ثلاث قضايا تُشَكِّلُ سياسة ترامب في ولايته الثانية في الشرق الأوسط
الشؤون العربية-الإسرائيلية وإيران والسياسة الاقتصادية العالمية قضايا ثلاث سوف تُشكّلُ أجندة السياسة الأميركية الشاملة في الأشهر المقبلة، ومن السابق لأوانه استخلاص استنتاجات حول الاتجاه الذي تتجه إليه الإدارة الجديدة على هذه الجبهات.

براين كاتوليس*
لم يكن الفصل الافتتاحي للإدارة الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب مُرتبطًا كثيرًا بقضايا السياسة في الشرق الأوسط. في أيامها الأولى، أصدر ترامب مجموعة من الأوامر التنفيذية التي ركّزت على أولويات مثل الهجرة، وتحوّلات السياسة الاجتماعية، والتغييرات في كيفية عمل الحكومة الأميركية، مما وضع قيمة أعلى على الولاء لأجندته.
كانت الخطوة الأكثر دراماتيكية التي اتخذها ترامب إصدار العفو عن أكثر من 1500 مجرم مُدان هاجموا الكونغرس الأميركي قبل أربع سنوات في محاولة لقلب نتائج انتخابات 2020 التي خسرها ترامب. وقد أرسلت هذه الخطوة إشارةً إلى العالم حول الاتجاه الذي تتجه إليه أميركا في التعامل مع قضايا مثل الالتزام بسيادة القانون ونزاهة نظامها السياسي، فضلًا عن دعم سلطات إنفاذ القانون.
ومن السابق لأوانه التنبؤ بالنهج الذي قد يتبنّاه ترامب تجاه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط أو حتى إلى أي مدى سيُعطي الأولوية للمنطقة مُقارنةً بالقضايا الأخرى المُدرَجة على أجندته في ولايته الثانية. لقد أرسلت إدارته بعض الإشارات المختلطة وغير المُتَّسِقة بشأن التوظيف والتحرّكات السياسية التي لا توفّر إحساسًا واضحًا كافيًا بالصورة الكبيرة في الشرق الأوسط ولكنها تُقدّمُ نظرةً عامة لما قد يأتي على ثلاث جبهات رئيسة.
- الشؤون العربية–الإسرائيلية: الحسابات الأوّلية لا تتوافق. أشار ترامب إلى أنَّ هذه القضية تُشكّلُ أولوية من خلال تسمية شخصياتٍ رئيسة في فريق الشرق الأوسط في وقت مبكر من المرحلة الإنتقالية بعد إعادة انتخابه، بما في ذلك مبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ومرشحه لمنصب السفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي، والمستشار الأول للشؤون العربية والشرق أوسطية مسعد بولس، من بين مسؤولين آخرين.
عملَ ويتكوف عن كثب مع إدارة بايدن في أيامها الأخيرة لإبرامِ اتفاقِ وقف إطلاق النار الحالي وإطلاق سراح الرهائن بين إسرائيل و”حماس”، وهو الاتفاقُ الذي سيتطلّب مفاوضات إضافية لتنفيذه بالكامل وتحقيق إمكاناته. وقد أشار ويتكوف في الأسبوع الفائت إلى أنه سيلعب دورًا نشطًا وعمليًا، قائلًا إنه سيسافر إلى إسرائيل وغزة كجُزءٍ من فريق تفتيش للتأكّد من أنَّ الأمورَ تسيرُ وفقًا للخطة. لن يكون الحفاظ على هذه الصفقة حيّة والانتقال من مرحلتها الأولى إلى المرحلتين التاليتين مهمة سهلة – فقد أشار ترامب نفسه إلى بعض التشاؤم يوم الاثنين االماضي أثناء توقيعه على أوامر تنفيذية والإجابة عن أسئلة المراسلين في المكتب البيضاوي، قائلًا “إنها ليست حربنا. إنها حربهم. أنا لست واثقًا”.
ألغى أحد الأوامر التي وقعها ترامب العقوبات الأميركية على جماعات المستوطنين الإسرائيليين المتطرّفين المُتَّهمين بالعنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو إجراءٌ متواضع نفّذه بايدن ولم يَبدُ أنه كان له تأثيرٌ كبير. في الواقع، استمرت هذه الجماعات الاستيطانية في تنفيذ هجمات ضد الفلسطينيين هذا الأسبوع، مما يعرّض للخطر التصعيد في الضفة الغربية، حيث شنّت القوات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية عمليات جديدة، كل ذلك خلال الهدوء الهشّ في غزة (واقتراحه ب”نقلِ سكانٍ من غزة المُدمَّرة إلى دولٍ مجاورة” بشكلٍ مؤقّت).
في الصورة الأكبر، يبدو من الصعب تحقيق تطلّعات ترامب لإبرامِ صفقةِ تطبيعٍ أوسع بين السعودية وإسرائيل وجائزة نوبل للسلام من دون خلقِ مسارٍ موثوق لحلّ الدولتين، وهو الأمر الذي اعتبره هكابي غير مرجح. إنّ العودة إلى العنف، وضمّ إسرائيل للضفة الغربية، وعدم وجود مسارٍ واضحٍ لحلِّ الدولتين، كلُّ هذا من شأنه أن يُقلّلَ من احتمالية تحرّك المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
- إيران ومحور “المقاومة”: إشاراتٌ مُختَلطة بشأن الأفراد واتجاه السياسة. في هذه المرحلة المُبكرة من االتحوّل الرئاسي، لم يستقر الغبار بعد في ما يتعلق بمَن سيكون في فريق ترامب وما هي الإشارات التي ينوي إرسالها. على مستوى مجلس الوزراء، يقوم ترامب بتثبيت مجموعةٍ من الموالين الذين سيُنفّذون أجندته وغرائزه، سعيًا إلى تجنُّب التحديات والاختلافات في وجهات النظر التي واجهها من أول وزيرَي دفاع وخارجية في ولايته الأولى، جيم ماتيس وريكس تيلرسون. وعلى مستوى الموظّفين، “طرد” ترامب الأسبوع الماضي بريان هوك، الذي شغل منصب المبعوث الخاص لإيران في ولايته الأولى وكان يشغل منصبًا في مجلس إدارة مركز ويلسون، وهو مركز أبحاث مموَّل فيدراليًا في واشنطن.
وكانت هناك إشارة مهمة في الأسبوع الأول لترامب مع الأخبار المحتملة بأنَّ ويتكوف قد يشغل أيضًا منصب رئيس السياسة بشأن إيران بالإضافة إلى العمل الذي قام به بشأن تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة. وإذا كان هذا صحيحًا، فهذا منطقي إلى حدٍّ ما من الناحية السياسية، لأنَّ بعضَ الشركاء في الشرق الأوسط الذي لعب دورًا رئيسًا في فتح اتفاق وقف إطلاق النار هذا قد يلعب أيضًا دورًا مهمًا في تشكيل كيفية تعامل الولايات المتحدة مع التحديات التي تفرضها إيران.
على المستوى الرفيع، أشار كبار المسؤولين في إدارة ترامب، مثل مستشار الأمن القومي مايكل والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو، إلى مواقف متشدّدة بشأن إيران وبرنامجها النووي، وكان هناك الكثير من الحديث خلال الفترة الانتقالية حول إعادة تقديم سياسة “الضغط الأقصى” من فترة ولاية ترامب الأولى. وفي الوقت نفسه، رشّح ترامب أو عيّن آخرين في فريقه للأمن القومي الذين دافعوا عن نهجٍ أكثر سلبية تجاه إيران، بما في ذلك مايكل ديمينو، المُعيَّن حديثًا من المستوى المتوسط لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الدفاع، وإلبريدج كولبي، المرشح لقيادة مكتب السياسات في البنتاغون.
سوف يستغرق الأمر بعض الوقت الإضافي حتى يتمكن فريق ترامب من ترتيب نهجه تجاه إيران، التي شهدت ضعف موقفها الإقليمي خلال العام الماضي حتى مع بقاء برنامجها النووي وقدرتها على زرع الفوضى من المخاوف الرئيسة. كان أحد المجالات التي تحرك فيها فريق ترامب في أيامه الأولى هو إعادة تصنيف الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية أجنبية – فقد عملت الجماعة المسلحة المتحالفة مع إيران على تقويض الأمن الإقليمي لسنوات، بما في ذلك من خلال تنفيذ هجمات على الشحن العالمي في البحر الأحمر.
خلاصةُ القول هي أنَّ إيران تلوح في الأفق وتَفرُضُ العديدَ من التحدّيات السياسية، والتعامُلُ مع ملفِّ إيران بطريقةٍ متكاملة مع القضايا العربية-الإسرائيلية أمرٌ منطقي، خصوصًا إذا كانت أميركا تضع نفسها في وَضعٍ يسمحُ لها بالعمل بشكلٍ وثيقٍ مع الشركاء الإقليميين.
- السياسة الاقتصادية العالمية الناشئة لترامب وتأثيرها في المنطقة: عصرٌ جديد من عدم اليقين. أحدُ المجالات التي تُشكّلُ أولوية عالية لإدارة ترامب الثانية هو تجديد العلاقات الاقتصادية الأميركية مع القوى الاقتصادية العالمية الكبرى. أرسل ترامب العديد من الإشارات المختلفة، بما فيها فكرة فرض الرسوم الجمركية على بعض أقرب شركاء أميركا التجاريين مثل الصين والمكسيك وكندا في أوائل شباط (فبراير). إذا انتقلَ ترامب إلى مياهٍ مجهولة في سياسته الاقتصادية العالمية كما يتوقّع الكثيرون، فقد تكون لهذا الأمر آثارٌ جانبية كبيرة على علاقات أميركا في الشرق الأوسط، وخصوصًا مع الجهات الفاعلة الاقتصادية الأكبر مثل المملكة العربية السعودية وتركيا، وهما من أعضاء مجموعة العشرين.
لقد بدأت غالبية البلدان بالفعل وضعَ نفسها لهذا العصر الجديد من عدم اليقين وتهدفُ إلى كسب ودِّ ترامب. في الأسبوع الأول من ولايته، شاركت المملكة العربية السعودية خططًا مع ترامب لاستثمار أكثر من 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة. وردَّ ترامب في خطابٍ افتراضي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس قائلًا إنه سيطلب من الرياض استثمار المزيد من الأموال وخفض تكلفة النفط. إنَّ الطاقة تُشكّلُ جُزءًا رئيسًا من العلاقات الاقتصادية الأميركية مع العديد من دول الشرق الأوسط، وكانت سياسة الطاقة واحدة من أهم الأولويات في الموجة الأولية من الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب، مع التركيز بشكل أكبر على الوقود الأحفوري والتحوُّل بعيدًا من الطاقة الخضراء. وتظل أميركا منتجًا عالميًا رئيسًا للطاقة، وقد أدّت الاختلافات في سياسة الطاقة في بعض الأحيان إلى وضعها في خلافٍ مع بعض شركائها في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة ــ وهي الديناميكية التي قد تتكرر مرة أخرى إذا تبنّت أميركا أجندة قومية اقتصادية لسياساتها في مجال الطاقة أيضًا.
إنَّ هذه القضايا الثلاث ــ الشؤون العربية-الإسرائيلية، وإيران، والسياسة الاقتصادية العالميةــ سوف تُشكّلُ أجندة السياسة الأميركية الشاملة في الأشهر المقبلة، ومن السابق لأوانه استخلاص استنتاجات حول الاتجاه الذي تتجه إليه الإدارة الجديدة على هذه الجبهات. وسوف يُشكل التفاعل بين هذه القضايا الثلاث نبرة ومضمون علاقات أميركا مع أقرب شركائها ويخلق الإطار لما هو ممكن وما هو غير ممكن لأجندة أميركا في الشرق الأوسط في فترة ولاية ترامب الثانية.
- برايان كاتوليس هو زميل أوّل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.