شرقُ أوسطٍ نوويٌّ ليسَ شرقًا أوسطَ آمنًا
أيُّ خطوةٍ حاسمةٍ تُقدِمُ عليها إيران نحو الأسلحة النووية قد تفتح الباب على مصراعيه للإنتشار في الشرق الأوسط، حيث في غضون أشهر، قد نشهد أربع قوى نووية جديدة في المنطقة، بالإضافة إلى القدرات النووية الحالية في إسرائيل.

دانيال سيروير*
تُراكِم إيران ما يكفي من اليورانيوم المُخصَّب لصُنعِ سلاحٍ نوويٍّ في غضونِ أسابيع أو أشهر، وليس سنوات. بَعدَ انسحابِ الولايات المتحدة في العام 2018 من الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي كان سيؤجِّل هذا الاحتمال، يدعو الرئيس دونالد ترامب الآن إلى إجراءِ مفاوضاتٍ جديدة مع طهران. وفي الوقت نفسه، يتجادلُ الكوريون الجنوبيون حولَ ما إذا كانوا سيمتلكون أسلحةً نووية خاصة بهم لأنَّ المظلّة النووية الأميركية لم تَعُد أمرًا مضمونًا، فيما يتطلّعُ المستشار الألماني الجديد إلى فرنسا والمملكة المتحدة للحماية النووية.
في الشرق الأوسط، لا تقتصر المسألة النووية على إيران فحسب. فإسرائيل تمتلكُ بالفعل ترسانةً نووية غير مُعتَرَف بها. وقد صرّح كلٌّ من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنهما سيسعيان إلى مُعادلةِ القدرات النووية الإيرانية. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنَّ بلاده يجب أن تكون مثل ألمانيا، قوة عظمى خالية من الأسلحة النووية. ولكن هل ستواصل مصر ضبط النفس إذا اتجهت تركيا أو المملكة العربية السعودية نحو امتلاك أسلحةٍ نووية؟ إنَّ وجودَ خمسِ دولٍ مسلَّحة نوويًا وغير صديقة في منطقةٍ بحجم الولايات الثماني والأربعين السفلى في أميركا هو احتمالٌ حقيقي خلال العقد المقبل، أو قبل ذلك بكثير.
القدراتُ النووية المدنيّة تتزايد في المنطقة
تركيا، التي تمتلك مفاعلًا بحثيًا واحدًا عاملًا قادرًا على إنتاجِ كمياتٍ صغيرة من البلوتونيوم، تُشيِّدُ محطّةَ طاقةٍ تجارية روسية تضمُّ أربعة مفاعلات من المقرر أن تُنتِجَ الكهرباء في السنوات القليلة المقبلة، وتتفاوض حاليًا بشأنِ مفاعلَين آخرين. لكن حكومتها تعهّدت صراحةً بعدم تسليح هذه التكنولوجيا. وقد وقّعت أنقرة وصادقت على معاهدة حظر الانتشار النووي، بالإضافة إلى بروتوكول إضافي أكثر صرامة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.
وتستعد المملكة العربية السعودية أيضًا لبناءِ أوّلِ محطةٍ نووية لها، وتعتزمُ تزويدها جُزئيًا بالوقود من مواردها الخاصة من اليورانيوم. كما وقّعت الرياض على معاهدة حظر الانتشار النووي، ولكن ليس على البروتوكول الإضافي. وقد صرّح السعوديون بأنهم لن يُوقّعوا أيَّ اتفاقياتٍ جديدة حتى تتخلّى إسرائيل عن أسلحتها النووية، ولكن يفيدُ بعضُ التقارير إنهم مستعدّون للمضي قدمًا إذا قدّمت واشنطن ضماناتٍ أمنية مُرتبطة بالتطبيع مع إسرائيل، وإيجاد مسارٍ قابلٍ للتطبيق نحو دولة فلسطينية.
أما مصر فتمتلك مفاعلَين بحثِيَين – أحدهما روسي والآخر أرجنتيني. وقد وقّعت على معاهدة حظر الانتشار النووي وبروتوكولها الإضافي، وتقوم روسيا ببناء أول محطة طاقة تجارية بأربعة مفاعلات فيها.
ولدى الإمارات العربية المتحدة، التي وقّعت أيضًا على معاهدة حظر الانتشار النووي وبروتوكولها الإضافي، محطة طاقة تجارية بأربعة مفاعلات بنتها كوريا الجنوبية.
الواقع أنَّ قدراتَ التخصيب وإعادة المعالجة في الشرق الأوسط غير واضحة. يُسمح للدول الموقِّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي والبروتوكول الإضافي إجراء عمليات التخصيب وإعادة المعالجة للأغراض المدنية. سيكون من المُستَغرَب ألّا تكون تركيا، وربما مصر، قد أجرتا تجارب على كمياتٍ صغيرة من اليورانيوم والبلوتونيوم المُخصَّب. من جهةٍ أخرى، لا يُسمَحُ للدول الموقِّعة على اتفاقية “123” الثُنائية مع الولايات المتحدة القيام بذلك من دون موافقةٍ أميركية. تنتهي اتفاقية تركيا “123” في العام 2028. أما مصر والمملكة العربية السعودية فلم توَقِّعا على اتفاقيةٍ كهذه.
إنتشارُ الأسلحة النووية عالميًا كان بطيئًا
كان انتشارُ الأسلحة النووية في العقود الأخيرة أبطأ مما كان مُتَوَقَّعًا. من المُرجّح أنَّ الإسرائيليين امتلكوا أسلحة نووية قبل العام 1970. ويُعتَقَدُ أنَّ إسرائيل وجنوب أفريقيا أجرتا تجارب مشتركة في المحيط الهندي في العام 1979. واختبرت الهند وباكستان أسلحة نووية في العام 1998، لكن الهند كانت أجرت بالفعل تفجيرًا نوويًا “سلميًا” في العام 1974. واختبرت كوريا الشمالية سلاحًا نوويًا لأول مرة في العام 2006. وهذه هي القوى النووية الوحيدة المعروفة بالإضافة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا وفرنسا والصين.
لقد أثبتت المواجهات النووية الثُنائية أنها قابلة للإدارة. فقد أثبتت الولايات المتحدة وروسيا، وباكستان والهند، والهند والصين، وكوريا الشمالية والولايات المتحدة حتى الآن أنَّ الدول المسلحة نوويًا لا تُهاجم بالضرورة بعضها البعض أو الدول غير النووية.
من ناحية أخرى، يتجنَّبُ بعضُ الدول الأسلحة النووية أو يتخلّى عنها. وافقت البرازيل والأرجنتين على التراجع عن الأسلحة النووية. وتشكو الدول العربية أحيانًا بصوتٍ عالٍ من ترسانة إسرائيل النووية، لكنها لم تفعل شيئًا حيال ذلك حتى الآن. تخلّت جنوب أفريقيا عن أسلحتها النووية بعد نهاية نظام الفصل العنصري. وبعد إعلان استقلالها عن الاتحاد السوفياتي، سلّمت أوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان الترسانات النووية التي تركها النظام السوفياتي على أراضيها أيضًا.
الانتشارُ في الشرق الأوسط قد يكون سريعًا وقاتلًا
يُعزى بطءُ وتيرة الانتشار حتى الآن إلى الحرب الباردة، وعَقدِ القطب الواحد في التسعينيات الفائتة، والحرب على الإرهاب. خلال الحرب الباردة، قاومت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السماح لأيٍّ من حلفائهما بالحصول أو السيطرة على أسلحةٍ نووية. كانت الأسلحة النووية في أوكرانيا وكازاخستان خاضعة لسيطرة موسكو المباشرة. وبعد أن أجرت بريطانيا وفرنسا تجاربَ على رؤوس حربية نووية في العامين 1952 و1960 على التوالي، فرض الأميركيون سياسة عدم الانتشار بقوة، لا سيما مع ألمانيا.
مع ذلك، على مدار العقد الماضي، أدّت عودة الجغرافيا السياسية متعدّدة الأقطاب إلى إضعافِ مصداقية واشنطن وقوة موسكو. انحدرَ الشرقُ الأوسط إلى دوّامةٍ من الصراعات. وقد أدّت حربُ إسرائيل على “حماس” و”حزب الله” والحوثيين، وانهيار نظام بشار الأسد في سوريا، إلى تراجُعِ نفوذ إيران. لكن ذلك لم يؤدِّ إلّا إلى زيادة اهتمام المُتشدِّدين في طهران بالحصول على وسائل بديلة لحماية الجمهورية الإسلامية. وتتمتّع تركيا بعلاقاتٍ هشّة مع بقية أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ ولم تنجح المملكة العربية السعودية حتى الآن في إقناعِ الأميركيين بتوقيعِ اتفاقيةٍ أمنيةٍ ثُنائية.
أيُّ خطوة حاسمة من جانب إيران نحو الحصول على أسلحة نووية قد تفتح الباب على مصراعيه للإنتشار في الشرق الأوسط، حيث عندها في غضون أشهر، قد نشهد ولادة أربع قوى نووية جديدة في المنطقة، بالإضافة إلى القدرات النووية الحالية في إسرائيل. هناك دقائق فقط من وقت إطلاق الصواريخ تفصل عواصم القوى النووية المحتملة في الشرق الأوسط. كما إنَّ التسليمَ السري ب”عربة ثور” هو احتمالٌ وارد. إنَّ العداءَ المُتبادِل وعدم الفهم ينتشران في جميع أنحاء المنطقة. وهناك العديد من الأسباب الوجيهة للتعاون الإقليمي التي يمكن أن تؤدّي إلى الاستقرار، لكن ذلك لم يَحدُث بعد وسيستغرق وقتًا وحكمة غير متوفّرَين بسهولة. إن الشرق الأوسط النووي ليس شرقًا أوسط آمنًا.
- دانيال سيروير هو أستاذ وزميل أول في معهد السياسة الخارجية في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، وهو عضو تابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن. يكتب مقالاته على المدوّنة: peacefare.net ويغرّد عبر منصة “إكس” على: @DanielSerwer.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.