير لسكان غزة من شأنه أن يزعزع استقرار أي دولة عربية تستقبلهم. تخشى قطر أن تصبح كبش فداء للمفاوضات الفاشلة بين إسرائيل و”حماس”، حيث يُلقي نتنياهو باللوم عليها على فشل سياسته. وتخشى الإمارات العربية المتحدة من أن تُكلفها واشنطن بتمويل إعادة إعمار غزة. وتخشى جميع الحكومات العربية من أن تؤدي الحرب التي لا تنتهي إلى تطرُّف شعوبها.

هدد نتنياهو بتدمير غزة وسكانها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بحلول 15 أيار (مايو)، بالتزامن مع زيارة ترامب للخليج. باجتماعها مع ترامب عشية الحملة الإسرائيلية، تُخاطر الحكومات العربية بالظهور بمظهر المتواطئ في تدمير غزة. لكنها تأمل أيضًا في التأثير على رئيس الذي غالبًا، كما يبدو، ما يتأثّرُ بآخر شخص يتحدث إليه.

يشعر القادة العرب بالقلق أيضًا إزاء توسع التوغّلات الإسرائيلية في سوريا. فقد سيطرت إسرائيل على منطقةٍ عازلة واسعة في جنوب غرب سوريا، وقصفت مئات المواقع في البلاد منذ كانون الأول (ديسمبر)، عندما أُطيحَ الديكتاتور السوري بشار الأسد على أيدي تحالفٍ من الجماعات المتمردة. وقد مالت غالبية الدول العربية، حتى تلك التي تُبدي شكوكًا عميقة تجاه الإسلاميين، إلى دعم الحكومة الجديدة أملًا في تحقيق الاستقرار في بلدٍ مُمزقٍ بفعل 13 عامًا من الحرب الأهلية. وقد قدم العديد من الحكومات العربية دعمًا ماليًا للنظام الجديد، وسيحضر الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، مؤتمر القمة العربية المُقبل. ويريد القادة العرب معرفة ما إذا كانت واشنطن تُفضل سوريا مستقرة وموحَّدة في ظل نظامٍ يقوده جهاديون سابقون، أم أنها تُفضل العنف والانقسام.

أطول وأقوى؟

هناكَ احتمالٌ كبير ألّا يُحقِّقُ ترامب الكثير خلال زيارته، باستثناء إبرام بعض صفقات الأسلحة. ولكن ينبغي عليه أن يهدف إلى تحقيق إنجازٍ كبير. عليه أن ينتهزَ الفرصة ليُعلن بوضوح عن نيته في التوصل إلى اتفاق نووي وسياسي مع إيران. من شأن مثل هذا الاتفاق أن يستغل انتكاسات طهران المؤقتة، ويُدمج إيران في رؤية جديدة للنظام الإقليمي. ومن شأن هذا الاتفاق أن يتماشى تمامًا مع المزاج الإقليمي، إذ يُقلل من خطر نشوب حرب إسرائيلية مع إيران؛ ويُطبّع العلاقات الإيرانية مع الخليج؛ ويكبح جماح حلفاء إيران في المنطقة، بمن فيهم “حزب الله” والحوثيون والمتمردون الأسديون الناشئون في سوريا. إذا توصل ترامب إلى اتفاق لا يقتصر على البرنامج النووي الإيراني فحسب، فيمكنه الادعاء بأنه حقق صفقة أفضل مما حققه الرئيس الأميركي باراك أوباما.

لكن ضبط النفس الذي يتبنّاه ترامب تجاه إيران اقترن بدعم كامل للحملات العسكرية الإسرائيلية. ويبدو أنَّ إدارته تُقرّ بطموح إسرائيل لإعادة تشكيل النظام الإقليمي بالقوة العسكرية. وإذا كان ثمن موافقة إسرائيل على اتفاقٍ نووي مع إيران (بدلًا من مهاجمة المنشآت النووية للجمهورية الإسلامية من جانب واحد) هو موافقة الولايات المتحدة على استكمال تدمير غزة، وربما ضم الضفة الغربية، فإنَّ الآثار المستقرة لأيِّ اتفاق مع إيران ستكون قصيرة الأجل. إنَّ أيَّ اتفاق جديد مع إيران ينبغي أن يرتكز بدلًا من ذلك على نظام إقليمي جديد، والذي يتعين أن يشمل على الأقل وقف إطلاق نار دائم في غزة، وتدفق كبير للمساعدات الإنسانية إلى القطاع، ومسار معقول نحو إقامة دولة فلسطينية.

من الصعب تصوُّر ذلك، بالنظر إلى طبيعة موظفي هذه الإدارة وعملياتها السياسية وتفضيلاتها. يبدو أن ترامب يريد نظامًا إقليميًا قائمًا على القوة والمعاملات بدلًا من الشرعية أو الشراكة. لقد قوّض بشكل جذري القوة الناعمة الأميركية والوجود الأميركي غير العسكري في المنطقة من خلال تآكل قدرة الحكومة الفيدرالية على تنفيذ السياسات، وإغلاق الحدود الأميركية، وخفض المساعدات الخارجية، وإغلاق مؤسسات الديبلوماسية العامة. إنَّ دعم تهجير إسرائيل لقطاع غزة وضمه لن يؤدّي إلّا إلى تأجيج الرأي العام في الشرق الأوسط بطرق لن يخففها الاتفاق النووي مع إيران. إذا كان ترامب يريد حقًا كسر الحلقة المفرغة من فشل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فإن هذه الزيارة الخليجية ستكون الوقت المناسب للبدء والانطلاق.

  • مارك لينش هو أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفِّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى