صحّ النوم

بقلم راشد فايد*

تعتمد الدول جميعاً، مُتقدِّمة أو مُتخلِّفة، في معيار النظم الإقتصادية أو الإجتماعية، كما السياسية، وغيرها، سجلات لبراءات الإكتشافات والإختراعات، من علمية وفكرية، غايتها حفظ حق الملكية لصاحب هذه أو تلك.

تذكرتُ ذلك وأنا أستمع إلى بيان “الإجتماع الإقتصادي والمالي والأمني والقضائي” الذي انعقد الإثنين الفائت في قصر بعبدا واتّخذ “قرارات” لا تدعو إلى أقل من الهزء بجمهورية الفساد الوطني والقائمين على إدارة شؤونها. فما سُمِّيَ في البيان بقرارات، ليس سوى ألف باء تولي المسؤولية في أي دولة تمرّ بما يمرّ به لبنان اليوم. فبعد 7 أشهر على كارثة مرفأ بيروت، وانطلاق اندحارالعملة الوطنية أمام الدولار الأميركي، واستكمال تهريب الثروات إلى مصارف الخارج، وتسريبها، مع المواد الغذائية المدعومة، وغير المدعومة، إلى نظام الأسد في سوريا، يُفاجئنا بيان إجتماع بعبدا، وبالأحرى يُفاجعنا (استنسال من الفاجعة المفاجئة، أو المفاجأة المفجعة وهي من بنات أفكار الزميل الكبير الياس الديري شفاه الله) بُـشبه “مبادرات” تكاد تكون شمشونية، وتقييمات “يجب أن تُثَمَّن عالياً” كما درج في الأدبيات السوفياتية البائدة، فلا يمرنّ مرور الكرام قرار “بتكليف الأجهزة الأمنية ضبط مخالفي قانون النقد والتسليف”، ما يشي بأن هذه الأجهزة لا تؤدي هذا الدور منذ “انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019” ودعواتها للحرب على الفساد، وأن الحكم يتفرّج من يومها، ولا يُبادر، وكيف يُبادر وهو مشغولٌ برَي أحلام الصهر بوعدٍ لا يستحقّه في ميراثٍ لا يملكه، ولو عطّل تشكيل حكومة جديدة، كما اتهمه قصر الأليزيه الرئاسي الفرنسي.

يُعطي بيان بعبدا الجديد انطباعاً بأن الدولة تصحو اليوم من نومة أهل الكهف، فتركض لاستلحاق ما غاب عنها، وتُكلّف الأجهزة الأمنية “ضبط مُخالفي قانون النقد والتسليف”، كأنها مهمة ليست من طبيعة عملها في أزمة كالتي يعيشها البلد. ولقد سمحت اليقظة المُفاجئة أن يكتشف فخامته وجود “جهات ومنصات خارجية تضرب النقد ومكانة الدولة المالية”، فدعا “الأجهزة لتقوم بتطبيق القوانين” ما يوحي بأنها لم تكن تقوم بذلك.

يستحق بيان الاجتماع أن يصرخ اللبنانيون “صحّ النوم”، وأن يتخطّوا ما عبر، وأن يستعدّوا لمُستقبلٍ يفوق الحاضر سواداً، خصوصاً أن الرئيس ميشال عون وعد بأنه ماضٍ في برنامجه الإصلاحي “مهما بلغت الضغوط”، وسهى عن باله أن يعرض ما تحقق مما سمّاه البرنامج، فهم في غفلة عنه، ويحتاجون إلى مَن يفتح أعينهم عليه.

المؤسف أن نظرته الإستراتيجية للأمور الوطنية، وغرقه في هموم برنامجه للإصلاح، غيَّب عنه موضوعاً “سخيفاً” هو مصير تشكيل حكومة جديدة، وفق المبادرة الفرنسية، التي يتحمّل عرقلتها الصهر، جبران باسيل، على قول باريس. المؤسف أيضاً أن “يسهو” فخامته عن كون كل دول العالم مُستعدة لدعم لبنان إذا عاد رئيسه إلى “جادة اتفاق الطائف”، وتوقّفت الأكاذيب عن الثلث المعطل، التي دحضها الوزير والنائب السابق إدمون رزق، الشريك الفاعل في صياغته.

بينما كان مجتمعو بعبدا يُفسّرون الماء بالماء، كان قائد الجيش العماد عون يخاطب جنوده بمسؤولية وواقعية، تحتاجها البلاد.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى