“حزب الله” يُحاوِلُ العَودة

إن اندفاعة “حزب الله” الأخيرة هي علامة على عدم الارتياح، لكن لبنان يحتاج إلى حكومة سريعة لملء الفراغ الخطير.

عروض الدراجات النارية لـ”حزب الله” في المناطق غير الشيعية: محاولة يائسة للعودة إلى الهيمنة.

مايكل يونغ*

إذا كانَ هناكَ سطرٌ واحدٌ يشرحُ ما حدث يوم الأحد الفائت في لبنان، عندما قَتَلَ جنودٌ إسرائيليون 21 مدنيًا لبنانيًا عائدين إلى قراهم بالإضافة إلى جندي من الجيش اللبناني، فقد جاء هذا السطر من حسن فضل الله، عضو البرلمان عن “حزب الله”، الذي قال: “إنَّ معادلة الجيش والشعب والمقاومة أصبحت اليوم راسخة. لقد قاتلت المقاومة هنا حتى اليوم الأخير، وفتح الشعب الطريق للجيش اللبناني، ومعًا حررنا عيتا الشعب. هذه المعادلة التاريخية أصبحت راسخة بدماء شهدائنا وعزيمة شعبنا”.

في محاولةٍ لإحياءِ هذه الثلاثية، يُريدُ “حزب الله” مرة أخرى فَرضَ نفسه على قدم المساواة مع الدولة اللبنانية والجيش ووضعها في بيان مجلس الوزراء المقبل، وهو الطموح الذي يرفضه أكثر اللبنانيين. من الواضح أنَّ الحزبَ لعبَ دورًا فعّالًا في تشجيع سكان الجنوب على العودة إلى ديارهم في نهاية الأسبوع الماضي، مع علمه بأنَّ هذا الأمر من شأنه أن يدفعَ الإسرائيليين إلى إطلاق النار عليهم. والواقع أن قرار إسرائيل بتأخير انسحابها من الجنوب، إلى جانب إطلاق النار على اللبنانيين العُزَّل، يشكل أمرًا سوف يُحاولُ “حزب الله” الاستفادة منه من أجل زعزعةِ استقرارِ النظامِ السياسي الجديد الذي يُحاولُ الأميركيون والسعوديون والفرنسيون على وجه الخصوص فرضه. لكن من أجلِ استباق هذا، وافق لبنان لاحقًا على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حتى الثامن عشر من شباط (فبراير)، في حين بدأ محادثات لإطلاق سراح المواطنين اللبنانيين الذين تحتجزهم إسرائيل.

إنَّ تشجيعَ “حزب الله” الواضح ليلة الأحد الفائت للشباب على ركوب الدراجات البخارية في المناطق غير الشيعية في بيروت وغيرها من المناطق وهم يلوّحون بأعلام “حزب الله” ويطلقون أبواق سياراتهم ويصرخون “شيعة شيعة” كان تكتيكًا آخر لترهيب خصومه. إلّا أنَّ الشباب واجهوا مقاومةً عنيفة من السكان في العديد من الأماكن واندلعت المعارك. وتدخّل الجيش لمنع أنصار “حزب الله” من التحرّك، ولكن من الواضح أنهم يجدون صعوبة أكبر في دخول الأحياء التي لا تسيطر عليها الأحزاب الشيعية حيث يتعرّضون للهجوم.

إذا كان بعضُ الناس يستطيع أن يستشعرَ التهوُّر في صفوف “حزب الله”، فذلك لأنَّ الحزب يحاولُ بشكلٍ يائس تأكيد وجوده في الوقت الذي يبتعد الأفق السياسي في لبنان بشكلٍ ثابت عن تفضيلاته. لقد سئم اللبنانيون في غالبيتهم من “حزب الله” وجهوده لإعادة تأكيد هيمنته. وفي الوقت نفسه، تظهر الطائفة الشيعية نفسها علامات القلق لأنها لا تعرفُ مَن سيُعيدُ بناء القرى والمنازل التي دُمِّرَت في الصراع الأخير مع إسرائيل، أو حتى متى أو ما إذا كان ذلك سيحدث.

إنَّ هذا الوضعَ يجعلُ من الضروري لرئيس الوزراء المُكلَّف نوّاف سلام أن يُشكّلَ حكومةً جديدة هذا الأسبوع، وليس إدامة الفراغ الذي يُمكِنُ ل”حزب الله” أن يستغلّه. إنَّ جهودَ سلام لتشكيل حكومةٍ توافقية جديرة بالثناء، ولكنها في هذه المرحلة خاطئة أيضًا. إنَّ “حزب الله” و”حركة أمل” التابعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ليست لديهما أي مصلحة في تسهيل التوصُّل إلى توافق. إنهما يعتزمان تقويض التفويض الرئاسي وتحييد الرئيس جوزيف عون، وهما غير مُعجَبين أو مُقتنعين بوعود سلام بإعادة بناء المناطق ذات الغالبية الشيعية المدمّرة. بل إنهما لا يُريدان أن يُنظَرَ إلى الدولة على أنها ناجحة في هذا المسعى. بل يريدان بدلًا من ذلك تأمين التمويل لإعادة الإعمار، ثم اختطافه لإجراء التنفيذ بأنفسهما.

أمّا بري، فبعدما كان الشخصية السياسية المُهيمنة في لبنان لمدة عامين، فإنه الآن غير سعيد بتقليص دوره إلى دورٍ مساعد في سيناريو جوزيف عون. وربما يسعى رئيس مجلس النواب إلى توليد الأزمات في مؤسّسات الدولة، الأمر الذي من شأنه أن يسمح له بأن يصبح الوسيط الرئيس مع “حزب الله”، وبالتالي تعزيز قوته. وفي حين كانت جهود بري ضرورية أثناء الحرب مع إسرائيل، فإنَّ رئيس البرلمان اليوم يخشى أن يتمَّ التحايل عليه من قبل الديناميكيات السياسية الجديدة في لبنان، وسوف يقاتل لتجنُّب هذا.

إنَّ لبنان يحتاج بشكلٍ عاجل إلى وزير خارجية قادر على السفر إلى واشنطن وضمان وفاء الأميركيين بشروط اتفاق وقف إطلاق النار الذي ساعدوا في التفاوض عليه، وإخراج الإسرائيليين بحلول 18 شباط (فبراير). إنَّ كلَّ يومٍ تبقى فيه القوات الإسرائيلية في الجنوب هو يومٌ يُحيي رواية “حزب الله” عن المقاومة. ونظرًا لأنَّ الولايات المتحدة أعطت إسرائيل خطابًا جانبيًا يسمح لها بتحديد انتهاكات الاتفاق، وضربها إذا فشل الجيش اللبناني في التحرُّك ضدها، فلا يوجد حقًا سببٌ يدعو الإسرائيليين إلى التباطؤ.

وفي هذا الصدد، هناك مصلحة راسخة بين عون وسلام في التعاون الوثيق. ويتعيّن على رئيس الوزراء المُكلّف أن يقبلَ حقيقةً مفادها أن رئيس الجمهورية هو الشخصية المحورية في نظر الدول العربية والولايات المتحدة وفرنسا. ورُغمَ الاحترام الذي يحظى به سلام، فإننا ما زلنا في بداية ولاية رئاسية، وهذا يعني أنَّ أولوية رئيس الوزراء هي ضمان بدء الرئاسة على نحوٍ ناجح. علاوةً على ذلك، سوف تظل الحكومة قائمة لمدة تزيد قليلًا على عام، حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة، وبالتالي فإنَّ المهمة الرئيسة لسلام سوف تتمثل في البدء في تنفيذ مجموعةٍ واسعة من الأهداف السياسية مع عون، والتي سوف تتجاوز إلى حدٍّ كبير الموعد النهائي للانتخابات وتُحدد الرئاسة لمدة ست سنوات.

لكن “حزب الله” لا ينوي السماح لرئيس الجمهورية بتحقيق ما كان ربما أهم وعوده، ألا وهو ضمان احتكار الدولة للسلاح. والدليل على ذلك ما ورد في مقال نشرته صحيفة “صنداي تايمز” اللندنية في السادس والعشرين من كانون الثاني (يناير)، حيث ذكرت الصحيفة أن رئيس فرع الاستخبارات العسكرية في جنوب لبنان في الجيش اللبناني نقل إلى “حزب الله” معلومات سرية من جلسات اللجنة المُكوّنة من خمسة أعضاء لمراقبة وقف إطلاق النار مع إسرائيل. وذكرت الصحيفة أنها اطلعت على “تقرير استخباراتي” يفيد بأنَّ الضابط المذكور، وهو من الجنوب، كان “واحدًا من عشرات الضباط في الجيش اللبناني الذين سرّبوا معلومات إلى “حزب الله”، وأعطوه إنذارًا مُسبَقًا بالمداهمات أو الدوريات، مما سمح له إزالة الأسلحة والتهرُّب من الكشف”.

إذا كانت القصّة صحيحة (وبعد يوم واحد من الاطلاع على موقع الجيش، لم يتم نشر أي نفي)، فهذا يعني أنَّ جوزيف عون سوف يضطر بسرعة إلى البدء في عملية وَضعِ رجاله في المواقع الاستراتيجية التي من شأنها أن تسمح للبنان بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701. وتذكر تقارير صحافية عن المفاوضات بشأن الحكومة، أنَّ رئيس الجمهورية يسعى إلى السيطرة على الجيش والمؤسسات الأمنية الداخلية من خلال اختياراته لوزيري الدفاع والداخلية.

إنَّ أجندة عون، كما ينبغي لنا أن نفترض، تتفق إلى حدٍّ كبير مع أجندة مجموعة الاتصال المُكوَّنة من خمس دول بشأن لبنان. بعبارةٍ أخرى، يبدو هامش المناورة المُتاح أمام سلام ضِّيقًا للغاية عندما يتعلق الأمر بتشكيل حكومةٍ ترضي جميع الكتل البرلمانية، كما بدا أنه يفضل في وقت مبكر من الأسبوع الماضي. إنَّ رئيس الجمهورية لديه رؤيته الخاصة للحكومة، وهناك تقارير غير مؤكّدة تُفيدُ بأنه أقل اهتمامًا بالتوصل إلى إجماع بل يفضل تشكيل حكومة فعّالة، وتنفصل عن الماضي، ويمكنها البدء في العمل على الفور، حتى لو كان ذلك يعني أنَّ هامش التصويت على الثقة أضيق من المعتاد. على أية حال، بمجرد أن تضمن حكومة سلام الجديدة حصولها على أغلبية 65 صوتًا فإن هذا الرقم سيرتفع بالتأكيد حيث أنَّ العديد من الكتل سيصوّت بالثقة إذا حصلت على هذا العدد.

حتى أواخر الأسبوع الماضي، بدا أنَّ هناك رؤى متضاربة بين عون وسلام. وبدا أنَّ تصريحَ رئيس الوزراء المكلّف في الحادي والعشرين من كانون الثاني (يناير) في القصر الرئاسي بأنه “ليس ليبان بوست” (أو صندوق بريد) يشيرُ إلى أنَّ اجتماعه مع عون أوضحَ أنَّ تشكيل حكومة وحدة وطنية تهدّئ جميع الأطراف، وخصوصًا “حزب الله” و”حركة أمل”، ليس هو الطريق الصحيح. وإذا أدرك سلام ما هو على المحك وأنَّ جهوده تخضع لمراقبة عن كثب ليس فقط من جانب الرئاسة ولكن أيضًا من جانب مجموعة الاتصال المكوّنة من خمس دول، فسوف يدرك أنه جُزءٌ من مشروعٍ سياسي أكبر منه.

سلام شخٌص يتمتع بنوعية عالية من المصداقية وملتزمٌ حقًا بالإصلاح، ولكن من المهم ألّا يفقد الغابة من أجل أشجار. وفي حين يحاول “حزب الله” بشكلٍ يائس استعادة ما فقده بعد هزيمته أمام إسرائيل، فإنَّ أيَّ تأخيرٍ إضافي في تشكيل الحكومة وفرض سلطة الدولة جنوب نهر الليطاني يتعارض مع رغبات العديد من الأطراف، المحلية والأجنبية. وما لم يُلبِّ رئيس الوزراء المكلّف هذه الرغبات بسرعة، فقد ينجح البعض في حرمان لبنان من صفاته وميزاته.

  • مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى