النفوذُ الإيراني المُتزايِد في منطقة البحر الأسود: العواقِبُ والاستجاباتُ الغربية

يبدو أنَّ الحربَ الروسية الشاملة ضد أوكرانيا، والتي تقترب الآن من عامها الثالث، قد أتاحت العديدَ من الفُرَص الاستراتيجية لإيران لزيادة موطئ قدمها في منطقة البحر الأسود الكبرى، بعدما انخفضت بصمتها وخسرت تأثيرها في المشرق العربي.

الرئيسان الإيراني مسعود بزشکیان والأرمني نيكول باشينيان: نحو علاقات ثنائية متميزة.

يوليا سابينا جوجا*

يُلَخِّصُ مركزُ بريماكوف الروسي بشكلٍ أنيقٍ ودقيقٍ الدافعَ الذي يقودُ موسكو وطهران إلى التقارُب أكثر فأكثر: “مع تزايُدِ العقوبات والضغوط العسكرية من الغرب، جنبًا إلى جنب مع الجهود المبذولة لعزل روسيا وإيران عالميًا، أصبحت المصالح الوطنية للبلدين أكثر توافُقًا. تعمل الدولتان معًا للرَدِّ على العقوباتِ والضغوطِ السياسية، مع توسيعِ تعاونهما التجاري والاقتصادي والدفاعي. وقد مهّدَ هذا الطريق لشراكةٍ استراتيجيةٍ مُتنامية”. لقد خلقت هذه العلاقة الوثيقة مع روسيا -والديناميكيات الدولية التي تُحَرّكها- فرصةً لإيران لتوسيع نفوذها إلى ما هو أبعد من الخليج والمشرق العربي، حيث كانت حتى وقت قريب أكثر نشاطًا.

لقد أتاحت الحرب الروسية الشاملة ضد أوكرانيا، والتي تقترب الآن من عامها الثالث، العديدَ من الفُرَصِ الاستراتيجية لإيران لزيادةِ موطئ قدمها في منطقة البحر الأسود الكبرى. ولا تشمل هذه المنطقة حوض البحر الأسود وساحله فحسب، بل تمتدُّ أيضًا عبر القوقاز وتصل إلى بحر قزوين – المناطق التي تداخلت فيها مصالح ونفوذ روسيا وإيران بالفعل. وقد تَجسّد هذا الموطئ الإقليمي المتزايد بطريقتَين ملحوظتَين. أوَّلًا، أصبحت إيران مشاركًا مباشرًا في الحرب الروسية-الأوكرانية وواحدًا من أكثر شركاء روسيا قيمةً في منطقة البحر الأسود الكبرى بسبب الخبرة القيّمة التي اكتسبتها طهران في التهرّب من العقوبات والقدرة التي لا غنى عنها على تسليم الأسلحة المحظورة إلى آلة الحرب الروسية. ثانيًا، كانت إيران تراقب، بل وتحاول أحيانًا، ملء الفراغات الإقليمية في القوة التي انفتحت على مدى السنوات العديدة الماضية بسبب انشغال روسيا بجهودها العسكرية في أوكرانيا من ناحية وتردُّد الغرب من ناحية أخرى. لقد أدى النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة بالنسبة إلى كلا الجانبين إلى خلق تكاليف وتهديدات متزايدة لحلف شمال الأطلسي. ومن ثمَّ فإنَّ التحليلَ الدقيق للبصمة الإيرانية المتنامية في منطقة البحر الأسود الكبرى أمرٌ ضروري للإعلام عن الكيفية التي يمكن بها للإدارة المقبلة في واشنطن والمفوضية الأوروبية الجديدة تعزيز وتنسيق استجاباتهما السياسية بشكل أفضل.

العلاقات الروسية-الإيرانية تعززت من خلال الحرب

تقليديًا، لم تكن إيران لاعبًا مهمًّا في الجُزءِ الغربي من منطقة البحر الأسود الكبرى. والسببان وراء ذلك هما: كانت طهران حذرة من تجاوز حدودها في منطقة البحر الأسود، وهي مساحة جيوسياسية ترى أنها خاضعة لسيطرة موسكو، والتي تشير إليها روسيا باعتبارها “الجوار القريب”. وثانيًا، موارد إيران في نشر قوتها محدودة للغاية، وخصوصًا في ظلِّ نظام العقوبات الذي فرضه الغرب، وكانت تميل إلى التوجُّه جنوبًا لدعم وكلائها المتطرّفين طائفيًا مثل “حزب الله” و”حماس” و”الحوثيين”. وحتى وقتٍ قريب، كانت إيران، الدولة الأكثر خضوعًا للعقوبات في العالم، تعتمدُ استراتيجيًا على عددٍ محدودٍ من الشركاء، مما يجعل العلاقة مع روسيا أكثر أهمّية. تعتمد طهران على موسكو بشكلٍ خاص للحصول على الدعم السياسي في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية فضلًا عن الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية والنووية المتقدّمة. وقد تم تطوير العلاقة العسكرية بين إيران وروسيا بعناية على مدى سنواتٍ من التعاون المُكثَّف في سوريا؛ وبمرور الوقت، امتدّت إلى تعزيز الدعم الروسي لأهم وكلاء طهران الإقليميين. لقد تم العثور على أسلحة روسية بين أيدي قوات “حماس” و”حزب الله”، في حين توصّلت الاستخبارات الأميركية إلى أنَّ روسيا تُقدّمُ أيضًا أسلحة ومساعدات محدودة للحوثيين.

كانت علاقة إيران بروسيا غير متكافئة منذ فترة طويلة، حيث تجسّد الأولى الشريك الأصغر وتعتمد على حسن نية موسكو. وكانت المفاوضات مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني رمزًا لهذه الديناميكية القوية – كانت روسيا تزوّد إيران بالمعرفة التقنية ولكنها تلعب أيضًا دور قوة تفاوضية. مع ذلك، بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في العام 2022، بدأت العلاقة تعمل بأقصى سرعة مع تضخّم وتعاظُم أهمية إيران الاستراتيجية للكرملين فجأة.

بسبب عدوانها المُتصاعد، فقدت روسيا قدرتها المتميِّزة على الوصول إلى الغرب وتفوّقت على إيران وتجاوزتها باعتبارها الدولة الأكثر تعرّضًا للعقوبات على وجه الأرض. وقد أبرزت قدرة إيران على تزويد موسكو بالمعرفة والخبرة الفريدة في التهرب من العقوبات، بدعمٍ من عمليات التسليم القوية للسلع المحظورة، قيمة إيران وعززت العلاقة. وفي أحد الأمثلة الحاسمة، تعلمت موسكو بسرعة من تجربة إيران في استخدام “أسطول الأشباح” لتوصيل النفط إلى الصين وجمعت أسطولها غير المشروع.

كما قدمت إيران مساعدات عسكرية أساسية لدعم عدوان روسيا على أوكرانيا، ما جعل الدولة الشرق أوسطية مشاركًا نشطًا في الحرب في منطقة البحر الأسود. تواصل طائرات الكاميكازي الإيرانية من طراز شاهد-136، التي أطلقتها القوات الروسية، إحداث الفوضى على الخطوط الأمامية وإرهاب السكان الأوكرانيين. كما أجبرت الطائرات المسيَّرة الإيرانية الصنع التي تتجول بشكل دوري في المجال الجوي لمنظمة حلف شمال الأطلسي المجاورة وتسقط أحيانًا في أراضي الناتو، رومانيا وحلفاءها على إرسال عشرات الطائرات المقاتلة النفاثة للتصدي لها. لكن هذا الدعم العسكري لموسكو ليس ماديًا بحتًا: فقد ذكرت المعلومات أن مدرّبي الطائرات المسيرة الإيرانيين تم نشرهم في شبه جزيرة القرم المحتلة من قبل روسيا منذ النصف الثاني من العام 2022. وتساعد إيران الآن روسيا على بناء نماذج الطائرات المسيرة في تتارستان، بينما سلمت أيضًا صواريخ باليستية قصيرة المدى لشريكتها.

إيران تملأ الفراغ في جنوب القوقاز

كانت إيران وروسيا تتنافسان على فتراتٍ مُتقطِّعة لقرون من أجل السيطرة والنفوذ في جنوب القوقاز، الذي يضمُّ اليوم جورجيا وأرمينيا وأذربيجان؛ وعلى الرُغم من أنَّ علاقات طهران هناك لم تكن قوية بشكلٍ خاص في العقود الأخيرة، إلّا أنها الآن تتعمّق. في القرن العشرين، ابتعدت طهران من المنطقة، تاركةً إياها إلى حدٍّ كبير لموسكو أثناء الاحتلال السوفياتي وبعده. ومن بين الدول الإقليمية الثلاث، ظلت إيران الأقرب إلى أرمينيا ولكنها بقيت بشكلٍ واضحٍ خارج الصراعات المسلّحة الأخيرة مع أذربيجان بشأن كاراباخ في العامين 2020 و2023. أثارت العلاقات الوثيقة بين أذربيجان وإسرائيل القلق في طهران، ولكن ليس بدرجة كافية لمنع الجارتين الساحليتين لبحر قزوين من التعاون في مشاريع مشتركة أو إقليمية مختلفة، مثل سد “قيز قلاسي” عبر الحدود أو ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب.

منذ أوائل العام 2022، أدّى الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا والجهود الجماعية التي يبذلها الغرب إلدعم كييف إلى تقليص الموارد والاهتمام الذي يمكن لأيٍّ من الجانبين تخصيصه لجنوب القوقاز. وقد فتح هذا الوضع الفرصة أمام إيران لسدّ الفراغ في تعزيز أهدافها الاستراتيجية. في جورجيا، ارتفعت واردات الغاز الطبيعي من إيران بشكل كبير، حيث نمت بنسبة 606.5٪ في العام 2023، على أساس سنوي – على الرُغم من أنها تظل متواضعة إلى حد ما من حيث القيمة المطلقة (73.28 طنًا). سياسيًا أيضًا، تقترب جورجيا من إيران. في أيار (مايو) الفائت، قام رئيس وزراء البلاد إيراكلي غاريباشفيلي بزيارة مرتجلة إلى طهران لحضور جنازة الرئيس إبراهيم رئيسي. وعاد في تموز (يوليو) لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، حيث رافقه وزير التنمية.

كما حضر رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان كلا الحدثين في طهران؛ لكن علاقات بلاده مع إيران تتجاوز الزيارات الديبلوماسية رفيعة المستوى. وفي محاولة لإبعاد نفسها عن روسيا وتنويع شركائها الدوليين، تشارك أرمينيا في صيغة تعاون ثلاثية جديدة تُركّز على الاقتصاد والعبور مع الهند وإيران، والتي تم افتتاحها في يريفان في نيسان (أبريل) 2023. وحديثًا، افتتحت أرمينيا “أكبر مركز تجاري في العالم” لإيران وتعهدت بزيادة التجارة الثنائية. كما زُعم أن أرمينيا وقّعت صفقة عسكرية جديدة مع جارتها الجنوبية الأكبر بقيمة 500 مليون دولار. بدورها، تعمل طهران على تعزيز علاقاتها مع يريفان من خلال التعاون مع باكو في مشروع ممر زانغزور المتنازع عليه.

وأخيرًا، على الرُغم من أن أذربيجان وإيران كانتا تاريخيًا تتمتّعان بعلاقةٍ متوتّرة تفاقمت بسبب دعم أذربيجان لإسرائيل، فإنَّ البلدين يقتربان أيضًا. في العام 2023، ردت الحكومة الإيرانية على هجوم عنيف ضد السفارة الأذربيجانية في طهران بإحياء محاولات التقارب. في الواقع، عندما تحطمت مروحية الرئيس رئيسي في وقت سابق من ذلك العام، كان عائدًا من مهمة مصالحة إلى باكو، بعد إلغاء اجتماع مقرر في يريفان. حتى أن خليفته، بزشكيان، أعلن عن نيته حضور مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2024 (مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون، COP29) الذي استضافته باكو في الشهر الماضي؛ رغم أنه رفض الحضور في نهاية المطاف بسبب وجود وفد إسرائيلي رفيع المستوى.

الأهداف الاستراتيجية المزدوجة لإيران في منطقة البحر الأسود الكبرى

إنَّ عودة إيران إلى جنوب القوقاز وتوسيع نفوذها عبر منطقة البحر الأسود الكبرى مدفوعة بهدفين استراتيجيين مزدوجين، يتجسّدان فعليًا في تطوير ممرَّين إقليميين متقابلين. الهدف الاستراتيجي الأول هو إقامة علاقات أوثق مع روسيا. وتحقيقًا لهذه الغاية، تتعاون الدولتان في ممر النقل الدولي عبر البحر الأسود الكبير المذكور أعلاه، والذي يربط الهند بروسيا عبر إيران وأذربيجان كبديل من الطريق البحري الأطول والأكثر تكلفة عبر قناة السويس. وقد زادت جاذبية هذا الممر في السنوات الأخيرة بسبب العقوبات الشديدة المفروضة على إيران وروسيا وكذلك بسبب احتمالات رسوم العبور، والتي من المتوقع أن تستفيد منها كل من إيران وأذربيجان. وعلى الرغم من ضائقتها المالية وتقييدها الشديد بسبب العقوبات، فقد أكملت إيران بنجاح أول نقل للبضائع من روسيا إلى الهند عبر هذا الطريق في تموز (يوليو) 2022.

الهدف الاستراتيجي الثاني لإيران الموجه نحو منطقة البحر الأسود الكبرى هو تحسين الوصول إلى السوق الأوروبية الغنية. ولتحقيق هذه الغاية، تعمل طهران على تعزيز تطوير ممر النقل والعبور الدولي بين الخليج العربي والبحر الأسود، وهو طريق متعدد الوسائط من إيران عبر أرمينيا وجورجيا وعبر البحر الأسود إلى دولتين من أعضاء الاتحاد الأوروبي ابلغاريا أو رومانيا. ومع ركود التجارة بين إيران وتركيا في السنوات الأخيرة بسبب العقوبات وجائحة كوفيد-19، فإنَّ ممر النقل والعبور الدولي من شأنه أن يفتح طريقًا بديلًا لإيران إلى السوق الأوروبية الموحدة، عبر جنوب القوقاز، متجاوزًا بذلك الأناضول التركية بالكامل. كما سُيمَكِّنُ إيران من كسب رسوم العبور من الصادرات الهندية إلى أوروبا التي تعبر أراضيها.

وعلى الرُغم من أنَّ العقوبات الغربية لا تزال تُعيقُ وصول إيران الاقتصادي إلى الاتحاد الأوروبي، فقد حققت البلاد بعض التقدُّم الملحوظ في السنوات الأخيرة في تحسين الاختناقات البنيوية والسياسية المرتبطة بها. وبمساعدة روسية وصينية، تعمل إيران على تحديث سككها الحديدية. في حزيران (يونيو) 2024، أنهت طهران قسمًا من خط سكة حديد رَشت-قزوين بناءً على اتفاق تم توقيعه مع روسيا في أيار (مايو) 2023. وفي تموز (يوليو) من هذا العام، أطلقت إيران والصين قطارات شحن لافتتاح المرحلة الأولى من “ممر السكك الحديدية بين الصين وإيران وأوروبا”. كما أحرزت طهران بعض التقدم الديبلوماسي مع نظيراتها الغربية، على الرغم من مشاركتها النشطة بشكل متزايد في حرب روسيا على أوكرانيا والعقوبات الإضافية التي فرضها الاتحاد الأوروبي. وفي العامين 2023 و2024، التقى المسؤولون البلغاريون بنظرائهم الإيرانيين وأعربوا عن رغبتهم في توسيع العلاقات الاقتصادية الثنائية.

ردود الفعل الغربية

حتى الآن، كان الردُّ الغربي الجماعي ضد بصمة إيران المتوسِّعة عبر منطقة البحر الأسود الكبرى في شكلِ عقوباتٍ مباشرة -وفي حالة الولايات المتحدة، عقوبات ثانوية- ضد إيران وروسيا والجهات الفاعلة التي تساعد طهران وموسكو في جهودهما الحربية. كما أنشأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعثات بحرية ضد هجمات الحوثيين المدعومين من إيران على الأصول البحرية الغربية والتجارة العالمية، والتي أثرت في المقام الأول على الاتحاد الأوروبي. وفي ما يتعلق بالاستجابة السياسية السابقة، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مستهدفة على إيران لشحن الأسلحة إلى روسيا وانتهاكات الحكومة الإيرانية لحقوق الإنسان في الداخل. وقد نسقت الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في هذا الجهد، لكنها فرضت أيضًا عقوبات مباشرة على الكيانات الإيرانية وعقوبات ثانوية على الكيانات في دول ثالثة، بما في ذلك تركيا، لاستيراد النفط الإيراني ودعم إيران عسكريًا؛ كما تستهدف القيود المالية الأميركية وكلاء إيران، مثل الحوثيين. ومن المرجح أن تسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد سبل لزيادة الضغط على إيران في ظل إدارة دونالد ترامب الثانية.

يتعيّن على بروكسل وواشنطن أن تعملا معًا ــفضلًا عن العمل مع شركائهما الإقليميين وحلفائهم ــ لتعزيز وتشديد نظام العقوبات المفروضة على إيران بشكل ملحوظ بما يخدم مصالحهما الجماعية. أوّلًا، يتعين على الاتحاد الأوروبي، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، أن ينظر في فرض عقوبات على الصادرات العسكرية الإيرانية وتمديد العقوبات الثانوية على البلدان التي تساعد التطورات العسكرية الإيرانية.

ثانيًا، لا بُدَّ من إعادة تقييم التهديد العسكري الإيراني للقارة الأوروبية على مستوى حلف شمال الأطلسي، نظرًا للتقدُّم المُحرَز في قدرة إيران على الوصول إلى تكنولوجيا الهجوم عن بعد وخصوصًا الصواريخ، بما في ذلك من خلال عمليات النقل من روسيا. لقد تم تصميم نظام الدفاع الصاروخي الباليستي لحلف شمال الأطلسي لحماية أوروبا من التهديد الإيراني المحتمل، ولكن مراجعة هذه القدرة الدفاعية الجماعية من شأنها أن تُخلّفَ تأثيرًا مُطمئنًا على الحلفاء الأوروبيين وشركائهم الاستراتيجيين في منطقة البحر الأسود، وبالتالي المساهمة بشكل أكبر في التماسك عبر الأطلسي عندما يتعلق الأمر بإدارة التهديدات الناجمة عن إيران.

وبعيدًا من الخطوات الرامية إلى إنشاءِ نظامِ عقوباتٍ عبر الأطلسي أكثر انسجامًا وتقييم التهديدات والدفاع المشترك، فمن الضروري أيضًا أن تعمل كلٌّ من واشنطن وبروكسل على تطويرِ تقييمٍ شاملٍ للأضرار الناجمة عن الإجراءات العدوانية الإيرانية وتقييم التكاليف المُرتَبطة بها التي يتكبّدها الغرب. على سبيل المثال، تفرض التجارة غير المشروعة التي تقوم بها الأساطيل الشبح الإيرانية والروسية تكاليف ومخاطر بيئية هائلة على الغرب. إنَّ الفهم والحساب الأكثر تفصيلًا لمستوى التهرُّب الروسي من العقوبات، بما في ذلك تكاليفه المالية على الغرب، يُشكّلُ شرطًا أساسيًّا لتصميم نظام عقوبات أكثر استهدافًا وفعالية.

على نحوٍ مُماثل، تفرض تصرفات وكيل إيران المتمركز في اليمن على وجه الخصوص تكاليف غير متناسبة على الغرب من حيث النفقات العسكرية اللازمة للدفاع ضد طائرات الحوثيين المسيرة والصواريخ فضلًا عن ارتفاع أسعار السلع المستوردة بسبب هجماتهم – سواء كانت ناجحة أم لا – على الشحن البحري الدولي. وأخيرًا، تنفجر الطائرات المسيرة الإيرانية الآن بانتظام على أراضي حلف شمال الأطلسي في محيط أوكرانيا. إنَّ الفهم المشترك لطبيعة هذه الأضرار من شأنه أن يُمكّنَ الغرب من تصميم وسائل الدفاع والمرونة التي تكون فعالة من حيث التكلفة ومتماشية مع المصالح الغربية.

  • الدكتورة يوليا سابينا جوجا هي مديرة برنامج البحر الأسود التابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، كما تقوم بتدريس الأمن الأوروبي كأستاذة مساعدة في جامعة جورج تاون وجامعة جورج واشنطن. وتركز أبحاثها بشكل أساسي على الأمن الأوروبي وأمن البحر الأسود.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى